أنهت فرنسا مسيرة المتنخب الألماني المظفرة في يورو ٢٠١٦ وفازت عليها بهدفين مقابل لاشيء في المباراة التي جرت بينهما على أرضية ملعب الفيلودروم الصعب في مدينة مارسيليا لتخيب آمال عشاق الماكينات الذين كانوا يمنون النفس بالظفر بالبطولة الرابعة لهم خاصة بعد تجاوز العقبة الإيطالية التاريخية . ولكن يبدو أن هذا التجاوز هو من كلف لوف ورجاله خسارة البطولة فكيف ذلك؟
بداية …طبيعة كرة القدم وطبيعة البشر
في الاستوديو التحليلي للقاء إياب السوبر الاسباني للعام الماضي بين برشلونة وبلباو والذي نقل مباشرة على قنوات أبوظبي الرياضية، كان جميع من في الاستوديو واثقين تمام الثقة بقدرة برشلونة على العودة باللقاء والظفر باللقب إلا النجم الإيطالي السابق نيكولا فينتولا الذي قال بالحرف الواحد :” أعتقد أن بلباو أقرب للقب لأنه من الواضح أن البرشا يعاني من عدم اكتمال لياقته ، وفارق أربعة أيام غير كاف لإعادة بناء اللياقة .”
انطلاقاً من هذا المبدأ نستطيع أن نفهم لماذا كانت خسارة الألمان متوقعة وبل مفهومة . حيث عانى الألمان من تراجع اللياقة مع نهاية الموسم كما عانى الكتلان من عدم اكتمالها بدايته. والأهم أنهم خاضوا مباراة مستنزفة للقوى بكل ما للكلمة من معنى أمام إيطاليا ، وقد يقول قائل أن ثلاثين دقيقة إضافية قد لا تعني الكثير في عالم كرة القدم ، لكنها في الحقيقة تعني كثيراً جداً حيث أن الجهد الإضافي المبذول بعد جهد تسعين دقيقة مختلف تماماً عن الجهد المبذول بعد أيام عدة من الراحة ، والدليل معاناة كل الفرق في البطولات الكبرى في المباراة التالية لمباراة من ١٢٠ دقيقة . فما بالكم إن كانت المباراة أمام العقدة التاريخية الإيطالية التي يستوجب تجاوزها جهداً مضاعفاً ليس جسدياً وحسب بل ونفسياً مما يعني استنزافاً كاملاً وشاملاً يصعب تعويضه خلال أربعة أيام، ورغم أن الألمان يلقبون بالماكينات إلا أنهم بشر في النهاية وتنطبق عليهم القواعد البشرية بقدر ما تنطبق القواعد الرياضية على كرة القدم التي هي بالأساس “ رياضة “ تستند بالأساس على العامل البدني . وبالتالي ليس مستغرباً أن نرى ثغرات كبرى ما بين الخطوط وخللاً في منظومة الحركة والاحتفاظ بالكرة والضغط على الخصم. وليس مستغرباً أيضاَ رؤية الكثير من الأخطاء على الصعيد الفردي لأن التعب يقلل من التركيز بشكل كبير.
الغيابات القاتلة وخلل المنظومة
الكلفة الكبرى الثانية لمباراة إيطاليا هي الغيابات، حيث خسرت ألمانيا ماتياس هوملز الذي يعتبر أفضل مدافعيها وأفضل شريك لبواتينج ، حيث أن وجودهما معاً هو من خلق الاستقرار للخط الخلفي الألماني وسمح بإصلاح العديد من أخطاء الظهيرين البطيئين في الارتداد الدفاعي ، لكن ابتعاد هولمز شتت جهد بواتينج وجعله يبذل جهداً إضافياً كبيراً كان كافياً لإصابته وإخراجه من أرضية الملعب وهنا نعود مرة أخرى للعامل البدني .
إصابة خضيرة وجوميز أثرت كذلك على عمل المنظومة الألمانية بكاملها وقللت من الفاعلية الضغط على حامل الكرة (خضيرة ) وإنهاء الهجمات بالشكل المناسب (جوميز) حيث أن طريقة العمل الألمانية تتلخص باستخلاص سريع بالكرة والحفاظ عليها وبناء هجمة تنتهي معظم الأحيان عن طريق رأس الحربة بدليل أن معظم الهجمات كانت ترفع أو تلعب إلى داخل منطقة الجزاء بانتظار من يغمزها لداخل المرمى . كأس الغيابات هذه عانت منها إيطاليا أهم عناصر وسطها (كانديريفا ودي روسي ومن بعدهم تياجو موتا ) مما قلل من فاعلية المنظومة في العمل الهجومي تحديداً واضطرارهم للاعتماد (فقط) على الكرات الطويلة التي كانت مقروءة تماماً من الألمان .
جميع هذه العوامل يضاف لها أن الألمان يواجهون الفرنسيين أصحاب الأرض والمدعومين بقوة من جمهور مرسيليا المتحمس جداً والذي لا يهدأ . الدوافع النفسية للفرنسيين وتعاظم التأثير النفسي على الألمان نتيجة التعب وربما أيضاً نتيجة شعور بالاشباع بعد إقصاء المتنخب الإيطالي (حيث شعر معظمهم أن المهمة قد انتهت) سمح لفرنسا الموهوبة والسريعة بأن تتحرك تقتنص هدفين من خطأئين في التركيز أولهم من شفاينستايجر والثاني من نوير الذي أبعد الكرة بشكل خاطئ ، أخطاء كهذه لا تأتي من دون سبب وتلعب جميع العوامل السابقة أدواراً فيها بالإضافة للموهبة الفرنسية التي لا يمكن إنكارها بالمرة .
ظلمت البطولة المنتخبين الألماني والإيطالي بشكل كبير بعد أن أجبرتهما على لعب مباراة بهذا الحجم في وقت مبكر من البطولة مما استنزفهما بدنياً ونفسياً، وأيا كان المتأهل منهما فإنه على الأغلب سيلاقي نفس المصير أمام فرنسا الأكثر راحة بدنية لسهولة طريقها مقارنة بالمتنخبين و الأكثر دعماً نفسياً بأرضها وجمهورها حيث يعرف عن الفرنسين حسن استخدامهم لهذين العاملين خصوصاً بتواجد مدربهم ديديه ديشامب الذي يعرف تماماً كيفية استغلال هذين العالمين وبهما رفع كأس العالم ، ولا يبدو أنه بعيد عن رفع كأس أوروبا كمدرب، والمطلوب فقط تجاوز رونالدو ورفاقه في النهائي .
لقراءة مقالات أخرى للكاتب اضغط هنا :
صفحة الكاتب على الفيسبوك وتويتر :