الوَطن بين النِصاب والنَصّاب /النائب شوان داودي
بدى الانقسام في مجلس النواب العراقي للظهور مع جلسة البرلمانيين المعتصمين في الرابع عشر من نيسان الماضي والتي كانت بحسب اعتقاد النواب المعتصمين قد استكملت نِصابها القانوني من خلال اعتمادهم على أسماء قائمتهم واسماء الموقعين على حضور الجلسة والذين لم يحضر عددا منهم ، ولكن الحقائق وتسجيلات كاميرات الدائرة البرلمانية كشفت عكس ذلك وان نسبتهم القانونية اقل بكثير من ان تحقق جلسة اعتيادية بنِصاب اعتيادي وبموجب النظام الداخلي للبرلمان واستنادا الى الدستور، واتخذ البرلمانيون المعتصمون في تلك الجلسة قرارا بأقالة هيئة رئاسة المجلس؟! وهو في حد ذاته عمل غير دستوري وغير قانوني, لان شرط الاقالة يعتمد على أكتمال النِصاب للحضور الفعلي اولا, وليس بالاعتماد على قوائم أسماء فقط بالاضافة الى حضور هيئة الرئاسة عند اتخاذ قرار الاقالة والاسباب الموجبة له.
بذل النواب المعتصمين جهدا اعلاميا من اجل اثبات انهم حققوا نِصابا قانونيا لكنهم فشلوا في ذلك, ولكنهم تمكنوا من استثمار مبادرة السيد رئيس الجمهورية الداعية بالرجوع الى الدستور واكمال النِصاب بشكل غير موفق، وعد الطرف المقابل ان نصابهم لم يكتمل بشكل فعلي وقانوني وقاموا بالغاء كافة القرارات التي اتخذها البرلمانيين المعتصمين عادين اياها غير شرعية في جلسة كاملة النِصاب بالرغم من انسحاب كتلة الاحرار وانقلابهم على النواب المعتصمين, واستطاعت تلك الجلسة التصويت على تغيير خمس وزارات، وكذلك الحال اعتبر البرلمانيون المعتصمون الجلسة غير شرعية وانها لم تحقق النِصاب القانوني وان الطرف الاخر لجأ للخداع والتزوير.
أصاب الشعوب العراقية بلاء مشكلة استكمال النِصاب القانوني وتزوير النسبة وتحول الامر الى مادة دسمة لوسائل الاعلام حيث دافع كل طرف من خلالها عن موقفه.
هذه الحالة غير الصحية استمرت لفترة غير قصيرة الى ان وصلت في يوم الثلاثين من نيسان الاسود حيث قام تيار سياسي باسم الشعب بمهاجمة مجلس النواب وانتهاك هيبة الدولة في بيت الشعب بعد أن يأس من تمرير مشروعه.
في جلسة 26/4/2016 التي اقالة خمسة وزراء وصوت على خمسة وزراء جدد بدلهم، لم تتاح الفرصة للوزراء الجدد كي يؤدوا اليمين الدستورية امام البرلمان بسبب احداث 30 نيسان الاسود.
ولو عدنا الى جلسة مجلس الوزراء ومقاطعة الوزراء الكرد الثلاث لجلساته وعدم حضور عدد اخر من الوزراء الذين سبق وان قدموا استقالاتهم ومقاطعة اخرين أيضا لها, نرى أن ذات الداء (النِصاب القانوني) الذي أصاب مجلس النواب قد نقل عدواه واصاب مجلس الوزراء ايضا. ولم يتمكن مجلس الوزراء من عقد اجتماعه الاعتيادي ليوم الثلاثاء 3/5/2016 بسبب عدم اكتمال نِصابه القانوني وبرر ذلك بسبب اعلان الثلاثاء عطلة رسمية بمناسبة زيارة الامام الكاظم (ع)؟!, واجل اجتماع المجلس الى الخميس الخامس من ايار, ولان المجلس لم يحقق النِصاب القانوني يوم الخميس اجل جلسته الى الاحد الثامن من ايار ولكنه لم يحقق النِصاب أيضا ولم يجتمع شمله, بذلك تكون المرة الاولى في تاريخ الدولة العراقية يفشل فيها مجلس الوزراء في تحقيق اجتماع ثلاث مرات على التوالي بسبب عدم اكتمال النِصاب.
مكتب رئيس الوزراء الاعلامي اصدر الثلاثاء 10/5/2016 بلاغا بانعقاد جلسة المجلس برئاسة حيدر العبادي في الوقت الذي لم يحضر فيها لا الوزراء الجدد ولا الوزراء الكرد الثلاثة ولا البعض من الوزراء الذين استقالوا، ولان مجلس الوزراء العراقي يتالف من 22 وزيرا فان اكتمال نِصابه يتطلب حضور 12وزيرا بالاضافة الى رئيس المجلس أي (13) عضوا. وهنا لجأ رئيس الوزراء حيدر العبادي الى حيلة شرعية لاكمال النِصاب وذلك بملئ مكان بعض الوزراء بالوكالة حيث حضر الاجتماع تسع وزراء اضافة الى رئيس المجلس اي بحضور عشرة اعضاء، مستوزرا العبادي نفسه وزيرا للنفط وكالة, وسلم وزارة النقل وكالة الى وزير الرياضة والشباب عبد الحسين عبطان ووزارة التجارة الى وزير التخطيط سلمان الجميلي, مع العلم أن كلا من العبطان والجميلي هما من الوزراء الذين قدموا استقالاتهم, وبذلك استكمل حضور 13 عضو في المجلس. معتمدا بذلك على الفقرة الثانية من المادة السابعة القسم الثاني من النظام الداخلي لمجلس الوزراء رقم 103 لسنة 2014 والخاصة بالوزراء المسافرين بايفاد او المجازين او الذاهبين في عمل رسمي, علما بان ذات النظام الداخلي للمجلس قد تم اقراره خلال فترة حكومة العبادي وسبق تم انتهاكه من قبل العبادي فيما يخص نواب رئيس مجلس الوزراء؟!، مما القى بظلال الشك على شرعية اجتماع مجلس الوزراء واعتبر عملا غير قانوني وفيه جانب من التلاعب والنصب وتسبب في شطر البلاد الى قسمين، قسم يرى ان الاجتماع الذي قام به رئيس الوزراء قانوني ودافع عنه, وقسم يرى انه غير قانوني. وكلاهما يسوقون لنا مئات الاسباب لشرعيته وعدم الشرعية، وبذلك فان مجلس الوزراء قد انزلق هو الاخر كما انزلق مجلس النواب الى هذه المشكلة بين الشرعية واللاشرعية وبين النِصاب والنَصّاب.
هذه الاوضاع في المجلسين لا يمكن ان تستمر بهذه الصورة حيث يبرر كل طرف الشرعية لمصلحته ويعد الطرف الاخر بمحتال. لذا فان الحل الوحيد الذي نراه هو ان توحد الجهود من اجل عقد اجتماع موحد لمجلس النواب بحضور كافة الكتل المنظوية الى الجانبين المختلفين وتمنح الحرية للنواب في طرح كل القضايا على المجلس باسس دستورية وقانونية ويصوت عليها بشكل علني وشفاف, وان لا تكون هناك خطوط حمراء وضعت مسبقا من قبل أي طرف لأي موقع أو أي شخص في الدولة, وتخضع لتصويت نواب الشعب علنا وامام الشعب بشكل مباشر, وان نبارك لمن يحوز على ثقة الشعب, وان نقول لمن لا يحصل على نسبة تكفي ان الله ومحمد وعلي وياه. بذلك نستطيع اعادة الهيبة الى كل مفاصل الدولة ويتم تخليص البلاد بالنِصاب من النَصّاب، وبعكسه فاننا يجب ان ننتظر الاسوأ.