اخبار العراق الان

طارق عسراوي: عودٌ وأمل و”الثلاثي جبران”

طارق عسراوي: عودٌ وأمل و”الثلاثي جبران”
طارق عسراوي: عودٌ وأمل و”الثلاثي جبران”

2016-10-27 00:00:00 - المصدر: راي اليوم


طارق عسراوي

منفعلاً، ومنحازاً للفكرة أكتب هذه الكلمات.

في تمام العاشرة صباحاً، أطلق الجبرانيّون الأشقاء العنان لأوتار أعوادهم في مارثون يضيء الحب في قلب رام الله، وقادوا مجرّة تكتظّ بالنجوم والمبدعين الفلسطينيين، جعلوا الهدف من وراء هذا الحدث الفارق جمع التبرعات للوصول إلى عيادة متنقلة تُعنى بالكشف المبكّر عن سرطان الثدي.

في العاشرة ليلاً، وضعوا أعوادهم وصفّقت قاعة قصر الثقافة الممتلئة بالحضور مرّتين، مرّة للمبادرة النبيلة وقد حققت أهدافها، ومرّة لاثنتي عشرة ساعة من الجمال الخالص والابداع المتنوّع اللذين لم تنل منهما أسباب عذابات الفلسطيني، فلا الجدار استطاع حجب لوحة الجليل الفاتنة، ولا الانقسام استطاع اعتراض سرب النوارس الآتية بزرقة البحر. . وأيضا كان الجولان يوزّع تفاحه السكّري.

من خلال الرسم والدبكة والعزف والغناء وغيرها من الفنون التي ظللتها الأعواد الجبرانية الثلاثة أظهر الفلسطينيون مرّة أخرى تعاضدهم واندماج أرواحهم في سبيكة واحدةٍ في سبيل الفكرة النبيلة وانحيازهم للابداع.

هم ذاتهم الذين يضيئون في كل ليلة حالكة أرواحهم قناديلاً للخلاص من الاحتلال، أشعلوا الأمل في وجه اليأس، والعافية في وجه المرض الخبيث.

 نعم .. لقد جمعت المبادرة ما يزيد عن مبلغ مليون دولار في نهار واحد من أجل عيادة متنقلة – الهدف المرجو من المبادرة – ولنا أن نقرأ في ذلك آية الخير في قلوب الناس.

سأعود من حيث البداية، قبل العاشرة صباحا بقليل كانت تَطنُّ في مسرح قصر رام الله الثقافي خليّة حيويّة تتفقّد كل شيءٍ قبل أن تصهل الأعواد معلنةً بدء المارثون، ثم أعلنت ساعة المسرح انطلاق الفعالية مع جلوس الاشقاء الثلاثة وعازف الايقاع فوق مقاعدهم، ومع رجفة الوتر الأوّل انبعثت أصوات النوارس الآتية من سواحل المدن الفلسطينية. عرضٌ فنيّ تلو العرض، وفراخٌ تفقِسُ بين وترين وأسرابٌ تُحلّق من فقرات متنوعة، تحمل على أجنحتها أرواح الحاضرين وترفعها إلى علوّ الدهشة الشاهقة.

موسيقى تفيضُ بوتر الحنين، فتورِقُ القلوب، قلوبنا وتخضرّ، ينسلُّ منها خيطٌ شفيفٌ يرتِقُ روحاً منردمة فتُبرِقُ حنجرةٌ من بين الحضورِ : الله.

لوحةٌ بشريّة ترسمُ الحياة وتُعلي الأمل على اليأس، عناقٌ بين الساكسفون والقانون في حضرة العود وايقاع دفّ الوجد البليغ، مبدعون شباب حملوا إبداعهم من زرقة البحر إلى خُضرة القصب المتمايل على ضفاف النهر.

أخذت مقعدي قبيل العاشرة بقليل، جلستُ مأخوذا بهذا الجمال تنجو روحي من مقطوعة لتغرق بأخرى، كان الوقت يذوب مثل قطعة سكّر في فمي فلم أتزحزح!

هَزمتْكِ يا فُرقَةُ الفنون جميعها، خطّتكَ يا أملُ يدُ الإبداع الناصعة.

وقف الحضور مصفّقاً مع ختام الفعالية بينما تصاعد صوت محمود درويش وهو يردّدُ: كانت تسمى فلسطين .. صارت تسمى فلسطين.