اخبار العراق الان

فوضى في انتشار السلاح: الانبار واقضيتها المحرّرة تتحول إلى ثكنات عسكرية

فوضى في انتشار السلاح: الانبار واقضيتها المحرّرة تتحول إلى ثكنات عسكرية
فوضى في انتشار السلاح: الانبار واقضيتها المحرّرة تتحول إلى ثكنات عسكرية

2016-11-30 00:00:00 - المصدر: نقاش


 ما أن أصبحت الحاجة ملحة إلى وجود قوة رديفة تساند القوات الأمنية، في معركتها ضد الإرهاب في محافظة الأنبار (110) كم غرب العاصمة بغداد، تمكنت العشائر من ضم عشرة آلاف مقاتل الى هيئة الحشد الشعبي، ليكونوا قوة ساندة تتولى مهمة مسك الأرض بعد تحريرها.

 

القوات الأميركية التي دخلت بصفة مستشارين عسكريين، هي الأخرى قامت بدعم ومساندة أكثر من خمسة آلاف مقاتل في عموم مدن المحافظة، بعد مطالبات سياسية، واجتماعية، لإنشاء حشد عشائري، يوازي الحشد الشعبي من حيث العدة والعدد.

 

بدأت هذه التشكيلات بعدد (15) ألفاً لكنها لن تقف عنده إذ تشير المصادر الأمنية الى أن أعداد المقاتلين في الحشد العشائري بدأت تزداد بشكل ملحوظ، حتى وصلت إلى أكثر من عشرين ألف مقاتل، لاسيما وان بعض الفصائل المسلحة الشيعية، استطاعت أن تؤسس لها قاعدة جماهيرية من خلال دعمها من قبل عدد من الشيوخ والوجهاء، من اجل تأسيس قوات عشائرية في غالبية مدن المحافظة.

 

ويشير السكان المحليون إلى أن معظم تلك القوات تملك مقرات وثكنات عسكرية في الغالب تكون منازل أو مزارع خاصة، لأشخاص معظمهم متهمون بالإرهاب، منفردة عن المقرات الرسمية للقوات الامنية من الجيش والشرطة.

 

الدكتور عبد الرحمن العاني، الذي يعمل ضمن الملاك التدريس في جامعة الانبار، تحدث لـ"نقاش" قائلا "اجتاز يوميا عشرات النقاط التفتيشية عسكرية و أخرى عشائرية، عند ذهابي الى مكان عملي، لا مبرر لكثرتها سوى أنها استعراض للقوة والنفوذ، لاسيما قوات الحشد العشائري، الذين أصبحوا يتفاخرون بهيأتهم المسلحة أمام المارة".

 

ويضيف أيضا "كنا سابقا عند وصولنا الى نقاط التفتيش، نسلك الممرات الخاصة بالسيارات الحكومية والامنية كونها اقل زحاما من ممرات الأشخاص المدنيين، أما اليوم فأصبحنا نشاهد العكس وأصبح المسار الخاص بالعسكريين مزدحم كثيرا، بسبب زيادة المركبات المرخصة امنيا لأفراد الحشد العشائري".

 

مشاهدة هذه القوات مرة أخرى تحت مسميات عدة، يعيد الى أذهان السكان المحليين مشهد انتشار الصحوات في عام (2007)، التي تحولت الى كيان سياسي ينافس للحصول على مكاسب سياسية وحزبية،  وأهملت مهمتها التي أسست من اجلها.

 

الشيخ مازن الهزيماوي، (59) عاما تحدث لـ"نقاش" وقال "انتشار هذه القوات بهذا الشكل أمر مخيف ويثير الريبة والشك حول نوايا تلك التشكيلات، وان كانت عشائرية فالشرطة المحلية وقوات الجيش من أبناء المحافظة، قادرة على مسك الأرض ولا ضير أن تكون مشاركة من أبناء العشائر، لكن ليست بهذه الكثافة".

 

وقال أيضا "أنا من الداعمين الى تشكيل قوات عشائرية، لاسيما وان الواقع الذي نعيشه يفرض علينا إنشاء قوة محلية تساند القوات الامنية، وتوازي التشكيلات الأخرى التي استحدثت في البلاد".

 

ويضيف ساخرا "خرجت ذات يوم صباحا، فوجدت بعض الأقارب والمعارف وقد ارتدوا الزي العسكري،ويحملون على أكتافهم رتبة مقدم، وعقيد، وعميد، تصورت أن السماء قد أمطرت نجوما حتى يكون في بلدتنا هذا العدد من الضباط".

 

مشهد اليوم ليس بجديد على السكان المحليين في محافظة الانبار الذين شهدوا من قبل تجربة القوات العشائرية والتي كانت تسمى (الصحوات) والتي شكلت بدعم مباشر من قبل الولايات المتحدة الأميركية، حتى وصل عدد المقاتلين فيها نحو (90) ألف مقاتل، توزعوا على غالبية المحافظات العراقية، تحت قيادة موحدة مقرها مدينة الرمادي (110) كم غرب العاصمة بغداد.

 

ويبدو أن تلك المركزية والقيادة الموحدة، التي كانت تتميز بها قوات الصحوة وتجعل منها كيانا واحدا، يفتقر إليها المشروع الجديدة للقوات العشائرية، التي تعددت قياداتها، وأهدافها.

 

راجع بركات العيساوي، عضو اللجنة الامنية في مجلس محافظة الأنبار، تحدث لـ"نقاش" وقال "طالبت  الحكومة المركزية والقيادات الامنية، خلال الاجتماعات الامنية بضرورة العمل على الحد من انتشار هذه المكاتب العسكرية، التي أصبحت تنتشر بشكل واسع دون علم المحافظة أو التنسيق معها".

 

وأشار أيضا، الى أن "وجود تلك التشكيلات بهذا الشكل، يسبب إرباكا شديدا في عمل الأجهزة الأمنية، ويثير مخاوف السكان المحليين، كونها على تماس مباشر بهم".

 

عادة ما يتم تشكيل هذه القوات عبر آلية بسيطة، تتمثل بتقديم طلب رسمي من قبل شخصية سياسية، أو اجتماعية الى رئاسة الوزراء أو وزارة الأمن الوطني، بضرورة تشكيل قوة عشائرية لحماية منطقة ما ومن ثم يتم المطالبة لها بالأسلحة، والمعدات، والآليات، لتصبح فيما بعد قوة فعلية على ارض الواقع.

 

ماجد الجميلي، ضابط برتبة مقدم، ضمن تشكيلات الحشد الشعبي في قضاء الكرمة (40) كم غرب العاصمة بغداد، تحدث لـ"نقاش" قائلا "الفوضى التي شاهدناها بسبب زيادة أعداد القوات العشائرية وتعدد قياداتها في قضاء الكرمة، كادت أن تطيح بكل الانتصارات التي تحققت، فهي تسببت في إرباك المواطن والقوات الأمنية".

 

ويستدرك "لولا حكمة القيادات الامنية، واتخاذها قرارا باعتقال كل من يرتدي الزي العسكري من قبل أبناء العشائر، الذين لا يمتلكون أوامر إدارية رسمية، لأصبح قضاء الكرمة لا يختلف عن بقية مدن المحافظة، التي مازال يعاني سكانها انتشار هذه القوات بشكل كبير".

 

"إنشاء قوة قتالية قادرة على مساندة القوات الامنية، التي شهدت انتكاسة كبيرة في عام (2014)، من أهم الأسباب التي أدت الى تشكيل قوات عشائرية، في المناطق التي استولى عليها داعش" حسب محمد الكربولي، عضو لجنة الأمن والدفاع النيابية الذي تحدث لــ"نقاش".

 

وأضاف أيضا "البرلمان العراقي ومنذ أشهر عدة، يعاني أزمة إقرار قانون الحشد الشعبي، الذي يراد له أن يعطي الطابع الرسمي لتلك القوات، إن كانت شعبية، أو عشائرية، غير أن الاختلاف على بعض البنود، مازال يعيق إقراره".

 

مساندة القوات الامنية في حربها ضد عصابات داعش، قد يكون السبب الرئيس والمعلن من قبل بعض السياسيين، إلا أن الغالبية السياسية والاجتماعية تشير بعد عبارة ليس للنشر، الى أهداف أخرى تتمثل بإنشاء قوة قتالية رسمية، توازي قوة الحشد الشعبي من جهة وتؤسس الى تمثيل أكثر في المؤسسات الأمنية، من خلال زج اكبر عدد من السكان المحليين، داخل المنظومة الأمنية.

 

فضلا عن أهداف أخرى، قد تدرج ضمن المكاسب الشخصية والعشائرية، منها تشكيل قوات مسلحة فعلية تتولى مهمة حماية العشيرة ذاتها والمفاخرة بها، وأخرى منفعة مادية، من خلال قوات لا تتعدى أن تكون مجرد أسماء على الورق فقط.

 

وما يشجع السكان المحليين على الانخراط ضمن هذه التشكيلات، هي الوعود بإمكانية ضمهم الى المؤسسة الأمنية حسب الشيخ محمود الدليمي، الذي أشار إلى أن "بعض الشيوخ والوجهاء في محافظة الأنبار، أصبحوا يمثلون حلقة وصل بين ثقلهم العشائري، والأحزاب السياسية التي توفر الدعم المادي والمعنوي، مقابل مكاسب سياسية".

 

وأضاف أيضا أن "موارد تلك التشكيلات ليست بالقليلة، فهي لا تكتفي بدعم الجهات الساندة لها، بل تحاول السيطرة على ملفات الاعمار، والتسليح العشائري، كما حدث في عام (2008)، عندما أصبحت الصحوة هي المحرك الأساس لكل مشاريع الإعمار في المحافظة".

 

العميد المتقاعد جمال المحمدي، (63) عاما والذي انخرط ضمن تشكيلات الحشد العشائري، تحدث لـ"نقاش" قائلا "الحشد العشائري في محافظة الأنبار، بكل مسمياته التي توزعت بين حشد شعبي وآخر عشائري وبعض المتطوعين للدفاع عن مناطقهم، قدموا تضحيات كبيرة لا يمكن تجاهلها، وهناك عدد كبير من المقاتلين لا ينتظرون مكافأة عن قيامهم بحماية مدنهم ووقوفهم إلى جانب القوات الأمنية".

 

منذ عام (2003) شهد العراق ولادة عدد من الفصائل المسلحة، بعضها رفعت شعار مقاومة الاحتلال الأميركي، وأخرى قررت العمل تحت قيادة المنظومة الأمنية لمحاربة القاعدة، حتى عام (2009) بعدما وقع العراق الاتفاقية الأمنية مع واشنطن التي سحبت قواتها وأنهت مهمتها في العراق.

 

أصبحت تلك التشكيلات تمتلك جيوشا وأسلحة ومقرات في بغداد وباقي المحافظات وكلها تصنف على أنها ميليشيات خارج إطار الدولة حتى جاءت فتوى الجهاد الكفائي في حزيران (2014)  ليشهد العراق تحت هذه الفتوى ولادة عشرات الفصائل الأخرى التي أصبحت سلاحا ذا حدين.