اخبار العراق الان

حماية مصادر المعلومات الصحفية, وشبح الاستثناءات

حماية مصادر المعلومات الصحفية, وشبح الاستثناءات
حماية مصادر المعلومات الصحفية, وشبح الاستثناءات

2020-08-28 00:00:00 - المصدر: مقالات عراقية


قد يتسنى للصحفي أن يزور أماكن لا يتمكن غيره من زيارتها؛ ويلتقي بأشخاص, منظمات, وجماعات سرية لايتمكن غيره من ذلك؛ ويتلقى أخبار ومعلومات يعجز غيره عن تلقيها؛ ويكون الصحفي على علم وإلمام بمواضيع اخرى كثيرة يجهلها غيره, و هذا ليس عجبا؛ لانه صحفي وهذه هي مهنة الصحافة, و سيتمتع بهذه الميزة طالما بقي "صحفيا" بكل ما تحمله الكلمة من معنى, ألا انه احيانا يواجه الصحفي من التحديات ما تفقده هذه الصفة وتحوله من صحفي إلى مخبر أو شاهد عن مصادر المعلومات التي حصل عليها, فحينها يفقد الصحفي كل هذه الميزات, بل اكثر من ذلك, تتعرض حياته للخطر ويصبح شخصا غير مرغوبا في مشهد الأحداث ولم يعد يملك الثقة الممنوحة له؛ وبالتالي, يفقد الصحفي "مهنة الوسيط" بين مصادر الخبر والمعلومات من جهة, و عامة الناس من جهة اخرى, و لن يتمكن من الحصول على المعلومات و القيام بدور المناط به وهو إيصال المعلومات والأفكار إلى أفراد المجتمع.

اذا هذا هو حال الصحافة عندما يلزم الصحفي- من قبل المحاكم أو الجهات التنفيذية- بالكشف عن مصادر المعلومات التي ينشرها. وهذه من أهم التحديات التي تواجه عمل الصحافة, خاصة في قضايا التشهير التي يقيمها كبار المسؤولين, فلا يرى الصحفي من سبيل غير الركوع لارادة القضاء ويضحي بمصادر معلوماته التي تلقاها سرا, ويضر بالمخبرين, خاصة عندما يكونوا جزءا من الوظيفة العامة فحينها يحاكمون تحت مسمى كشف أسرار الوظيفة.

رأي القانون الدولي:

هناك اعتراف بحق الصحفيين في حماية سرية مصادرهم من قبل الهيئات الدولية والإقليمية. القرار السنوي للجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في 2005 شدد على "...الحاجة إلى ضمان حماية أكبر لجميع العاملين في مجال الإعلام و للمصادر الصحفية...". وأكد المقرر الخاص للأمم المتحدة المعني بحرية التعبير أن حماية المصادر لها "أهمية أساسية" بالنسبة للصحفيين حتى يتمكنوا من الحصول على المعلومات، وأن سلطة التي تفرض الكشف يجب أن تكون محدودة للغاية. وذكر المقرر الخاص: أنه لكي يضطلع الصحفيون بدورهم كرقيب في مجتمع ديمقراطي، فإن الوصول إلى المعلومات التي تحتفظ بها السلطات العامة، أمر لا غنى عنه، و إن الافتقار إلى هذا الضمان قد يخلق عقبات أمام حق الصحفيين في البحث عن المعلومات المتعلقة بالمسائل ذات الاهتمام العام. ولذلك يجب أن يقتصر أي طلب للكشف عن المصادر على الظروف الاستثنائية التي تكون فيها مصلحة حيوية عامة أو فردية على المحك.

وجاءت في توصيات  لجنة وزراء مجلس أوروبا بشأن حق الصحفيين في عدم الكشف عن مصادر معلوماتهم لسنة ٢٠٠٠:  أن الاستثناءات من الحق في حماية المصادر الصحفية ممكنة فقط إذا كان الكشف ضروريًا: لحماية حياة الإنسان، أو لمنع جريمة كبرى, أو للدفاع عن شخص متهم بارتكاب جريمة كبرى؛ ويحظر الكشف عن المعلومات في سياق قضايا التشهير.

في قضية جودوين ضد المملكة المتحدة 27 مارس 1996، اعتبرت المحكمة طلب الكشف عن مصدر المعلومات مخالفا لمبادئ الحق في حرية التعبير التي جاءت في المادة ١٠ من المعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان, وقضت المحكمة ان أمر الكشف عن المصدر ... لا يمكن أن يكون متوافقًا مع المادة 10 من المعاهدة ما لم يكن مبررًا كشرط أساسي يخدم المصلحة العامة ".. وفي قضية فيلم نورديسك ضد الدنمارك في كانون الأول / ديسمبر 2005  أيدت المحكمة الأوروبية قرار الكشف عن مصدر المعلومات كون القضية تتعلق  بالإفصاح عن مواد بحثية حصل عليها صحفي، قام بعمل فيلم وثائقي عن الاعتداء الجنسي على الأطفال في الدنمارك، حيث ذهب متخفيًا وانخرط في هذه الجمعية السرية. فوجدت المحكمة على وجه الخصوص أن أمر المحكمة المحلية كان تدخلاً متناسبًا مع حرية الصحفي في التعبير, و كان له ما يبرره لمنع الجريمة، ولا سيما فيما يتعلق بقضية إساءة معاملة الأطفال. 

اذا وفقا لما تقدم, فان القاعدة العامة هي عدم جواز إجبار الصحفي على كشف مصادر معلوماته؛ إلا في حالات استثنائية: عندما تكون مصلحة حيوية عامة أو فردية على المحك, حماية حياة الإنسان، منع جريمة كبرى, للدفاع عن شخص متهم بارتكاب جريمة كبرى, و عندما يكون الكشف شرط أساسي لخدمة المصلحة العامة.

السؤال الذي يطرح نفسه هنا: كيف يتم تفسير هذه الاستثناءات؟ مامعنى مصلحة حيوية عامة؟ هل هناك تعاريف دقيقة لهذه المصطلحات؟ وهل هناك ضمانات تمنع سوء استخدامها؟

هذا السؤال غير موجه للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان, التي تفسر القيود في أضيق الحدود, بل الى الدول التي تنتهك الحقوق وحريات الإنسان, ولها سجل أسود في هذا المجال, وتتغذى على الاستثناءات وتستخدمها لتقويض حرية التعبير, حيث تجبر الصحفيين على كشف مصادر المعلومات حتى في قضايا التشهير. بدون شك فان هذه الاستثناءات سيساء استخدامها في ظل عدم وجود تعريفات متفق عليها, وغياب ضمانات تمنع سوء استخدامها, وبالتالي تمنع الصحافة من القيام بدورها الأساسي في قضايا نقاش العام المتعلقة بمصلحة العامة.

واخيرا مهما كانت التفسيرات, ضيقة او واسعة, فانا لا ارى اي جدوى في وضع هذه الاستثناءات على مبدأ العام في منع كشف مصادر المعلومات, وكان الأجدر أن يكون المنع على الإطلاق؛ لأن الصحافة تقوم بدور أكبر للمجتمع ولا بديل لهذا الدور, والمصلحة التي تأتي من الصحافة الحرة تفوق بكثير لاية مصلحة اخرى تاتي من الكشف عن مصدر المعلومة. 

عندما يكون الصحفي شاهدا فلا يتمكن ان يقوم بهذا الدور, حتى وان تمكنا ان نستخدم الصحفي لكشف عن جريمة, فماذا كنا نفعل لوكانت الصحافة غير موجودة اصلا؟؟؟ وهذا يدل على أنه ليس هناك تلازم بين وجود الجرائم وحماية المصادر؛ بل بين كشف الجرائم وحماية المصادر, فالجرائم مستمرة وقائمة سواء وجدت الصحافة ام لا؛ الا ان الصحافة غالبا ما تكون وسيلة في اثارة و كشف عن الجرائم مخفية عن الأنظار. اذا فالمعادلة واضحة, والخيار واضح: اما ان نجعل من الصحفي شاهدا ومبلغا, ونقيد قدراته؛ فحينها نكون أمام صحافة ضعيفة ومعطلة وحقائق ضائعة, و"جرائم" مستمرة. أو نجعل من الصحفي صحفيا ونترك له دوره الحقيقي وهو الاستقلال و الحرية في نقل المعلومات والافكار بدون تدخل؛ فحينها يكون المجتمع على علم وإلمام بظواهر الاجتماعية, السياسية, الامنية...الخ السيئة, ويزول الغطاء عن كثير من الممارسات سواء في قطاع الحكومي او من قبل الجماعات والمنظمات السرية والمحظورة, ويمكن أن نتخذ سبل أخرى غير الكشف عن مصادر المعلومات لمحاربة ما يكشفه الصحفي. 

في العراق

بالرغم من الانتقادات الواسعة الموجهة من قبل المنظمات المعنية بحقوق الإنسان على الصعيدين الدولي والمحلي لقانون حماية الصحفيين لسنة 2011؛ كونه قانون مؤكدا للقوانين التعسفية السابقة وليس لاغيا لها, ألا أن الفقرة 2 المادة 4 من القانون تنص على حماية المصادر وذلك بدون استثناء. 

فهل تضمن هذه المادة حماية مصادر المعلومات, ام لا؟؟؟

  الارضية والواقع العام لحقوق الانسان وحرياته, ومدى احترام النظام السياسي لهذه الحقوق هي التي تجيب على هذا السؤال.

 اما في اقليم كردستان فهناك قانون الصحافة رقم (35) لسنة 2007, تنص الفقرة 3 من المادة الثانية والفقرة 3 من المادة السابعة على حق الصحفي في عدم كشف مصادر المعلومات  إلا بأمر من المحكمة, مما يعني أن المحكمة لها حرية مطلقة ان تامر بكشف مصادر المعلومات متى ما شاءت بدون أي قيود, لذا كان بالاحرى على المشرع على الاقل ان يضع قيودا على سلطة المحكمة من خلال النص على حالات خاصة استثنائية يجوز للمحكمة أن تصدر فيها أمر الكشف عن مصدر المعلومات.

 

بقلم/ سنار شريف علي/ ماجستير في القانون الدولي