اخبار العراق الان

ناشط فلسطيني سوري في رسالة مؤثرة بعد منحة جائزة حقوق الإنسان: أوقفوا القتل

ناشط فلسطيني سوري في رسالة مؤثرة بعد منحة جائزة حقوق الإنسان: أوقفوا القتل
ناشط فلسطيني سوري في رسالة مؤثرة بعد منحة جائزة حقوق الإنسان: أوقفوا القتل

2016-10-24 00:00:00 - المصدر: 24.ae


ناشط فلسطيني سوري في رسالة مؤثرة بعد منحة جائزة حقوق الإنسان: أوقفوا القتل

الإثنين 24 أكتوبر 2016 / 14:43

24 - أبوظبي

منحت السويد أمس الأحد، جائزتها لحقوق الإنسان "بير أنغر" للشاب الفلسطيني السوري عبدالله الخطيب. وحاز الخطيب على جائزة حقوق الإنسان، عن عمله في توثيق أعداد شهداء الجوع والقنص في مخيم اليرموك المحاصر، ولدوره الشجاع في الدفاع عن حقوق الإنسان في سوريا، وفقاً لما جاء في الموقع الرسمي التابع للحكومة السويدية الناطق بالعربية.

وكان الخطيب (27 عاماً)، يدرس علم الاجتماع في جامعة دمشق قبل اندلاع الحرب السورية، أما الآن فهو يحصي الذين ماتوا جوعاً ويوثق الأوضاع في المخيم.

ولم يستطع عبدالله الخطيب أن يحضر مراسم تسليم الجائزة، لأنه يعيش متخفياً في سوريا بسبب التهديدات التي وصلته من النظام السوري ومن تنظيم داعش بسبب نشاطه، وكان الخطيب نجا من محاولة اغتيال فاشلة في شهر تموز (يوليو) الماضي.

وأرسل الخطيب رسالة قرأت أثناء تسليم الجائزة وفيما يلي ننشر نصها:

سيداتي سادتي:
مرّ وقت طويل على آخر مرّة واجهت فيها جمهوراً أمامي وجه لوجه، هذا لحسن الحظ يجعل الكلام أسهل بالنسبة لي، ولكنه في الوقت نفسه ودون أن أدري لماذا، يجعلني في كل مرة أشعر بنفسي كعجوز يكتب رسالته الأخيرة في هذه الحياة.

على كلٍّ، أكتب لكم أحبتي، اسمحوا لي بأن أناديكم بأحبتي دون سابق معرفة، فالحصار يحول المحاصر لشخص هش عاجز عن الكلام إلّا مع من يحبهم، أكتب لكم من جنوب العاصمة دمشق المحاصر، وكلّي أمل أن تصلكم مشاعري الحقيقة رغم أنف هذا الحصار الذي منعني أن أكون معكم هذا اليوم.

السيدة وزيرة الثقافة: "هذا البلد لم يخض حرباً منذ 200 سنة".

هذه الجملة وجدتها مكتوبةً في أغلب النصوص التاريخية التي قرأتها عن بلدكم قبل أن أبدأ بكتابة خطابي هذا، لم أصدق هذه الجملة في البداية، كيف يكون شكل هذه البلاد التي لا تخوض الحروب!

بداية حاولت جاهداً البحث عن المشترك بيننا كي أتحدث به، لكنّ التاريخ بلسانه الساخر دفعني باتجاهٍ آخر.

سيداتي سادتي في البلاد التي لم تخض حرباً منذ 200 سنة، سأحكي لكم قصتي.

قبل 27 عاماً تماماً ولدت في مخيم للاجئين الفلسطينيين يسمى مخيم اليرموك، يقع على هذا الكوكب، هو ذات الكوكب الذي تعيشون فيه، ورغم أنّي من لحظة ولادتي سميّت لاجئاً، لكنّ والداي أيضاً لم يبخلا علي باسمٍ كما كلّ الأطفال، فسميت عبدالله ودخلت المدرسة سعيداً كما كلّ الأطفال، رغم أنني كنت مجبراً في هذه المدرسة التي تحمل علماً أزرقاً على تناول زيت السمك الذي كنت أكره طعمه، وأظنكم لم تجبروا على تناوله في مدارسكم، ولم يمنعني غياب الملاعب في المخيم أن تكون كرة القدم من هوايتي، وأدّعي أنني أعرف السباحة جيداً مثلكم مع أن زياراتي للبحر تعدّ على أصابع الكف الواحدة، ورغم أنني لا أملك الحق بامتلاك جواز سفر، لكنّي تعرفت على هذا العالم ليس لأني رأيته بعيني مثلكم، بل لأني كنت أحب الاستماع لحكايات المسافرين ومن ثم أحلق في أحلامي حول عالمكم.

وكان لي حبيبة مثل كل المراهقين، صحيح أنني كنت أبتعد عن طريق أبيها الغاضب دوماً، لكنّ ابتسامة أمها حين تراني كانت تعطيني الاحساس بالأمان، دخلت الجامعة لأدرس علم الاجتماع مدفوعاً برغبتي لفهم هذا العالم القاسي، المليء بالحروب تلك التي لم تعرفونها من 200 سنة، وربما هي الصدفة فقط من جعلتني أمتلك الدرجات الكافية لدراسة هذا الاختصاص.

وللأمانة أجد نفسي هنا مضطراً لأخبركم بأنّنا لسنا متشابهين تماماً، فأنا لا ألعب الغولف، ولم أر المترو في حياتي وحتّى الآن لم أصدق أنّ السيارات أصبحت تسير بواسطة الكهرباء، ولا أتخيل كيف ولماذا تسير القطارات في باطن الأرض، لم أمتلك يوماً بطاقةً مصرفية، ولا بطاقة سنوية لدخول السينما.

ويحتم عليّ الواجب أيضاً أن أخبركم بأنني لم أتخرج من الجامعة، ليس لأنني كنت مهملاً في الدراسة، بل لأنّ حرباً طارئةً استوطنت هذا المكان.

سأخبركم شيئاً عن الحرب التي لم تعرفونها منذ 200 سنة، كنت أمشي في شوارع المخيم صباحاً في يوم من أيام الحصار الطويلة، شاهدت طفلاً لا يتجاوز عمره التاسعة، من الغريب أن ترى الأطفال يمشون في الشوارع وحدهم في هذه الساعة من الصباح الباكر، كان منحنياً على الأرض يبحث عن شيء ما، اقتربت منه أكثر وحين وصلت إليه تماماً قبض راحة يده التي لا يتجاوز حجمها حبة جوز على ما بداخلها، سألته ماذا تخفي لم يجبني فوراً، في الحقيقة لم يجبني أبداً، اكتفى فقط بفتح راحة يده، ورغم دموعي التي انهمرت وقتها، لكني استطعت تمييز 9 حبات من الرز هي التي استطاع جمعها بعد تعب.

نعم أيّها السادة هذا الطفل كان يجمع طعامه، كان وجبات الطعام في المخيم المحاصر تحصى بعدد حبات الرز.

هل تعرفون ما اسم هذا الطفل؟
بالمناسبة لا يهم، حتّى أنا لا أعرف، في الحصار خسرنا أسمائنا التي اكتسبناها في الطفولة كما أخبرتكم قبلاً، وأصبح لنا جميعاً اسم واحد "كائن تحت الحصار".

سيادتي سادتي: لم يخطر يوماً ببال أحدٍ من مجموع السوريين الذين عشت بينهم أنهم سيصبحون مشهورين على مستوى الكوكب، كما هم الآن، كانوا يعيشون حياتهم ببساطة كما أغلب الشعوب، يعملون في حقولهم ومصانعهم، يذهبون إلى مدارسهم، يتزوجون ينجبون للحياة أطفالاً ويحملونهم آمالهم كما كلّ البشر، لكنها كانت لحظة فاصلة في حياة السوريين حين شعروا بحرارة الحرية تعصف بمنطقتهم، كان الجميع في سرهم يقولون نحن أيضاً نستحقها، لم يكن أحد منهم يتخيل أنّ القرن الواحد والعشرين سيحمل لهم هذا الجحيم الذي يعيشون فيه.

طالب السوريون بحريتهم وأيّدتهم في هذا كل شعوب الأرض تقريباً وكل الحكومات وكل الإعلام، كلهم كانوا ينادوا بحرية السوريين، ولكن حين جاءت لحظة الحقيقة تخلى عنهم الجميع.

ولأن الفلسطيني يحمل في أعماقه ذاكرةً لم تشف بعد من آلام الموت والفقد والتهجير من أرضه، كان من المستحيل عليه الوقوف بعيداً عن الكارثة التي حلّت بالشعب الذي استضافه حين طرد من أرضه إثر قيام دولة إسرائيل، ولأن السوريين لم يطلبوا أكثر من الحرية كان الواجب الأخلاقي يفرض على شعب حرم أيضاً من الحرية أن يساند السوريين في رغبتهم بالحرية، فكنت أنا الفلسطيني السوري والسوري الفلسطيني في آن واحد.

لكنّ أحداً لم يتوقع حجم الكارثة، كانت الجريمة أكبر من قدرة البشرية على الاستيعاب، مدنٌ بأكملها دمّرت، أطفالٌ قتلوا في أرحام أمهاتهم ونساء اغتصبوا حتّى الموت ورجال قتلوا تحت التعذيب.

سيادتي سادتي هل صادف أن كان لكم صديق ومات بالتعذيب؟

هل جربتم هذا الشعور؟

أنا جربته كان لي صديق اسمه حسان مات بعد التعذيب، هل تعرفونه؟ حسان كان يعمل بالكوميديا، كان قادراً حتّى على إضحاك الشياطين لكنّه لم يستطع إضحاك قاتله لحظة قتله، وخالد صديقي أيضاً مات بالتعذيب وغيرهم كثيرون.

مئات الألاف من المدنيين سحقوا تحت الأنقاض، تحولت المدارس لمراكز اعتقال، والمستشفيات لثكنات عسكرية، والحدائق منازل للنازحين المشردين الهائمين على وجوهم، أمّا مخيم اليرموك الذي أخبرتكم عنه ذلك المكان الذي ولدت فيه، الذي كان يضج بالحياة، تحول لمركز استقبال للنازحين.

في البداية عشرات الآلاف من النازحين الهاربين من الحرب في أحياء العاصمة دمشق توجهوا نحو المخيم، فتحت المدارس والمساجد لاستقبال النازحين، وفي لحظة مفاجئة تغير خطّ الحياة الذي كنت أرسمه لنفسي، لم أكن وحدي، الكثيرون أيضاً هجروا أحلامهم، تخلوا عن كل شيء، واحترفوا صناعة الحياة بطريقتهم المذهلة، كانوا يتصرفون كالأنبياء.

ولأنّ الطائرات من كلّ جنس ولون استولت على حناجر الأطفال، أقاموا لهم المدارس والملاعب، ولأنّ نيران الصواريخ تعرف خرائط أشجارنا وبيوتنا المفتوحة كقصيدة نثر، أطفأوها بأكفّهم العارية.

ولأنّ الشهيد وحده من يستطيع أن يكون شاهداً، سقطوا يحملون آلات تصويرهم بأيديهم ولأن الطغاة استسهلوا تجويع الأطفال لكسر الإرادة الكبار، حولوا مزابلهم لبساتين تكسر إرادة الحصار.

كانوا يدرسون الطب والهندسة والآداب، ولكنهم فجأة تحولوا مسعفين وإعلاميين وعمال نظافة وفلاحين ومعلمين للأطفال، لكن الموت لم يمهلهم كثيراً، كان متربصاً بهم عند كل زاوية وأمام كل باب، لقد سقط معظمهم شهداء، وكلما خطف الموت أحدهم تولى غيره المهمة، حمل المتبقون مكنسة بيد و كاميرا في اليد الأخرى، حملوا كيس طحين وكتاب، لم يفكروا أن يكونوا أبطالاً، لكنهم لم يملكوا خيار التخلي عمن بقي حياً من الأهالي هناك، علمتني الحرب الكثير من الخبرات السيئة الكثير الكثير، لكنها علمتني في الوقت ذاته معنى أن نعمل معاً، أن نصحوا جميعاً في الصباح ونتوجه نحو الأرض لنزرعها كي نأكل، وأن نصدح بالحقيقة بأعلى صوتنا حتى ولو كانت طلقة في رأس نهاية للرحلة، كما جرى لفراس.

هل تعرفون فراس؟
كانت الحياة تنبع من بين أصابعه، فراس الذي بقي في بيته وحيداً لأنه لا يستطيع النوم قبل أن يقرأ قصيدة شعر، فراس الذي درس علم النفس لكنّه فضل العمل بإطفاء النيران قبل أن تلتهم بيوت الفقراء، فراس كان يطفئ النيران بكفي يديه الخشنتين حين لا يجد إلى الماء سبيلاً.

فراس يا سادتي هو الفلاح الذي كان يغني للأرض قبل رمي البذور فيها، باغته الموت بطلقة في الرأس.

الحياة التي لا يكون الإنسان فيها صوتاً للحق وللضعفاء ليست حياة، هي أشبه بحلبة مصارعة رومانية يسقط فيها الضعيف، ولأننا ضعفاء جميعاً من لحظة الولادة قررنا أن نرفض الهروب ونستمر بالمقاومة، كنا ندافع عن حق أطفالنا في غد أفضل فقط غير آبهين بأيّ معنى للبطولة.

في فترات الحصار الشديدة التي مرت على مخيم اليرموك والمنطقة الجنوبية، لم يكن يمرّ يومٌ دون سقوط خمسٍ من ضحايا الجوع، كانت الرجال تتساقط على الأرض كأوراق الشجر في فصل الخريق من شدة الهزال، في أحد تلك الأيام، أوقفتنا امرأة عجوز وسألتني: "متى ستدخل المساعدات الإنسانية إلى المخيم؟"، أجبتها بثقة: "قريباً جداً".

كنت أعرف أنني أكذب، والمرأة العجوز أيضاً تدرك أنني كاذب، كلانا كان يحتاج الأمل لنعيش عليه يوماً آخر، هل تعلمون ماذا يعني أن يعيش الإنسان على أمل الحصول على حفنة رز أو قمح ليس من أجله هو لكن من أجل طفله الرضيع أو أمه المسنّة.

كان التحديّ الأصعب لديّ أن أقول للناس حول العالم أنّ هناك بشر مثلكم يموتون من الجوع، كنت أستغرب هل يستطيع أي إنسانٍ على هذه الكرة الأرضية النوم إذا سمع أنّ هناك أطفالاً تموت من الجوع.

عملنا المهم يا سادتي كان أن نوثق هذا، أن نسجل لأبنائنا وأبنائكم أن بشراً يموتون من الجوع في القرن الواحد والعشرين، هناك أدميون يموتون من الجوع على مرأى مسمع العالم أجمع بأشخاصه و منظماته.

أصدقائي الطلبة الحاضرين معنا: لا تصدقوا كل ما تنشره وسائل الإعلام لكم، هناك ميلُ خبيثٌ لدى سادة هذا العالم الاستهلاكي لإعطائكم صورة افتراضية أكثر جمالاً عن العالم حولكم، لكنّها بالتأكيد أقل حقيقة.

يميل العالم المتحضر لإعطاء المسكنات للضمير الانساني، ليس بهدف التقليل من بشاعة المشهد خوفاً على مشاعر المواطنين، بل لأن هذا يعطي صانعي السياسة حول العالم حرية أكبر لتحقيق مصالح يقال أنها تهدف لخدمة البشرية لكنها في الحقيقة لا تفعل أكثر من تكديس الثروات للأقوياء على حساب الضعفاء في هذا العالم الكبير.

جربوا أن تشاهدوا الحقيقة بأم أعينكم، هناك شعوب تعاني الظلم والقهر وتنعدم فيها حقوق الإنسان بالمطلق بما فيها حقهم الأساسي بالحياة، هناك بشر يقتلون فقط لأنهم ينتمون لثقافات أخرى، أو لأن لون جلدهم لا يشبه لون بقية البشر.

هنا في بلادي أطفال تفاجؤوا عندما شاهدوا الشوكولا لأول مرة في عمر الخمس سنوات، بعد أن قيل لهم أنّها موجودة فقط في الجنة.

سيكون شيئاً رائعاً في حياتكم أن تقولوا لأنفسكم عندما تكبرون، لم نكن حياديين في هذا العالم، نحن أيضاً بشر وسنضع بصمتنا الشخصية في هذا العالم.

أصدقائي الطلبة: الفساد ينتشر في هذا العالم كالعفن، فلنقاومه بأقصى ما نستطيع، فلنقاوم جميعاً.

"المقاومة هي الحب"، هذه العبارة قيل لي أنّها مكتوبة بأحرف ضوئية على أحد مداخل الجزر في عاصمتكم ستوكهولم، لا أدري ماذا قصد من كتبها, لكنني أعتقد أنها تلخص ما أودّ قوله.

لنقاوم الظلم في هذا العالم لأن المقاومة هي حب الإنسان لكل ما هو جميل واستعداده للدفاع عن معنى الحياة في هذا العالم المتوحش، ربما لن نستطيع إيقاف المذبحة، لكن لنحاول معاً بأقصى ما نستطيع أن لا نعتاد الموت، أن لا تصبح أخبار القتل اليومية خبراً عادياً في نشرات الأخبار.

شاعر فلسطيني قال ذات مرة: "على هذه الأرض ما يستحق الحياة"

نعم هناك الكثير على هذه الأرض يستحق الحياة لكنّه بحاجةٍ للدفاع عنه، لنحاول هذا سويةً.

سألني ذات يومٍ صحافي في صحيفة غارديان:

- ماذا تفعل بالمخيم حتى الآن؟

- أزرع الأمل على شكل خضروات في ما تبقى من مساحات محدودة صالحة للزراع، أدرب الأطفال على التعلق بالحياة من خلال اللعب، أوثق المجزرة التي أنا جزء منها، أكتب تاريخنا كي لا ينسى ونموت حتى دون عزاء، أدرس الطلبة مادة الفلسفة، أحدثهم عن كانط ومدرسته، أستعين به دون وعي كي أقول لهم أنّ الموت أهون من غياب العدالة، أوثق الحقيقة كي تبقى راسخة في عقول أبنائنا الذين سيولدون حتماً وهم أحرار.

- وماذا تكتب؟

- قواعد للحصار كي يستفيد منها المحاصر القادم في هذا العالم، وكي لا تضيع التجربة سدى، سأجمعها في كتاب وأسميه قواعد الحصار الأربعين ليكون وجهاً آخر للبشر.

- هل تعتقد أن حصار آخر سيكون في العالم؟

- ردّ فعل العالم على هذا الحصار تجعلني أعتقد أنّ العالم يمضي نحو الهاوية.

- ماذا تقرأ؟

- وصايا أصدقائي ورسائلهم كيلا أموت مهزوماً

- ماذا تحلم لنفسك؟

ورغم كل المحاولات الفاشلة لإخراجي من هنا لكني لازلت أحلم بالحياة، أن أمتلك شهادة عليا في علم الاجتماع كي لا أضيع ظن من وثقوا بي، أحلم بكتابة سيرة جميع الشهداء، أفكر كثيراً بالموت، لا أتمناه، وبعكس ما أقول أحياناً، أنا أخاف الموت وأعرف أنني أنتظره.

أصدقائي السوريين والفلسطينيين الحاضرين معنا: أهلي وعائلتي الكبيرة المتواجدة في مملكة السويد، نساء ورجالاً وكباراً في السن وأطفال، باسمكم جميعاً أدعو الله أن تنتهي الحرب في بلداننا وأن تعودوا جميعا لبيوتكم وأهلكم وأصدقائكم، نحن نشتاقكم هنا، ننتظر عودتكم لحظة بلحظة، سيكون هناك من جديد متسع لقوس قزح ليملأ سماءنا بدلاً من دخان الطائرات، سيجد الفلاح وقتاً كافياً ليسقي حقله ويلهو مع ماشيته بدلاً من حمل السلاح، وستعود سيدة المنزل لتقليم ورود حديقتها بدلاً من البكاء على أطلال بيتها الذي بنته قطعة قطعة، أملي كبير أن تعود مدارسنا التي تحولت لسجون كبيرة مملوءةً بالتلاميذ وأن ينعم كل المعتقلين بالحرية.

لا زلت أحلم أن اسمع صوت أمي يدعوني لفنجان قهوة على شرفة منزلنا دون الخوف من مرور طائرة مجهولة الهوية أو سقوط قذيفة عمياء، لنحلم معاً بهذا اليوم الذي نستطيع فيه دعوة أصدقائنا السويديين الذين أغاثونا واستقبلونا لنشكرهم على حسن ضيافة لاجئنا.

لازال أملي كبيراً بانتصار إرادة الحياة على إرادة الموت والقتل، بانتصار الثورة السورية ثورة الحرية والكرامة، وأن تصبح سوريا دولة مدنية حقيقية مبنية على أساس الديمقراطية لكل مواطنيها.

أحلم بذلك اليوم الذي سيعود فيه مخيم اليرموك مكاناً لبناء الإبداع والحب كما كان ويعود أطفاله للرسم على جدران شوارعهم المحطمة.

وأملي كبير أيضاً بالسلام لذلك المكان الذي جاء منه أبي "فلسطين"، و أن ينال الفلسطينيون حريتهم، وأن يتوقفوا عن كونهم مشردين في هذا العالم بلا جوازات سفر، محرومين من حقوقهم الأساسية، وأن يتوقفوا عن كونهم لاجئين من لحظة ولادتهم معرضين للقتل بلا حساب، وأن تنتهي عذاباتهم الممتدة منذ أكثر من 70 سنة.

أما على صعيدي الشخص فأنا أحلم بذلك اليوم الذي أستطيع فيه لقاء من بقي من الحياة من الأصدقاء معتقلين كانوا أم مهجرين، سنلبس ثياباً جديدة كأطفال ونمضي بهدوء لنزرع الورد حول قبور الغائبين.

سيادتي سادتي: هذه الأرض تتسع لنا كلنا فقط عندما يقرر الجميع أن يصرخوا بصوت واحد في وجه القتلة جميع القتلة: فلتوقفوا القتل.

شكراً لكم حضوركم وشكراً لكلّ من استمع وانتبه أو تثاءب.

‏‏عبدالله الخطيب‏.

الجدير بالذكر أن جائزة بير أنغر تمنح سنوياً لشخص بذل جهوداً كبيرة لتعزيز الديمقراطية والعمل الإنساني، وتأسست الجائزة عام 2004 من قبل الحكومة السويدية.