اخبار العراق الان

فرنسا وقطر والوحل السوري

فرنسا وقطر والوحل السوري
فرنسا وقطر والوحل السوري

2017-01-19 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين


من المؤكّد أن المذهب الديني المرتبط بالسياسي وفق قاعدة الثابت فيه من الدين، إذا اعتلّ أحدهما انهزم الثاني وتأخّر عن الرّكب، ولا يمكنه أن يتحوّل إلى عملية تسويق واستعلاء. هذا هو حال المذهب الوهّابي السياسي اليوم، كلاهما مبني على خلفيات جاهزة وكلاهما أيضاً بني صرحه من الخيال وعلى معطيات هي جزء من أزمة سوء الفهم لكليهما. وبالتالي لا يمكن لأيّ منهما أن يصمد في وجه الرياح العاتية. وما قامت به السعودية بداية من أزمة الجزائر وفق هذا النموذج الوهّابي المؤدّي إلى تغييب الحقيقة ومحاولة نفثها في تقارير لا تستند إلا لأفكار وهّابية هي بالأساس من صنع الأحلام أعادته في سوريا وكأن الوهابية هي دين جديد. كمحاولة إسقاط دولة لها تراكم تاريخي يفوق سبعة قرون، لصدّ الفراغ الذي توجد عليه دولة ما، مثل قطر وهي بالأساس بين مطرقة الواقع الجغرافي والحيّز الضئيل من التاريخ ...؟

فرنسا وقطر والوحل السوري

 إن سد الفراغ يحتاج بدوره إلى منطق الإسقاط للعناصر المؤدّية له إيجاباً، قصد ترميم الواقع وتشكيل خارطة ملائمة له وضمن قاعدة الاشتباك لا التشابك. وإن هذه العناصر كامنة في الخلفيات التي أسقطته على الواقع كحقيقة ومن ثم الخروج به إلى دوائر أخرى تحكمها مبادئ الاستقرار وضوابط التاريخ والجغرافيا. إن الخطأ ليس هيناً في ما وقعت فيه السعودية و قطر في المسألة الجزائرية والليبية، وأخيراً السورية ، خطأ غير وارد من قبل لدى مجموعة هذه الدول، بناء على منطق الاعتراف بها في حيّز مهم من العالم كقوة فاعلة في الأحداث.
  لقد تم كل ذلك بناء على فتاوى جاهزة، وأرصدة مالية، وتقارير استخبارية مزوّرة، أو مضلّلة، فقد أدخلت فرنسا الاستعمارية في لعبة الدم السوري إلى جانب قطر وأخواتهما - إن لم تكن بدعوتها- وكان التحالف الذي تم ضدّ ليبيا بناء على وعود هي أشبه بوعود صانعي السمسرة في الخيال...بل لقد كان وزير خارجية فرنسا "ألان جوبيه" يردّد طوال الأزمة السورية "لابدّ من أن يرحل بشّار الأسد" وكأنه يحمل أفكاراً تضع أمامه كل مفاتيح الغيب، وكل بطاقات الوجدان البشري، في حين يقوم هو بتزوير تقارير سفيره في دمشق"كما يؤكّد الإعلام الفرنسي"،  ويحوّلها إلى أداة قمع ضدّ معارضيه من الشخصيات الفرنسية ذات الوزن السياسي والثقافي في فرنسا، كل هذا المنطق ليس للاستهلاك السياسي للوقت من وجهة نظره، كان يظن ذلك، و بناء على معلومات أعطيت له من وزير خارجية قطر وقتها، بأن بابا عمر، محرّم على بشّار الأسد بل ومحرّم عليه دخوله إلى الأبد.. !! وأن أيامه في السلطة قليلة، بل أنه حدّد يوم 21 من شهر كانون الثاني/ يناير عام 2012 أجلاً نهائياً له في القصر الرئاسي، !! وأن المعارضة وقتها ستدخل إلى سوريا وتقبض على بشّار الأسد!! و ذهبت قناة "الجزيرة" مذهب اليقين في هذا التحديد، وكان أن تحوّلت السياسة في فرنسا إلى صراع بين "ألان جوبيه" والذين رفضوا من اليوم الأول مواقفه المتهوّرة. وقيل في أكثر من تقرير بأنه أشدّ تطرّفاً من تطرّف تنظيم "داعش" بل هناك أكثر من سياسي في فرنسا يتّهمه اليوم صراحة بأنه دمّر سياسة فرنسا الخارجية. وقد حاول الخروج من دائرة الاتهام باتهام قطر بأنها لعبت به وبسياسة فرنسا. وأن قطر ظلّت بالتالي توجّه سياسة فرنسا الخارجية لمدة سنة تقريباً. بحسب التقارير الفرنسية بمناسبة الانتخابات الرئاسية التمهيدية. واليوم وضحت الصورة أكثر  فقد صرّح لصحيفة "لوموند" الفرنسية الأسبوع الماضي وزير خارجية فرنسا الأسبق "أوبير فيدرين" "إن على الدول الغربية أن تقرّ بعدم قدرتها بعد الآن على قيادة العالم، معتبراً أن الغرب ارتكب أخطاء كثيرة في سوريا."بل ذهب أبعد من ذلك حين قال"الخطأ الفرنسي كان أعمق وهو لا يزال مستمراً. ففرنسا التي أضاعت الفرصة خلال أحداث تونس ومصر في العام 2011 انخرطت على نحو كبير في سوريا لأسباب أقرب إلى إيديولوجية المحافظين الجدُد ولكن على الطريقة الفرنسية، أي خطيرة وغير مجدية في آن."الاعتراف الفرنسي إذن، جاء متأخراً وبعد أن سقطت مدينة حلب من اللعبة السياسية وانتصارها على الإرهاب. سقطت فرنسا في الوحل السوري كما سقطت من قبل في الوحل الجزائري ولم يعد بإمكانها نسيان هذه التجربة المريرة إلا بعد مرور سنوات.. إن الذين فبركوا التاريخ الرديء ضدّ سوريا ومن قبلها الجزائر كانوا أكثر تأخراً في فهم الأحداث والتكيّف معها حتى أولئك الذين ادّعوا المعارضة في الخارج. والخلط السياسي بين ما هو من المنطق وما هو من الخرافة الذي ظل يحكم وعيهم أضاع الغرب معهم بما فيه أميركا والتي ذهبت – حسب تصريح -" جون كيري " مؤخراً أنه كان لديه ولدى حلفائه اعتقاد سائد أن زحف "داعش" بتأييد من أميركا يمكنه إسقاط الدولة السورية لكنه فشل. هذا الوعي المسبق غير المبني على حقائق الواقع وتاريخ المنطقة، في مجموعة دول الخليج، أو في فرنسا، أكيد صُدّر في لحظة جنون إلى أوروبا بكاملها ثم إلى الولايات المتحدة الأميركية. ووراء كل ذلك كانت تركيا في لحظات حلم الامبراطورية تصنع من "داعش" القوة التي لا تُقهر بل وجيشها الإسلامي المُنتظَر. ولا زالت رغم هزائمها تؤمن بذلك وأن حلب بالتالي جزء منها، وظنوا أن لا أحد بإمكانه الهروب من قبضتهم ، حتى ولو كان "بابا عمرو"  أو مدينة حلب، أو زاوية ما في أقاصي أرض ليبيا، أكيد. والجميع هنا اعتقد أن روسيا مقيّدة، وإن الصين لا تلعب بورقتها إلا داخل حدودها الإقليمية. هكذا تصوّروا اللعبة حسب رؤاهم التجريدية، ونسوا أن الأمن القومي لثلاث دول "روسيا ، إيران ، سوريا" متشابك، وإن التفريط في أي منها يؤدّي إلى تخريب البقية، مثل أحجار الدومينو، إذا سقطت حجرة منه سقطت البقية، وبالتالي لا روسيا ولا إيران ولا سوريا يمكنها التفريط في الأمن القومي مهما كان الثمن. ولا أحد فيهم أيضاً نظر إلى المتغيّرات. وصدق"فيدرين" حين قال "إن حلب ترمز إلى إنهيار السياسات الغربية حيث باتت روسيا في نهاية المطاف هي التي تمتلك الأوراق مع إيران، معتبراً أنه "حتى لو خسرت فإن ذلك لن يُعيدنا إلى اللعبة" ومن هنا أيضاً جاء تراجع السعودية في أهم مواقفها (رحيل بشّار الأسد) إذ أكدت مصادر مطّلعة أن مسؤولين سعوديين قالوا لزوار أميركان" أن الرياض لا تعارض بالضرورة بقاء الرئيس السوري بشّار الأسد".  

المصدر: الميادين نت

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً