اخبار العراق الان

عباس عاصي: أزمة الهوية والحرب الاهلية في سوريا

عباس عاصي: أزمة الهوية والحرب الاهلية في سوريا
عباس عاصي: أزمة الهوية والحرب الاهلية في سوريا

2017-01-20 00:00:00 - المصدر: راي اليوم


عباس عاصي

كان ينقص الوطن العربي التشرذم الطائفي، لم يكفيه التقسيم الذي فرضه الاستعمار الغربي على بلادنا حتى يقسم المُقسم وتُشرذم الاوطان وتضيع معها الهويات الوطنية والقومية. لم يكن ينقص بلادنا سوى أن تقوم قوى من داخل مجتمعاتنا تسعى الى استبدال هويتنا الوطنية والقومية والتي كانت حبلا يصلنا ببعضنا بهوية طائفية اقصائية. لا شك ان الثورات والحروب الاهلية تلعب دورا محوريا ورئيسيا في التأثير على الهوية السياسية للفرد إما أن تدفعه الى التمسك بهويته الوطنية والقومية أو تدفعه الى ابراز هويته الطائفية محددةً وعيه السياسي ونظرته الى ابناء وطنه.

إن المشرق العربي الذي تميز بتنوعه الطائفي والديني كان دائما محطّ استهداف القوى الغربية فهو يعتبر مدخلا الى المنطقة من اجل الهيمنة عليها. كانت محاولة تقسيم سوريا في عشرينيات القرن الماضي من قبل فرنسا تهدف للحفاظ على ديمومة حكمها وتسهيل عملية ادارتها للدولة السورية ولكن وعي الشعب السوري والهوية الوطنية والعربية منعت مشروع التقسيم وقامت الثورة في عام 1927 لتبدد امال المستعمرالفرنسي وتفتت مشروعه. اليوم بعد مرور ما يقرب من القرن على هذه المحاولة برزت داخل المجتمع السوري طروحات تدعو الى قيام دولة او دول على اسس طائفية اقصائية بطبيعتها لا تتقبل الاخر ولا تعترف به. ما يميز هذه الطروحات هو انها اتت نتيجة صراع اهلي دموي وليست بفعل عامل خارجي كما كانت عليه في عام 1927.

تتسم الصراعات الاهلية خصوصا ان كانت عنفية ودموية بقدرتها على فرز المجتمع عموديا. لذا تبرز الهويات الفئوية لافراد المجتمع وتوظف سياسيا بغية انشاء كيانات سياسية طائفية تدّعي حماية ابناء الطائفة. هذه الحالة واجهها لبنان خلال الحرب الاهلية بين عامي 1975 و1990. فقد شهد خلال الحرب الاهلية صراعات بين الطوائف تسعى كل منها الى انشاء كيانه الطائفي ورسم حدوده ووضع معالم الدويلات الطائفية مثل رسم الحدود الجغرافية لها وفرض الخوّات على الداخلين اليها. ولم يكن بالامكان انهاء الحرب الا بعد أن تم تحديد بشكل واضح في نص الدستور اللبناني المعدّل في اتفاق الطائف مذهب المواقع الرئيسية في الدولة. فقد راعى الطائف مصالحها واعطاها حصصها في الدولة وذلك بخلاف الميثاق الوطني الذي اتُفق عليه في عام 1943 بين رئيس الوزراء حينها رياض الصلح ورئيس الجمهورية بشارة الخوري والذي لم ينص على تحديد مذهب الرؤساء الثلاثة على الرغم من اتباع العرف في توزيعها. يعود تحديد مذهب كل منصب في الدولة الى فقدان الطوائف الثقة ببعضها البعض بسبب الصراع الدموي بينها خلال فترة الصراع الاهلي. اضف الى ذلك، فقد سعى زعماء الميلشيات الى المطالبة بتحديد مذهب كل منصب في الدولة من باب المزايدة على منافسيه داخل الطائفة.

بعد انتهاء الحرب الاهلية اللبنانية اصبحت الطائفية اكثر تجذرا وتمددا في مؤسسات الدولة حتى لا يكاد موقع في مؤسسات الدولة الا ويتم تحديد مذهبه. تطييف مؤسسات الدولة زاد من حدة الصراعات والخلافات بين زعماء الطوائف. كما ان الاصلاحات التي نصّ عليها اتفاق الطائف لم تبصر النور. على سبيل المثال تشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية التي نص عليها اتفاق الطائف لم تبصر النور بسبب عدم الثقة بين الطوائف اللبنانية.

الحرب الاهلية السورية تتقاطع كثيرا مع الحرب الاهلية اللبنانية في تداعياتها خصوصا على مستوى الانتماء الهويّاتي للفرد والفرز الطائفي للمجتمع. الصراع الدموي بين أطياف الشعب السوري والذي خلّف قتلى ودمارا اكبر بكثير مما خلفته الحرب الاهلية اللبنانية أدى الى انقسامات عامودية في المجتمع السوري. يبرز هذا الفرز العمودي من خلال صعود تيارات عرقية ودينية تهدف الى انشاء دويلات طائفية وعرقية وكان اخرها مسعى الاكراد الى انشاء حكم ذاتي يمهّد الى الاستقلال وانشاء دولة كردية. كذلك فان هناك مساع من قبل تيارات دينية الى انشاء كيانات سياسية تعكس توجهاتها العقائدية مثل دولة الخلافة. لذلك من المتوقع في حال تم الاتفاق على انهاء الحرب ان يكرّس الطائفية وحقوق الاقليات ولو ضمنا أي من دون ذكرها بشكل واضح في نص الاتفاق وذلك بسبب ضعف الثقة بين مكونات المجتمع السوري.

في حال تم توزيع المناصب بين ممثلي الطوائف والعرقيات فان السيناريو اللبناني سوف يتكرر في سوريا من حيث الصراع على المواقع في مؤسسات الدولة وتوظيفهم للخطاب الطائفي والعرقي بغية استقطاب ابناء الطوائف السورية.

هذا التبدل بالهويات لدى ابناء الشعب السوري سوف يكون على حساب انتمائهم الوطني والقومي ويدفع الى الواجهة الهوية الطائفية والعرقية. سوريا التي تميزت تاريخيا بدورها العربي وبشعاراتها العروبية وقد كانت من ابرز داعمي ومؤيدي توجهات جمال عبد الناصر العروبية تنحو اليوم باتجاه معاداة هذه الهوية واستبدالها بهويات تفتيتيّة.

هذا التوجه مردّه الى عدة اسباب. أولا، التدخل العربي التخريبي في الصراع السوري اما من خلال الاعلام او الدعم المالي او الايديولوجي و/او العسكري مما اضعف الثقة بدور العرب وقدرتهم على حل الازمة المستعصية منذ ست سنوات. ثانيا، فشل الدول العربية في وضع حد للصراع الدائر في البلاد وتعاونها مع الغرب من اجل استهداف الدولة السورية وليس فقط النظام السوري. ثالثا، فشل حزب البعث في ادارة الدولة خصوصا في المجال الاقتصادي والاجتماعي مما دفع بابناء الاطراف والارياف الى الانتفاض ضده ومعارضة بعضهم لتوجهاته القومية والعروبية.

ان من مسؤولية العرب وخصوصا الاحزاب القومية العربية ان تحاول ان تملئ هذا الفراغ الذي تركته خصوصا وان هذا الفراغ يتم حاليا مُلؤه من عدة أطراف دينية وعرقية تتجه نحو التقسيم ونزع الهوية القومية للدولة السورية.

ان افشال الدور الوظيفي لهذه الهويات مرهون بنجاح الاحزاب القومية العربية في استقطاب الشارع السوري وإعادة توجيهه والابتعاد عن سياسة التقسيم.

كاتب لبناني

Email: a.assilb@gmail.com

Twitter: @DrAbbasAssi