ما بعد اللقب القاري …هل كانت البرتغال محظوظة ؟ وهل استحقها رونالدو ؟

آخر تحديث 2016-07-11 00:00:00 - المصدر: موقع سوبر الرياضي

متري حجار - 

تلونت أوروبا بالأحمر الغامق بعد فوز برتغالي على المنتخب الفرنسي المضيف بهدف القوي إيدير إثر مباراة مثيرة شهدت تقلبات وتحولات دراماتيكية عديدة مما فرض أسئلة كثيرة للغاية أبرزها ، هل كانت البرتغال محظوظة في هذا اليورو حقاً خصوصاً في هوية الخصوم  ؟ وكم كانت مساهمة رونالدو في هذا اللقب ؟ وهل يحسب له أم لمدربه سانتوس أم لإيدير الذي سجل أغلى الأهداف ؟  وهل كان خروجه وبالاً على زملائه أم عاملاً منشطاً وقوياً ؟ ما سر الدموع ، وهل هي تمثيلية لكسب الناس والأضواء ؟ وهل تفوق على ميسي حقاً ؟ هذه الأسئلة وغيرها يجيب عنها هذا التقرير .

بداية ..هل كانت البرتغال محظوظة ؟

قسم كبير من المتابعين اعتبر أن القرعة خدمت البرتغال ووضعتها في طريق سهل لكن الحقيقة أن الطريق كان عادلاً لكل المجموعات ووحدها فرنسا التي استفادت من إمكانية اختيار رأس المجموعة التي تفضلها لأنها مستضيفة البطولة ، لكن ما خلط الأوراق هو وقوع انجلترا واسبانيا في المركز الثاني . وبذلك نستطيع أن نقول أن المنتخبات الكبرى هي التي قدمت هذا الطريق التي يبدو سهلاً (ظاهرياً للبرتغال) . لكن فعلياً مواجهة كرواتيا  ليست سهلة على الإطلاق والبرتغال  كما هي مواجهة فرنسا في النهائي ، وامتلاك البرتغال  نفساً طويلاً جداً مكنها من لعب العديد من المباريات لـ 120 دقيقة وهو أمر مثير للإعجاب  ويدل على تصميم وإرادة كبيرين . حتى مباريات الدور الأول رغم أخطاء التشكيل والتكتيك إلا أنها جميعاً تميزت بهذا الإصرار على عدم الخسارة على الأقل ، فكما أنها لم تفز سوى بمباراة واحدة في الوقت الأصلي وهي مباراة ويلز إلا أنها رفضت خسارة أي لقاء رغم أنها كانت قريبة من ذلك حيث انتزعت الفوز بطريقة أو بأخرى وهو الأمر الذي يستحق المكافأة . نعم البرتغال كانت محظوظة في بعض اللقطات لكنها كسبت هذا الحظ بإصرارها وطول نفسها ومحافظتها على رباطة الجأش حتى مع اقتراب الخروج من الدور الأول ، وهذه ميزات لا يمكن إنكارها وغالباً ما تتم مكافأة أصحابها بأفضل طريقة.

هل كان خروج رونالدو وبالاً أم حظاً لزملائه ؟

خروج أحد أفضل اللاعبين في تاريخ كرة القدم خصوصاً لإي الألفية الجديدة هو ضربة قوية لأي فريق مهما امتلك من أدوات فكيف إن لم يتملكها ؟ وقد وضح هذا التأثير في الكيفية قلة الفاعلية أمام المرمى خصوصاً في الكرات المرفوعة . كما أن هذا الخروج قد أراح الفريق الخصم وسمح له بالتفكير بالهجوم بعدد أكبر من اللاعبين وهو ما لم يكن ممكناً بوجود رونالدو على أرضية الملعب . الأكيد أن خروج النجم الأوحد للفريق سمح للفرنسيين بلعب مباراة أكثر هجومية ، ولو بقي لكانت المباراة تكتيكية بشكل أعلى بكثير .

هذه الراحة التي خلقها خروج رونالدو  كان لها تأثير آخر على لاعبي المنتخب الفرنسي حيث قللت من مردودهم لأنها زادت الثقة بإمكانية تسجيل هدف في أي وقت ، وبالتالي كان هناك الكثير من قلة التركيز أمام المرمى والدليل كمية الفرص التي تم إهدارها ، بالمقابل رفع هذا الخروج من روح المسؤولية لدى رفاق رونالدو الذين أرادوا بشكل تلقائي إثبات أنهم قادرون على ملء الفراغ ، وهذه قوة ذهنية تحسب لهم لأن خروج لاعب بحجم الدون داخل لقاء بهذه الأهمية  عبء عقلي كبير لا يسهل التعامل معه حتى في ريال مدريد المتخم بالنجوم، تخيلوا مثلاً لو خرج البرتغالي في نهائي الأبطال أمام أتلتيكو فما الذي سيحدث ؟

إذا لماذا يعزى له الفضل رغم أنه لم يشارك فعلياً  في النهائي ؟

في الحقيقة هو ليس فضلاً يعزى بقدر ما هو طبيعي أن تسلط الأضواء عليه لأنه نجم نجوم هذا الفريق والعالم أيضاً. وبالعودة لمواجهة تشيلي والارجنتين لم يذكر الكثير عن إنفرادة هيجواين أو حتى فوز تشيلي مقارنة بتسليط الضوء على خسارة ميسي وإهداره لركلة الجزاء. فما بالكم وقد حققت البرتغال اللقب بعد مساهمة كبيرة من رونالدو قيادياً في المقام الأول وفنياً في الثاني . فلنتخيل مثلاً أن ميسي قد نجح في الفوز على تشيلي في الكوبا الأخيرة بعد أن تصدى الحارس الأرجنتيني لخمس ركلات ترجيحية او سجل هيغواين الهدف الأهم  ؟ لمن كان سيعزى الفضل ؟ بالتأكيد لليو ميسي لأنه النجم الأوحد والأول في العالم .

رونالدو لم يكن في أفضل حالاته وهو أمر طبيعي ، بداية هو في نهاية موسم لعب ما نسبته ٩٠ بالمئة من مبارياته الكثيرة ووصل فيه لنهاية كل بطولاته على جميع المستويات . ثانياً هو تحت الرقابة طوال اللقاء ولا يسهل أن يقدم لاعب الأداء الأمثل في مثل هذه الظروف مهما كان حجمه . ثالثاً ، رونالدو يبلغ الآن الـ 31 من العمر ومن الطبيعي أن يكون مستواه أقل مما كان عليه سابقاً لأن العمر له حق أيضاً. لكن الدون كان قائداً حقيقياً وتحمل ضغوطاً كبيرة خصوصاً مع عدم وجود لاعبين بمستواه او حتى أقل منه بقليل ( حتى ناني المتألق  بعيد  كل البعد عن رونالدو ومكانته)، وقد ساهمت أهدافه وتمريراته بوصول البرتغال إلى النهائي بشكل لا مجال للشك فيه. حتى ضربة الجزاء التي أضاعها فإنها وللطرافة ساهمت في طريق سهل للبرتغال فكانت رمية الشاطر بألف ولو شلفها شلف كما يقول مثل دمشقي شهير .

أين سانتوس وإيدير من هذا الفضل ؟

حقيقة أن رونالدو سيخطف الأضواء لا تعني أنه الوحيد الذي حقق اللقب ، فهناك 11 لاعباً قدموا الغالي والرخيص ولعبوا باستماتة لتحقيق هذا اللقب المنشود، وخلفهم هناك مدرب قدير جداً اسمو فيرناندو سانتوس ربما لا يتذكر الكثيرون ما قدمه مع منتخب اليونان حيث أوصله للدور الثاني من كأس العالم 2014 وخرج بركلات الترجيح بعد مباراة قوية أمام كوستاريكا التي فاجأت الجميع وقتها. المدرب البرتغالي وبواقعيته الشديدة تعلم من اخطاء التشكيل التي ارتكبها واستطاع رفع الانضباط التكتيكي للاعبيه في أرضية الملعب قبل وخلال البطولة ، ويكفي ان نتذكر حالة الفوضى التي عانت منها البرتغال في مونديال 2014 حيث خرجت من الدور الأول بعد خسارة تاريخية من ألمانيا برباعية وأيضاً  خسارة  أخرى تاريخية أمام البانيا في التصفيات الأوروبية. المدرب الخبير أعاد ترتيب الاوراق وطور الأداء حتى داخل البطولة حيث كانت له لمساته الكبيرة أبرزها طبعاً إدخال إيدير القوي والمقاتل كرأس حربة أرهق دفاعات الفرنسيين وخفف ضغطهم ، وعندما حان الوقت استعمل قوته البدنية للاقتراب من المرمى وإطلاق تسديدة قاتلة .وحده من يتعلم من اخطائه ويتطور هو من يذهب بعيداً ويستحق أن يكافأ .

هل كانت دموع رونالدو تمثيلية أم حقيقية ؟

في الحقيقة تبدو فكرة التمثيل مغرية للغاية للكثيرين مع حب رونالدو الشديد للاستعراض ، لكن الحقيقة أن رونالدو ومنذ أن كان لاعباً مبتدئياً تغالبه الدموع في كافة المواقف الكبرى كخسارته لنهائي اليورو 2004 وبقيت هي نفسها بعد فوزه بالكرة الذهبية. دموع رونالدو جاءت حزناً وفرحاً في انعكاس لشخصيته وطبيعته ولصعوبة الموقف الذي يمر به والضغوط التي يتعرض لها حيث يحمل على كتفيه آمال أمة كاملة ، فكانت طبيعية وإن رغب الكثيرون في اعتبارها تمثيلاً .

لماذا يستحق رونالدو لقباً كهذا ؟ وهل تفوق على ميسي ؟

رونالدو لا يستحق اللقب لأداء في مباراة أو بطولة ، هو يستحقها لمسيرة كاملة ذاخرة بالعطاء والألقاب والتضحية وكسر الأرقام القياسية ، وهو ما ينطبق على ميسي كذلك الأمر لكن الحظ  فقط هو من لم يحالفه في عديد المناسبات والأيام قادمة. وكونه عالقاً في مصيدة المنافسة مع ليونيل ميسي والتي تغذي وسائل الإعلام والجماهير خصوصاً في منطقتنا بمشاعر تصل حتى الكراهية في بعض الحالات فمن الطبيعي أن يوضع هذا الانتصار في هذا الإطار ويتم التشكيك به من منطلق الجدال الدائم بين عشاق النجمين والأندية التي يلعبون لها .

لكن هذا الجدل الذي لا ينتهي يعرف حقيقة واحدة ، أننا نرى تاريخاً يصنع  أمام أعيننا أبطاله هذان النجمان، وفي النهاية كرة القدم تلعب على جزئيات صغيرة ، وهذه الجزئيات هي من حرمت فرنسا التي قدمت كرة قدم جميلة من اللقب على أرضها وبين جماهيرها ، وهي نفسها التي تجعل كرة القدم ظالمة أحياناً كما فعلت مع ميسي ومنصفة أحياناً أخرى عندما أهدت اللقب لرونالدو .

لقراءة مقالات أخرى للكاتب اضغط هنا :

صفحة الكاتب على الفيسبوك وتويتر