بعد الاقتحامين السابقين الذي نفذه انصار زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، على مقري مجلسي النواب والوزراء ، انتقلت هذه الممارسة الى المحافظات التي شهدت تدمير مقر حزب الدعوة في محافظة ميسان، واحراق مكتب رئيس الوزراء السابق نوري المالكي في محافظة بابل. وهذه الممارسات لم تقف عند هذا الحد ، بل استمرت لليوم التالي على التوالي بمحاولة اقتحام مواقع ومقرات أحزاب سياسية ، أبرزها حزب الدعوة الاسلامية والمجلس الأعلى ومنظمة بدر، وطالت مقرات ومكاتب وتمثليات تلك الأحزاب في النجف وكربلاء والبصرة. رغم توجيهات زعيم التيار الصدر لأتباعه بإبعاد مدينة النجف عن التظاهرات لقدسيتها وظرفها الخاص، والضغط على مكاتب الأحزاب بشكل سلمي. الى ذلك توعد رئيس الوزراء حيدر العبادي ، بردع أي تجاوز من المتظاهرين على مكاتب الاحزاب والكتل السياسية ، ووجه وزارة الداخلية بالتصدي لأي محاولة من المتظاهرين لاقتحام مكاتب أحزاب في الجنوب. يبدو ان الاجراءات الامنية والمشددة في العاصمة بغداد التي منعت المتظاهرين من الوصول الى المنطقة الخضراء وتجديد الاقتحام لها ، نقل هذه الممارسة الى مقرات الاحزاب في محافظات اخرى لاسباب لها علاقة بحجوم تأييد هذه الاحزاب بالنسبة للتيار الصدري في هذه المحافظات ، وكتأكيد عدم تنازل التيار الصدري من اسلوب الضغط غير المشروع وفرض الارادة . ولحد هذه اللحظة لم تعطي هذه الممارسات الا انعكاسات سلبية رسخت في اذهان الناس عن النهج وطبيعة ادارة مؤيدي التيار الصدري ، وبنفس الوقت لم تعكس اي فائدة على عموم (الاصلاحات المزعومة) التي يدعوا اليها التيار الصدري، وهذا الامر يجب ان يدفع قيادات التيار الصدري الى اعادة الحسابات بشأنه، ويخرج من عزلته التي وضع نفسه بها ، ويعيد نشاطه كتيار فاعل في العملية السياسية. كما ان هناك نقطة مهمة كان يجب على التيار الصدري الالتفات اليها ، وهي ان هذه المحافظات التي بدأت تشهد اقتحامات للمقرات الحزبية فيها كانت مثالا للامن والامان ولم تشهد اي حوادث امنية أو سياسية عنيفة منذ سنوات طويلة الا ما ندر، لهذا كان الاجدر بقيادات التيار الصدري ان تحافظ على استمرارية الامن فيها وان لا تدخلها الى فضاء الاضطرابات التي لن تنفع هذه المحافظات واهلها. وكان عليه ان يتفهم سكوت الاحزاب السياسية التي اقتحمت واعتدى على مقراتها، والتي اكتفت بتصريحات عابرة لا ترتقي الى حجم السوء الذي تعرضت له، ما يعكس رغبتها بترسيخ الاجواء الهادئة التي تعيشها هذه المحافظات، وايضا عدم التشويش على الحكومة المركزية والقوات الامنية المنشغلة بعمليات تحرير الفلوجة. يجب ان يكون هناك ادراك كامل من التيار الصدري ، ان مسألة اقتحام مجلسي النواب والوزراء كانت مرحلة وتجربة اكدت فشلها وعدم صحتها ، واكدت ان النظام والوضع العراقي العام لا يعد يسمح او يؤمن بهذه الثقافة ، وان المجال الوحيد لاثبات الذات وفرض الارادة هو مجلس النواب العراقي باستخدام حق الضغط السياسي وفق الاليات القانونية الدستورية . وكان على الاقل من التيار الصدري ، ان ينتظر قرار المحكمة الاتحادية التي ستفصل بموضوع مجلس النواب وستساعد على التئامه من جديد بعد ان تقرر لصالح احدى الطرفين المتخاصمين في داخله ، والاهم عليه ان يحدد وجهته بعد قرار المحكمة الاتحادية ليمارس دوره في مجلس النواب