اخبار العراق الان

رضا الباهي مخرج تونسي يلتقي براندو ويصل إلى زهرة حلب وإبن يقتل أمّه

رضا الباهي مخرج تونسي يلتقي براندو ويصل إلى زهرة حلب وإبن يقتل أمّه
رضا الباهي مخرج تونسي يلتقي براندو ويصل إلى زهرة حلب وإبن يقتل أمّه

2017-01-19 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين


ترمي مبلغ من المال كي تعبّر عن حال حبّ. لا أعتقد أن الإبداع يؤثّر بالمجتمع. المشهد الحالي الذي أراه من خلال الفنانين، مع اختلاف مجالاتهم الفنّيّة والإبداعيّة، هي اجتهادات فرديّة، حلم لا يجمع الكل.

المخرج التونسي رضا الباهي

هكذا يبدأ حوارنا مع المخرج التونسي رضا الباهي، الذي حضر إلى بيروت بمناسبة عرض فيلمه الأخير "زهرة حلب" ويطرح فيه مشكلة الشباب التونسيين الذين غُرّر بهم، وقد ذهبوا إلى سوريا ليشاركوا في الحرب، فيصل بهم الأمر أن أصبحوا مجرمين بدرجة متقدّمة. فيلم مؤثّر، إفتتح مهرجان أيّام قرطاج السينمائيّة في دورته الـ27، في نهاية سنة 2016، والمؤسف أنه لا يُعرض إلا ضمن عروض خاصّة في المهرجانات والنوادي. أحببنا أن نستفيد من وجود المخرج الباهي، في بيروت، لنعرّف عليه المهتمّين بالسينما أكثر، ونطرح معه قضيّة السينما التونسيّة والعربيّة، وبهذا الحوار الشيّق، نجد أنفسنا لا نستطيع التفريق بين قضايا عدّة ألا وهي، المجتمع والسينما والحياة الخاصّة للمخرج نفسه.    يتابع الباهي كلامه "مشكلة المجتمع العربي أنه يعيش من غير حلم واحد يجمع. ليس هناك مكان يجتمع فيه الاحتياج والعطاء. حين تكون الجهود فرديّة، لا يعود لها أيّ تأثير. ليس هناك قنوات تلفزيونيّة توزَّع فيها الأعمال. هناك نوع من الإنزواء. يمكن أن يعجبك معرضاً أو لوحة أو رواية أو.. ولكن هذه حال فرديّة، لذلك لا أعتقد أن هذا الفن سيؤثّر في المجتمع. الناس منهمكة في الخصوصيّة ولا تجد الأشياء إلا صدفة. لذلك لا أكذب على نفسي وأقنعها بأن فنّي سيؤثّر بالمجتمع. شيء مؤسف طبعاً". يقول المخرج رضا الباهي، بأنه يقوم بأعمال فنيّة للتعبير عمّا يخالجه هو نفسه من مشاعر، ويلحّ عليه كي يخرجه "كل أفلامي التي نفّذتها كانت تحت الإلحاح الدّاخلي، حاجة لإخراج ما هو في داخلك. ربما هي رفاهية أن تستجيب لدواخلك لكن هذا ما يحصل معي. لا يمكن أن يكون هناك ما يؤلمني ويحرِقُني "وأسيبها وأمرّ". ربما أن ترمي مبلغاً كبيراً من المال كي تعبّر عن حال حبّ، سيُعتبر رفاهية ولكن أنا هكذا". يستطرد قائلاً "هناك لوعة وحرقة.. تصوّري أن في السبعينات والستينات كان في تونس 120 قاعة سينما، أمّا الآن لا يتجاوز عدد قاعات السينما الـ 11 أو 10 قاعات في الجمهوريّة بأكملها، مقابل 12 مليون مواطن. هناك أسباب وعوامل عدّة لتراجع الاهتمام بالسّينما، نأخذ مثلاً، الفضائيّات المُتكاثرة، وعمليّة القرصنة في الفيديو، وضيق الوقت عند الناس، والقاعات المهملة التي لم تتجدّد كما يحصل في أوروبا. أفراد العائلات التي لم تعد تخرج سويّة إلى السّينما كطقس من الطّقوس الاجتماعيّة. تفرّقت أفراد العائلة. حتى الأفلام التّجاريّة كان لها من يقصدها، وكانت لها نكهة خاصّة". 


إذاً لماذا السينما؟

مجيباً يقول "الآن الذين يرتادون السينما في تونس وربّما في العالم العربي، هم الثنائي، الذين لا يجدون مكاناً يلتقون أو ينفردون فيه، سوى صالة السّينما. مكان في الظّلمة ربّما يتبادلون القبل، وهذا ما هو محظور في الأماكن العامّة، أصبحت السينما تقريباً، ملتقى للعشّاق".
يُكمل المخرج التونسي تعداد أسباب تقلّص جمهور السينما "العولمة اخترقت الأماكن كلّها. فبدلاً من تجديد صالة السّينما المُهترئة، يبيعها صاحبها، ويأتي من يجدّد المكان ويحوّله إلى محل لملابس الجينز، أو محلات لبيع التلفونات، أو محلات للوجبات السّريعة.. أصبحت الأماكن تشبه بعضها في العالم كلّه. بالإضافة إلى الأسباب التي ذكرناها هناك أسباب أخرى، كالقرصنة في السّوق وبيع الأفلام على الأشرطة المدمّجة، فيميل الإنسان إلى الانفراد بالفيلم لوحده وبنفس الوقت يكون أرخص له ولعائلته وهكذا.. بالإضافة إلى ذلك، فمشاهدة الفيلم لوحده لا يكفي، هناك النّقاش الذي كان يحصل ما بعد الفيلم، في النوادي والجامعات في الستينات والسبعينات، ربّما يكون هو الأكثر تأثيراً من الفيلم نفسه. الآن ليس هناك حتى فضائيّة واحدة تفكّر في هذا الأمر". 


الإرهاب الفكري والنّقاشات "البيزنطيّة"

إلى أين نحن ذاهبون؟ وكل ما تقدّم من كلام هو محبط، سؤال يطرح نفسه، ويٌجيب المخرج التونسي رضا الباهي "أصبحت البرامج التلفزيونيّة التي تقدّم نقاشات بيزنطيّة، هي الطاغية، والإنترنت. كذلك أُقفلت الأبواب أمام المجالس الأدبية والفكريّة بسبب الإرهاب الفكري، وانحصرت على المهرجانات وجمهورها المتعطّش لطرح الأسئلة التي تطرحينها أنتِ. ليس هناك قنوات محليّة ولا فضائيّة تهتمّ بمثل هذه الأمور. هم يريدون أرباحاً ماديّةً ويُفضّلون إعطاء منابرهم لأحزاب تدفع فلوساً أكثر، ويسهّلون الطّريق أمام الأفلام الهابطة التجاريّة، لكن الفيلم الهادف أو السياسي أو الجدّي مُشاهده ليس موجوداً".
 


السّوق الأوروبيّة، المُنقذ الوحيد

عن الأسواق التي تستقبل أفلامهم يقول المخرج الباهي "لحُسن الحظّ، أن السّوق الأوروبيّة مفتوحة للأفلام الجيّدة، ذات مواصفات فنيّة معيّنة. ولكن هذا غير متوفّر لكل الأفلام. على الفيلم أن يشارك في مهرجان كان وغيره، وأن تَكتب عنه الصّحافة.  لكن قبل ذلك لا يقدّموا أيّة مساعدة في الإنتاج. وفي تونس تدعمنا وزارة الثّقافة بنسبة 30%، ونقابة السينمائيين أيضاً، وتشارك عدّة جهّات أخرى. فيلمي الأخير "زهرة حلب"، الذي كان له عرض خاص في بيروت، شارك في إنتاجه السيّد صادق الصبّاح اللبناني، وأنا وبطلة الفيلم، الممثّلة هند صبري.. وهكذا".
 


خارج خارطة السينما العالميّة

يقول المخرج الباهي "إن السينما التونسيّة في خارطة السّينما العالميّة، غير موجودة، لكن السينما المصريّة بمواصفاتها ولهجتها، وبأفلامها التجاريّة والجديّة، لها سوقها، وكل عائداتها تأتي من العالم العربي. والفيلم الجيّد إن كان تونسياً أو لبنانياً أو فلسطينياً أو جزائرياً أو سورياً، فهو في نفس المرتبة، والظروف هي التي تلعب دورها في ترويجه، وربّما لسبب سياسي أو زلّة وقع فيها المخرج وما شابه، لا أحد يأخذه".


أعطني الكاميرا وخذ فيلماً

 طالما الوضع على الحال التي شرحناها، يقول المخرج التونسي الباهي "فالحلّ الذي ممكن أن ينقذ السينما التونسيّة، هو جيل الشّباب. في السنوات الأخيرة ظهرت طاقة شابّة، لم يأتوا بمواضيع جديدة فحسب، أتوا أيضاً بطرح في الإنتاج، جديد. الآن يأتي المخرج ويقول لك، أعطني كاميرا فقط، وخذ فيلماً، وأحياناً يكون المخرج هو نفسه المصوّر، وأعطني مساعداً واحداً لكل شيء، فيكون الفريق مؤلّفاً من خمسة أو ستة أشخاص. في الماضي، السينما خاصّتنا وبالمفهوم الكلاسيكي، تجد الفريق بسبعين نفراً، وحاجاتهم كبيرة بطبيعة الحال، ولكن في نفس الوقت هناك سلبيّات للطرح الجديد، فأحياناً الممثّل عليه أن يحلّ مكان الماكيور مثلاً ويلبس لوحده من دون خبير لما يقوم به فيكون هناك بعض المشاكل.." أمّا بالنّسبة لتدخّله بإدارة الممثّل، يقول رضا الباهي "هذا يتوقّف على الممثّل نفسه. حين أختار ممثّل محترف، فأنا مقتنع بأنني اخترته لخبرته، لكن مع الممثلين الصغار في السّن أو المبتدئين أتدخّل طبعاً، إلا في الدور الذي لعبه ماديس إبني، في فيلم زهرة حلب، لم أتدخّل فقد أردته أن يكون على طبيعته". 


أنا والآخر، إزدواجيّة أعيشها

يتحدّث المخرج التّونسي رضا الباهي، عن هواجسه وهدفه من أيّ عمل يقوم به "الموضوع الأساسي، بالنّسبة لي هو أنا والآخر، والآخر عندي دائماً هو الغربي المُستعمِر، اليهودي، الفرنجي، الثّقافة الفرنسيّة، أمّا بالنّسبة إلى فيلمي "براندو دائماً"، فهنا نحن أمام الأمريكان. مارلون براندو، فنان جميل جدّاً، أعشقه، هو أيقونة بالنسبة لي. شاهدته في عمر المراهقة في فيلم جميل جداً عن الثّورات، وعرفت أنه مهتم بقضايا العالم الثالث، أحببته أكثر. يُخبر الباهي عن فيلمه براندو دائما "يحكي عن الأمريكان وعلاقتنا بهم، وحين كانوا يصوّرون أفلامهم عندنا، فترة الاستشراق. كان هاجسي البحث في علاقتي مع الآخر. الآخر، الذي نعشقه ونكرهه في الآن نفسه. حبّ وجاذبيّة، وفي نفس الوقت، رفض وتكفير وكراهية. ويُكمل الباهي "بالنّسبة إلى جيلنا، نحن نعشق هذا المستعمر؛ يعني أنا أساتذتي الذين أثّروا بي هم غربيون وفرنسيون".
يتكلّم رضا الباهي، وليس عليك إلا أن تُصغي، فما يقوله عبّر عنه في أفلامه التي وضع روحه في كل منها، ولست بحاجة إلى التحليل، هي واضحة بما تراه في شخصيّات أفلامه وفي واقع مجتمعه، يقول "وأنا صغير ضُرِبت في المدرسة على ساقي، لعدم حفظي القرآن فزعل والدي المسلم، وأخذني ووضعني عند الرّاهبات". مدرسة للذكور والإناث، بعدما كنت في مدرسة للذكور فقط. في البيت أهلي محافظون، وأبي إمام جامع، ونحن نحتفل بالميلاد وبابا نويل. كانت هذه الازدواجيّة منذ البداية، والأهل طبعاً لم يعوا ذلك؛ وكبرت على ثقافة يوسف إدريس وصلاح أبو سيف ويوسف السّباعي والأفلام المصريّة، كذلك كان هناك نوادي السينما والأفلام الفرنسيّة، والإيطاليّة، وفيكتور هوغو، وفولتير، وروسو.. عالم آخر.. في ما بعد خرجت لأتابع دراستي في فرنسا، أي هذا الغرب المُستعمِر؛ هذا واضح في فيلم براندو، وصندوق عجب (وهي السيرة الذّاتية) وبحيرة القيروان.. كبرت وتزوّجت سيّدة فرنسيّة. يُكمل رضا الباهي سيرته أو ربّما فيلمه؛ لا تعرف "كنت حين أهرب من حفظ القرآن، أذهب إلى الجامع وأقرأ القرآن – أيضاً - بدلاً من أن أذهب لألعب الكرة مثلاً. هذه الغربة التي عذّبتني ولكنها ليست دائماً سلبيّة، تحثّكِ على أن تبحثي عن نفسك. "الله يجعلني من الناس الذين يسألون ويُساءَلون". إنّها عبادة يوميّة. فالغربة مهمّة، تستفزني وتجعلني في قلق دائم. لا أنام.. شيء مُتعب". نختم اللقاء مع هذه الكلمات المعبّرة يقولها فنان مُقْفَل على فنّه، إلا من بعض النوافذ الضيّقة، كما يُعبّر، وقليل الحظ من ليس بإمكانه مشاهدة أفلامه ولقطاته الجميلة ذات حيويّة، تجعلك لا تشعر بمرور الوقت، وكذلك متوازنة العناصر، مُفعمة الإحساس، أما مواضيعها، فتلامسك في العمق. لدى المخرج رضا الباهي، خمسة أفلام: براندو دائماً - الخطّاف لا يموت في القدس - صندوق عجب - بحيرة القيروان - زهرة حلب.    

المصدر: الميادين نت