اخبار العراق الان

عاجل
مسؤولان أمريكيان: هجومان بمسيرات وصواريخ استهدفا قوات أمريكية بالعراق‭ ‬وسوريا

الواقفون تحت أقبية النسيان.. و الراجلون على أوراق الخطأ

الواقفون تحت أقبية النسيان.. و الراجلون على أوراق الخطأ
الواقفون تحت أقبية النسيان.. و الراجلون على أوراق الخطأ

2016-12-07 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين


حين يقول جون كيري في تصريح ضيّق، و مع مجموعة صغيرة من أعضاء الكونغرس.. وفي تقرير سرّي مُرسَل إلى "باراك أوباما.." لقد هُزمنا في سوريا"، وحين يؤكّد تقرير سرّي لوزارة الدفاع الفرنسية " بأن سوريا ليست ليبيا ولن تسقط.."، وحين تؤكّد روسيا على لسان رئيس مخابراتها لمدير مخابرات دولة عربية " بأن روسيا لن تتخلّى عن سوريا.." وإن الحرب عليها هي حرب علينا.."، وحين تُرسل إيران عبر جهاز مخابراتها قائمة بالأهداف المُحدّد ضربها في منطقة الخليج وإسرائيل  بما فيها القواعد الأميركية وأساطيلها في البحر الأبيض المتوسّط و بحر العرب إن ضربت سوريا، وتقوم روسيا بإرسال المُخطّط في حينها إلى جهاز المخابرات الأميركية تتوقّف السياسة لحظة تأمّل، ليس من أجل استدراج الأحلام والسير فيها للحظات بعيداً عن متاعب الواقع وما قد يُصيب هذه المتاعب من أسوأ المتاعب.. 
وحين يقول السيّد حسن نصر الله مُشيراً إلى السعودية و جماعة التكفيريين "لا تلعبوا معنا" فإن أسوأ الأزمات ليست بعيدة عن الظهور، إن لم يكن هناك تراجع في الموقف واستغلال الوقت للسلام بدل التخلاط  في المسائل التي إن حدثت لا تُبقى وتذر..إذن، الوضع السياسي الذي أفرزته الحرب السورية ليس مُعقّداً فحسب بل أشد وطأة على الجميع، من إسرائيل إلى الولايات المتحدة الأميركية إلى مدن الغبار السياسي في الخليج.. ليست لعبة مثل ما هو حادث في دول الربيع الكذّاب، وليس نزهة سياحية بين تماثيل الآلهة البشرية في أهرامات مصر، و ليس هو مزح يمكن احتواؤه..
من هنا جاءت المراجعة  وجاء مؤتمر جنيف الأول و الثاني  وما لحقهما من لقاءات، و لن يكونوا كلهم سوى مؤتمرات للغبار السياسي أيضاً  والنتيجة حصاد السلام في حلب على يد الجيش.. لن يكون أي مؤتمر بمن يحضره من أغبياء الإتلاف وأشلاء العابثين بالأمن القومي العربي إلا مُجرّد بقعة سراب يحسبه الظمآن ماء، وفي السياسة أي انزلاق نحو الفهم الخاطئ هو نهاية الحدث، والحدث هنا مؤتمرات جنيف التي انزلقت فيها حد العظم  جماعة تدّعي المعارضة وهي أصلا وفصلاً مُجرّد أدوات لغيرها..  واضح إذن، أن الحرب الكونية التي سُلّطت على سوريا، سُلّطت على الولايات المتحدة الأميركية لما صمدت صمود سوريا، وربما  تحوّلت الولايات المتحدة إلى "كانتونات" سياسية و جغرافية.. ثمة عوامل جغرافية، تحكم العديد من العوامل كحاجز في وجه العواصف خاصة تلك التي تُطبخ في الخفاء وتتم معرفة محتوياتها مُسبقاً، سواء بعامل التجربة  أو بعامل الإبصار السياسي الحاضر مع ضمن السياقات التاريخية الأخرى للأحداث..
بدأت الاستراتيجية الأميركية في جر أذيالها إلى الخلف بعد أن عصفت بها الأزمة الاقتصادية وهي أزمة فاعلها الحرب على العراق وأفغانستان، حتى إن إسرائيل بعد الأزمة مباشرة وبعد أهم التوجّهات الأميركية بعدها، حدّد صُنّاع القرار السياسي فيها البحث عن دولة أخرى، و ربما الصين  لحمايتها، لأن أميركا لم يعد بإمكانها إعادة الاعتبار لقِيَم توازن المصالح الإسرائيلية في ظروف تتآكل فيها أهم الخصوصيات الاستعمارية للغرب كله.
لم يكن الربيع الكذّاب نتيجة مطالب داخلية أو حتى احتقان داخلي بل هو مُقنن مُسبق وصُنع في إطار إعادة الاعتبار للاستعمار وإعادة الهوية للماكينة الاقتصادية المُفلسة، إن في الولايات المتحدة الأميركية  أو في أوروبا عموماً.. لم تعد الحرب مُمكنة بعد أن أعيد توازن الردع إلى المنطقة (الشرق الأوسط) وخاصة من المقاومة الإسلامية في لبنان إذ إن أغلب التحاليل الاستخباراتية ومعاهد الدراسات الاستراتجية تؤكّد أن الخاسر في أية حرب مع إسرائيل هو إسرائيل نفسها، ومعها الفضاء الاستراتجي الأميركي.. من هنا جاء ما عُرِف بـ "الربيع العربي" الكذّاب كمدخل لإثارة الفتن  وتوزيع الأدوار بين الغرب وأميركا من أجل إعادة هيكلة نفسيهما اقتصادياً، والخروج من الأزمة وهي في الأصل أزمات مُتعدّدة في ظل الرؤية الرمادية للأحداث لبعض الساسة العرب وللبعض منهم التواطؤ الصريح، تمكّنت تلك الدول الاستعمارية من استهداف بعض الدول العربية وجعلها مُجرّد أكياس مملوءة بالغبار، لكن حتى هذه الأكياس ارتّدت على صانعيها، وهي الآن تعاني من الفوضى التي صنعتها بل إن الولايات المتحدة الأميركية بعد مقتل سفيرها في ليبيا اهتزّت لا لوفاة السفير، ولكن  تحوّلت الأحداث في ليبيا ضدّها  وهي التي أنشأت الفوضى لحماية مصالحها هناك، حتى إن وزيرة الخارجية الأميركية وقتها "هيلاري كلينتون" لم تصدّق ما حدث و قالت "كيف يفعلون بنا هذا  ونحن الذين ساعدناهم على إنتاج الديمقراطية " لم تكن تلك التحوّلات ذات نزع خاص داخلي بقدر ما كان ذا نزوع نحو التدمير الكلّي لكل بلدان الربيع الكذّاب أرادت تحويلها لاحقاً إلى إمارات طائفية لا تصلح لأن تكون دولاً، و كانت إسرائيل اللاعب الأساس من وراء الستار، لأن الأمر يهمها أولاً و أخيراً ويُحقّق لها ما لم تستطع تحقيقه خلال عقود من الزمن، وإسرائيل كما تؤكّد التقارير السرّية للغرب كله هي مُجرّد وعاء للدعاية الغربية في شكل قاعدة عسكرية مُتقدّمة..
غير أن الذين تورّطوا في إنشاء هذه المساحة من الفوضى من الحكّام العرب ليسوا إلا وعاءات مملوءة بالرمل، غريزتهم الأولى والأخيرة بسط المذهب الوهّابي التكفيري للسيطرة من خلاله على الذهنيات الإسلامية  وبالتالي حماية ما هم عليه من فساد وإفساد، و هم يعلمون ذلك، لم يكن الفكر الوهّابي إلا مذهباً سفيهاً  فهو لا يملك من الرؤى غير ما يتّصل بالقبور وما وضِع عليها من شواهد، و الدليل  إن كل الإرهابيين الذين عاثوا فساداً على الأرض  ظلّوا يحاربون القباب و شواهد القبور وجماعة الصوفية، وهم يعلمون جيّداً أن الصحابة الفاتحين وجدوا أصناماً في البلدان التي فتحوها و لم يلحِقوا بها سوءاً..
وهم في الأصل ليسوا يُكفّرون المجوس أو الوثنيين في عالم اليوم بل يُكفّرون مَن يخالفهم الرأي، حتى و إن كان منهم ، إذن، هم ليسوا جزءاً من الدعوة، و ليسوا أجزاء متفرقة من المذاهب الإسلامية المُعترَف بها والمعمول بها، بل هم تيّار من خارج الواقع ومن رؤى لا علاقة لها بالواقع، ومن هنا فإنهم هم أيضاً مُجرّد عبوات ناسفة عمّرت بين أركان العروش المُتهاوية وبأمر خارجي وداخلي معاً، الخارجي هذا هو بالتأكيد هم أولئك الذين يدّعون الديمقراطية و هم لها أعداء، فهل بإمكان أمريكا التحدّث عن الحرية و حقوق الإنسان وهي تتجسّس على أبنائها وتنتهك خصوصياتهم، وهل بإمكانها أن تكذّب تلك الحقائق التي نشرها" سنودن" العميل السابق لوكالة الأمن القومي الأميركي، لكن، هل أن الواقع اليوم في الوطن العربي هو واقع مُتردٍ و يسير حسب ما خُطّط له أم أن الأمر شيء آخر..؟
واقع يتحّدث عن التاريخ بشيء من القسوة ضدّ صانعيه بدلاً ممن كانوا وقوداً له، هذا هو السؤال الجوهري في نظري على الأقل.. والذي يجب النظر إليه بإمعان.. أكيد لم تعد المساحة المشتغلة بتلك التي بدأت به، و لم يعد هناك خوف من السقوط بعد أن صمدت سوريا ووضعت كل الاحتمالات التي وضِعت لها خلف واقعها، بل أن المضاعفات السياسية المتأزّمة التي عاشتها سوريا لسنوات هي الآن تصنع بها الجديد للعالم العربي، وللعالم الآخر، إذ لم تعد أميركا اليوم القوة الضاربة في العالم لوحدها ولم تعد الدولة الوصيّة على أجهزة الأمم المتحدة، ولا حتى على حقوق الإنسان التي طالما لوّحت بها لكسر الدول غير الدائرة في فلكها والحفاظ على مصالحها، سوريا اليوم هي عنق الزجاجة لأميركا و شركائها في الجريمة، هي أيضاً محور النظام الدولي الجديد، الذي باتت معالمه واضحة ـ و التي أكدّت عليه روسيا بالتصريح المباشر منذ البداية.

بداية الحرب على سوريا.. كانت روسيا تعلم يقيناً أنها داخل المحور الجديد، وقلبه النابض، المحور المُناهض للرّق الأميركي، لقد قال رئيس المخابرات الروسية لمدير مخابرات دولة عربية في منتصف الأزمة.."إن روسيا لن تتخلّى عن سوريا، وأن الولايات المتحدة الأميركية تلعب بالنار اليوم أكثر من إي وقت مضى" وقال "الرئيس بوتين" نفس القول "إن سقوط سوريا يعني أن نحارب من داخل أسوار الكرملين.." وتقول المصادر المُطّلعة إن إيران أبلغت روسيا بالأهداف الأميركية التي تُقرّ بها في حال حدوث اعتداء على سوريا و بلّغت بها الولايات المتحدة الأميركية  بأن مصالحها في الشرق الأوسط و حتى سوريا هي خط أحمر, وإن أدّى ذلك إلى حرب شاملة، و حين أرادت أميركا جسّ النبض الروسي بالصاروخين اللذين أُسقطا في البحر قبل أن يصلا إلى الهدف في سوريا في بداية العدوان عليها تأكّدت أميركا أن روسيا لا تتكلّم في الفراغ، و إن أية حرب جديدة في المنطقة هي نهاية إسرائيل وبالتالي نهاية الفضاء الاستراتجي الأميركي في الشرق الأوسط كله، لم تكن الأحداث التي تُحاك في الخفاء سوى تلك التي تقع بين روسيا  وأميركا، أو تلك التي تتم في داخل كل بلد على حدة، ولم تكن سوريا بعيدة عن الحدث، فكل ما كان يدور في الخفاء كانت تعلمه، وربما كانت جزءاً من صناعته.. و هي تعلم مسبقاً أن الحرب عليها كانت مُقرّرة قبل البدء بها بثلاث سنوات مُسبقة على الأقل: يقول وزير خارجية فرنسا الأسبق: "دُعيت لجلسة في لندن  فإذا بي أجد نفسي وسط موضوع آخر غالبية الحاضرين فيه هم ضبّاط إسرائيليون فقال لهم أنا دُعيت لمحاضرة فأجيب بأن الموضوع دراسة تتمحور حول إسقاط الرئيس بشّار الأسد فقد أعطينا له فرصتين سنة 2003 و سنة 2006 و لم يستجب ..؟"

الفكرة إذن ليست جديدة ، و لكن لم يتم تنفيذها إلا بعد أن تم توظيف المال العربي لها والحُكام العرب الذين ظنّوا أنهم أمام هالة من الضوء شبيهة بهالة الانتصار المُسبق اذا هم مُجرد أثافٍ لوقود غيرهم ولأنهم لا يملكون غير فكر التبعية، ولا ينظرون للحياة إلا من خلال بريق حضورهم وقصورهم وما فيها من جوارٍ، فأنهم تقبلوا الفكرة من دون شروط، فاستخدموا الجامعة العربية كهراوة ساخنة لنشر الحِمم في كل بلدان الربيع الكذّاب، كما استعملوا ثروات شعوبهم لذبح المزيد من البشر، ولم يسلم من أيديهم لا الشجر ولا الحجر  ولا الحيوان، فكانوا هم كما وصفهم القرآن الكريم (( الأعراب أشدّ كفراً و نفاقاً .. )) في مقابل ذلك كانت روسيا تؤكّد أنها حاضرة  لأي احتمال، وزير دفاعها يُصرّح بأن لروسيا سلاحاً لا يملكه أحد في العالم، وتقوم بنشر صواريخ من الجيل الجديد على طول حدودها.. بل و تعطي سوريا أسلحة نوعية كانت قبل مُحرمة خروجها من روسيا، أسلحة بإمكانها جعل السفن الأميركية والفرنسية أن هي دخلت في حرب مُجرّد خردة في سواحل سوريا على البحر الأبيض المتوسّط.. و هو ما عرفته أميركا وحاولت أن تختفي تحت يافطات سياسية أخرى أوحى لها إليها الروس حفظاً لماء الوجه ، و لذلك فكل الدراسات الاستراتجية الأمريكية تؤكّد  أن أمريكا خسرت في سوريا ما صرّح به " جون ماكين "(لقد خسرنا الحرب في سوريا).