اخبار العراق الان

رئاسيات فرنسا ومأزق الاشتراكيين (1)

رئاسيات فرنسا ومأزق الاشتراكيين (1)
رئاسيات فرنسا ومأزق الاشتراكيين (1)

2017-01-17 00:00:00 - المصدر: رووداو


في 22 و29 يناير الجاري، سوف يتوجّه الفرنسيون إلى صناديق الانتخابات التمهيدية لاختيار مرشّح الاشتراكيين في السباق الرئاسي، حيث يتنافس على ثقة الاشتراكيين سبعة مرّشحين، من ضمنهم امرأة، تُرجّح الاستطلاعات، حتى اللحظة، ظفر رئيس الوزراء المستقيل مانويل فالس بهذه الثقة. وبحسم مرشّح الاشتراكيين سوف تتوضّح جزئياً صورة المنافسة في السباق الرئاسي الموعود في 23 أبريل المقبل في جولته الأولى و7 مايو في جولته الثانية، ما لم يحصل أيّ من المرشحين على الأغلبية الواضحة في الأولى.

يدخل الاشتراكيون في هذه الانتخابات التمهيدية وهم في إحدى أسوأ لحظاتهم السياسية، حيث تعصف بهم الخلافات الداخلية ويضغط عليهم ضعف الشعبية التي بلغت برئيسهم أولاند أدنى مستوياتها في تاريخ الجمهورية الخامسة، الأمر الذي أرغمه على الاعلان عن عدم ترشّحه لخماسية ثانية. وإذا كان قرار أولاند هذا قد وضع فالس على رأس قائمة المرشحين لنيل بطاقة الاشتراكيين في خوض السباق، إلّا أنّه لم يغيّر جوهرياً في موقع الاشتراكيين على خارطة التنافس في الرئاسيات.

وقد سبق قرار أولاند بعدم الترشّح، قرار انسحاب وزير اقتصاده، ايمانويل ماكرون، من الحكومة واعلان ترشّحه للرئاسيات من خارج جبهة الاشتراكيين. الاقتصاديّ الشاب (39 عاماً) الذي جلبه أولاند إلى حقل السياسة معاوناً لأمين عام الرئاسة ومن ثمّ وزيراً للاقتصاد، قفز من سفينة أولاند، في الخريف الماضي، بعد أن أيقن بأنّ ربّانها عاجز عن انقاذها، فأعلن استقالته من الحكومة، ليعلن لاحقاً ترشّحه للرئاسة من موقع وسطي يسعى إلى التمايز عن الاشتراكيين التقليديين واليسار الكلاسيكي عموماً. في أحدث استطلاعات للرأي لبعض مراكز اجرائها، سوف يحتلّ ماكرون المركز الثاني في الجولة الأولى (24%)، متخلّفاً عن فرانسوا فيون الجمهوري (28%) ومتقدّماً على مارين لوبن زعيمة الجبهة الوطنية اليمينية (22%)، فيما لو خاض أرنو مونبور السباق مرشّحاً للاشتراكيين. فيما تُظهر استطلاعاتٌ أخرى، بأنّ أغلبية المستطلَعَة آرائهم من الفرنسيين يُفضّلون ماكرون على فيون رئيساً للبلاد. لكنّ الحسابات ستختلف فيما لو خاض فالس السباق مرشّحاً للاشتراكيين، حيث تُرجّح الاستطلاعات في هذه الحالة أن ينال ماكرون 18% من الأصوات وفالس 13% منها، ليخرجا معاً من السباق.

يُضاف إلى هذه اللوحة التنافسية دور كلّ من جان لوك ميلنشون (زعيم حركة فرنسا المتمرّدة - يسار) وفرانسوا بايرو (رئيس حزب الاتحاد من أجل الديمقراطية الفرنسية – يمين الوسط)، إذا ما قرّرا جدّياً خوض السباق الرئاسي غير مبالين بنتائج التمهيديات.
في كلّ الأحوال، يبقى الحزب الاشتراكي، أيّاً كان مرشّحه، خارج رهانات الفرنسيين لقيادة الدولة الفرنسية في السنوات الخمس المقبلة، وذلك حسب استطلاعات الرأي وكذلك تقديرات الخبراء والمختصين في الشؤون الفرنسية.

لا يعود تراجع شعبية الحزب الاشتراكي الفرنسي إلى أدائه الاقتصادي والسياسي وطريقة معالجته لملّفات داخلية تحظى بأولوية الناخبين الفرنسيين مثل البطالة وعدد ساعات العمل والأجور ورواتب المتقاعدين والضمان الاجتماعي ومسألة اللاجئين والأمن الداخلي فقط، بل يعود في جزءٍ منه إلى ما تشهده القارة الأوروبية والعالم الغربي عموماً ممّا يمكن تسميته باهتزاز الطبقة السياسية التقليدية، يميناً ويساراً، ان لم نسمّه بانهيارها. حيث نشهد ظهور تيارات سياسية جديدة، تُسمّى باليمين المتشدّد غالباً – دون أن يكون كذلك بالضرورة – تُسجّل حضورها القوي في لعبة السياسة والانتخابات في هذه البلدان لكونها تقدّم اطروحات وبرامج لحلّ المشاكل التي تواجه بلدانها مغايرة للتيارات التقليدية وتلقى صدى ايجابياً متزايداً لدى الأوساط الشعبية. وحتى في وسط الجمهوريين الفرنسيين، خرج المصوّتون على المناخ الجمهوري التقليدي ووضعوا فرانسوا فيون أمام الرئيس الفرنسي الأسبق نيكولا ساركوزي ورئيس الوزراء الأسبق والدبلوماسي المخضرم آلان جوبيه، في حين لم يكن فيون قبل أشهر من التمهيديات مرشّحاً لنيل ثقة الجمهوريين لخوض الرئاسيات.

ليست هذه المرّة الأولى التي يجد فيها الحزب الاشتراكي الفرنسي نفسه في هذا المأزق على مستوى ثقة الفرنسيين به. فقد سبق وأن خرج مرشّحه للرئاسة ليونيل جوسبان من الدور الأوّل في رئاسيات 2002 منهزماً أمام جاك شيراك (زعيم حزب الاتحاد من أجل حركة شعبية) وجان ماري لوبن (زعيم الجبهة الوطنية الفرنسية). ويبدو أنّ الاشتراكيين، خلال عقد ونصف، سيغادرون للمرّة الثانية حلبة السباق الرئاسي منذ جولته الأولى، حسب الاستطلاعات، لحدّ هذه اللحظة، على الأقلّ.  

هذا المقال يعبر عن وجهة نظر الكاتب وليس له علاقة بوجهة نظر شبكة رووداو الإعلامية‬‬‬.