اخبار العراق الان

لماذا يفزعون لـ”الفلوجة” ويتباكون عليها ويحذرون من مجازرها ولا يفعلون الشيء نفسه للرقة؟

لماذا يفزعون لـ”الفلوجة” ويتباكون عليها ويحذرون من مجازرها ولا يفعلون الشيء نفسه للرقة؟
لماذا يفزعون لـ”الفلوجة” ويتباكون عليها ويحذرون من مجازرها ولا يفعلون الشيء نفسه للرقة؟

2016-05-27 00:00:00 - المصدر: راي اليوم


عبد الباري عطوان

الوضع السوري بكل جوانبه يتطور نحو الاسوأ، وباتت سورية العظيمة فريسة لسكاكين كل من هب ودب، والكل يريد ان ينهش قطعة من لحمها، فهذا يهدد ويزبد ويرعد، مطالبا بتغيير رئيسها، وآخر يريد اقامة حكم ذاتي، او دولة على ارضها، وثالث يضغط من اجل مناطق آمنة، ورابع يضع لها دستورا يلغي هويتها العربية والاسلامية، ويفتتها الى كانتونات عرقية وطائفية.

المصيبة الكبرى ان المتورطين في جميع هذه المخططات سوريون وعرب ومسلمون، الى جانب طابور طويل يضم القوتين العظميين، وقوى اقليمية اخرى مثل ايران والسعودية وتركيا وفرنسا وبريطانيا والمانيا، ولن نستبعد ان تنضم اليها دول مثل سيرلانكا وفيجي وميكرونيزيا، والحبل على الجرار، وسوريا وشعبها هما الضحية اي كانت التدخلات والنتائج.

منطقة الرقة تشهد حاليا هجوما شرسا تشنه قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية، للسيطرة على المدينة “العربية”، بدعم من قوات امريكية خاصة على الارض، وغطاء جوي في السماء، ونشرت وكالة الانباء الفرنسية صورا لجنود امريكيين يرتدي بعضهم اللباس الرسمي لهذه القوات الكردية، بينما احتفظ البعض الآخر بزيه العسكري الامريكي.

العنوان الرسمي لهذه الحرب هو مكافحة الارهاب، والقضاء على “الدولة الاسلامية” واخراج قواتها من المدينة، هذا اذا لم يتم القضاء عليها قضاءا مبرما، ولكن الهدف الاكبر والاهم هو القضاء على سورية مثلما تم القضاء على ليبيا واليمن والعراق والتفتيت واحد، وبسبب هذا العنوان، الذي يحظى بشرعية امريكية وغربية، فإن هناك حالة من الصمت المتواطيء تسود جميع القوى في المنطقة، باستثناء تركيا وحلفائها في المعارضة السورية، الذين يصرخون الما من نتائج افعالهم، وينددون بهذا التدخل الامريكي.

***

الاعلام الخليجي “السني” يشن حملة اعلامية شرسة في وسائط التواصل الاجتماعي، جنبا الى جنب مع وسائل الاعلام التقليدية الاخرى، مثل الفضائيات، يبكي فيها على المجازر التي يتعرض لها ابناء الطائفة السنية المحاصرين في المدينة على ايدي وحدات من الجيش العراقي العربي مدعومة بقوات الحشد الشعبي، العربية الشيعية، وغطاء جوي امريكي، وهذه حملة مشروعة ومبررة، بالقياس لما حدث من مجازر مماثلة في تكريت، وغيرها من المدن التي استعاد الجيش العراقي السيطرة عليها مدعوما بالتحالف نفسه، لكن الغريب ان هذه الحملة، التي تقف وراءها السعودية، ودول خليجية اخرى، تصمت صمت القبور تجاه الهجوم الحالي الذي تتعرض له مدينة الرقة من قبل تحالف كردي سني آخر مدعوم من امريكا ايضا، رغم ان الغالبية الساحقة من مواطنيها من ابناء الطائفة السنية، وتسيطر عليها قوات “الدولة الاسلامية” ايضا.

اي نفاق هذا.. واي تناقض.. واي دموع تماسيح تُذرف؟ وهل هناك مواطنون “سنة” درجة اولى يجب حفظ ارواحهم، لان “الجزار” عربي شيعي، وآخرون درجة ثانية او ثالثة يجب اباحة دمائهم حلال لان “الجزار” كردي سني؟ ثم من يقرر هذه المعايير، “الجزار”؟ ام الولايات المتحدة الامريكية التي توفر الغطاء والحماية والدعم للجهتين المهاجمتين، وتهيىء الضحية للذبح والسلخ؟

نأسف لتناول هذه التناقضات الطائفية المعيبة في هذه الزاوية، ولكننا مضطرون لفعل ذلك، ونحن الذين نعادي الطائفية والطائفيين، ونعتبرها الخطر الاكبر على الامة والمنطقة، لان هذا هو الواقع المؤسف الذي تعيشه المنطقة، وسورية والعراق على وجه التحديد على ايدي “المحررين الامريكان” ومن والاهم من العرب والمسلمين، مواطنين كانوا او حكومات، وتحولوا جميعا الى ادوات لتنفيذ مخططات التقسيم والتفتيت، والفتن الطائفية تحت المظلتين الامريكية والروسية.

من يحرص على دماء ابناء الفلوجة، عليه ان يبدي الحرص نفسه على دماء ابناء الرقة ايضا، وكل مواطن سوري او عراقي ايا كان مذهبة، او عرقه، او دينه، فهؤلاء جميعا بشر، وعرب، ومسلمون، يجب ان تحقن دماؤهم، وان يتم التعامل معهم وسلامتهم على القدر نفسه من المساواة، ومن يعتقد انهم غير ذلك فليتفضل ويصحح معلوماتنا.

لا نستبعد مطلقا، وبالنظر الى هذا الحشد الهائل من المقاتلين والعتاد العسكري الحديث، والغطاء الجوي الامريكي، ان يتم الاستيلاء على الرقة والفلوجة والموصل بعد معارك شرسة، وحمامات دماء، وتدمير شامل، ولكن السؤال الذي نبحث عن اجابه له، هو عن من سيملأ الفراغ الذي سينجم عن القضاء على هذه “الدولة الاسلامية”؟ والى اي سيادة ستعود هذه المدن؟ واذا كان البعض يجادل بأن الفلوجة مثل الرمادي والموصل وتكريت ستعود للسلطة الشرعية في بغداد، فلمن ستعود السيادة على الرقة؟ للحكومة السورية ام لمنظومة اتحاد شمال سورية الكردية؟ ام لمعارضة الرياض السورية المسلحة، التي تصر المملكة العربية السعودية انها الممثل الشرعي الوحيد للشعب السوري، ام الى تركيا، حامية حمى الطائفة السنية؟

مفارقة اخرى في قمة الغرابة، تتمثل في وقف معظم فصائل المعارضة السورية المسلحة في خندق “الدولة الاسلامية” في حربها ضد قوات سورية الديمقراطية الكردية التي تشن حربا لاستعادة الرقة، وربما النظام السوري ايضا، سواء بشكل علني او سري، والسبب ان معظم هذه الفصائل تقف في خندق الحليف التركي، وتتبنى توجهاته، وتطيع اوامره، وتعارض هذا البروز للدور الكردي والدعم الامريكي له.

عندما حذرنا اكثر من مرة، وفي هذا المكان، الرئيس رجب طيب اردوغان من ان تركيا ستدفع ثمنا باهظا لتدخلها في سورية، ستواجه مخططات التفتيت والتقسيم والاستنزاف المادي والبشري نفسها، وان لم يكن اكثر، والمسألة مسألة وقت وتوقيت فقط، ثار علينا البعض في القصر الرئاسي التركي ومحيطه، ولم يتركوا شتيمة الا ووجهوها ضدنا، ووضعونا على القامئة السوداء وما زالوا.

تركيا الرئيس اردوغان تجد نفسها في مأزق من الصعب ان تخرج منه، الى دانب مآزق اخرى ليس هما مكان لسردها، فالحليف الامريكي الذي لعب دورا كبيرا في توريطها في الملف السوري، وطعنها في الظهر، تماما مثلما طعن حليفها السعودي، وبات يدعم الاكراد وميليشياتهم، ويمهد الارضية اللازمة لاقامة دولتهم على الارض السورية والتركية على غرار دولة كردستان العراق غير المعلنة.

ماذا سيفعل الرئيس اردوغان في مواجهة هذا المخطط؟ هل سيكتفي بشتم امريكا، واتهامها بالخيانة ودعم الارهاب الكردي؟ ام سيتدخل عسكريا لنصرة حلفائه في المعارضة السورية المسلحة الذين يواجهون التهميش التدريجي لمصلحة الحليف الكردي، الحليف المعتمد، للقوتين العظميين امريكا وروسيا.

اليوم افتتح الحزب الاتحادي الديمقراطي الكردي السوري مكتبا تمثيليا في قلب باريس، وبحضور سيء الذكر برنارد هنري ليفي الصهيوني العريق، وسيتحول في المستقبل القريب الى سفارة بعلم وسفير، وربما سيجاوره مكتب، او سفارة اخرى، لحزب العمال الكردستاني، فماذا سيفعل الرئيس اردوغان؟

السيد غريب حسو ممثل  او “سفير” الحزب الاتحادي الديمقراطي الكردي في كردستان العراق، اكد يوم امس ان الرقة بعد تحريرها ستنضم الى النظام الفيدرالي الكردي الذي يضم ثلاث مناطق حكم ذاتي، اي انه سيتم اسقاط الهوية العربية عنها، فماذا سيقول الرئيس اردوغان وحلفاؤه في الخليج؟

***

نحن لا نبريء النظام السوري في دمشق، ونحمله الجزء الاكبر من المسؤولية عما حدث ويحدث في سورية ايضا، ولكننا هنا نتحدث عن الذين تدخلوا عسكريا وسياسيا وماليا في الازمة السورية، وضخوا المليارات وآلاف الاطنان من الاسلحة، ووعدوا الشعب السوري بسورية جديدة نموذجية، يعمها الرخاء والاستقرار وتسودها الحريات، بحيث يحسدها كل جيرانها العرب.

اليوم اعلنت الرئاسة السورية على صفحتها على “الفيسبوك”، وليس في بيان رسمي، نفيها نفيا قاطعا ان يكون عرض عليها اي مسودة جديدة لدستور سوري، واكدت ان اي دستور جديد لن يأت من الخارج بل سيكون سوريا فقط، واكدت موسكو ان هذه المسودة المتداولة اصدرها مركز كارتر واعدتها فصائل سورية معارضة بمساعدة خبراء امريكيين، ولكن ايا كانت الجهة التي اصدرت هذا الدستور، فإنه جاء بتفاهم روسي امريكي، وسيكون على طاولة المفاوضات لاحقا.

ما يجري في الرقة حاليا، واماكن اخرى في سورية، هو تطبيق حرفي لهذه المسودة التي تركز على اسقاط الهوية العربية لسورية، وتطبيق نظام “الفدرلة” والتقسيمات الطائفية والعرقية التي يقوم عليها، والضحية، وكالعادة، هم العرب بالدرجة الاولى، والاتراك بالدرجة الثانية، تماما كما حصل في اتفاقات سايكس بيكو الاولى.

جون كيري، وزير الخارجية الامريكي، قال ان سورية القديمة الموحدة لن تعود، فكيف نفشل هذا المخطط، ونحافظ على وحدتها وتعايش اهلها، وتعزيز جيشها، في اطار حكم تعددي ديمقراطي حقيقي؟ المهمة صعبة، ولكن الخطوة الاولى، منع هذا المخطط وافشاله.