العجل الهارب من جحيم النار

آخر تحديث 2016-07-20 00:00:00 - المصدر: NEN عراق

خاص – NEN عراق

الكاتب – د.نعمة العبادي

من اجل أهوارنا
نحاول في هذه الحلقة لملمت أذيال ما يتعلق بموضوع الصيد ،للتحول إلى حلقات في موضوعات جوهرية وحيوية تخص الاهوار ،وتخص مشروع هذه الحلقات.
هناك حالة ربما يدرك المختصون تتعلق بالقيمة المادية للكئنات المأكولة البرية والبحرية وطبيعة الغذاء الذي تتغذى عليه من جهة وندرة أو توفر هذه الكائنات ،وفي محل كلامنا يعرف المختصون الفارق بين قيمة لحم الطيور المعبر عنها بـ “الحر” ،بالقياس إلى الطيور الأعتيادية ،وكذلك موضوع التوفر والندرة ،فالطيور الحرة كانت متوفرة في الهور أيام وجود الزرع والذي أختفى لسنين وعاد بشكل خجول في سنوات أخيرة ،فالحذاف والخضيري والبربش وغيرهن من الطيور الحرة هن رفيقات العنبر ،وفي كل الاوقات كانت هذه الطيور نادرة بالقياس الى دجاج الماء الذي كان يأكل البردي أو أنه يستطيع التكيف مع كل الأطعمة لذلك كان موجودا وبكثرة.
ومن هناك فالصيد بالنوشة شهد فترات مختلفة وهكذا الصيد بواسطة البنادق ،ففي أوقات كان معظمه من الطيور الحرة بينما صار في فترات اخرى ولعقود كله من دجاج الماء او البرهان أو الرخيوي وغيرهن من الطيور ذات المستوى المتواضع.
والأهم بين ذلك كله أن نبين أن الطيور وصيدها لا تمثل موردا مهما في مدخلات أهل الأهوار وكانت لفترات طويلة تقتصر على الحاجة الذاتية ،وحتى مع التوجه لها كمورد لم تكن بالقدر الذي يوازي صيد السمك ،كما أن مهارات الصيد بالبنادق ليست كبيرة عن أهل الهور ،وقليلون هم الذين يمارسونها بالقياس إلى المجموع العام.
بعد أن تم تناول الصيد بالگلابة والنوشة والرمي نتعرض إلى أنواع صيد أخرى ليست ذات قيمة مهمة لكنها توفرت في فترات ما وهن:
التهليچ أو التهليك : وهو آلية صيد غريبة تكشف عن حجم وتوافر الطيور وخصوصا دجاج الماء في فترات من حياة الهور ،ويمارس التهليك الصبيان والشباب وبعض الشابات اللواتي يحترفن الصيد ومزاحمة الشباب فيه ،ويحتاج إلى قوة تحمل وسرعة وجهد بدني ،فهذا الصيد فلسفته قائمة على متابعة الطيور بشكل سريع ومباغتها إلى درجة الهلاك ،أي إلى درجة التعب والإعياء بحيث يتم صيدها باليد ،تكون هذه العملية في صولة كبيرة يشنها العدد على الطيور المنتشرة في البردي وهم ينزلون بالماء البارد شتاء أو يتبعونها بالسفن الخفيفة وهم يصرخون بقوة ” هلك هلك هلك” ،أي يريدون من هذه الطيور أن تهلك وتتعب .
من طبيعة دجاج الماء والبريزجي والنكود أن يحاول الهرب من خلال “الغط بالماء في العمق أو السكون خلف البردي” هربا من الخطر ،فهو لا يقاوم الملاحقة كثيرا ،لذلك حالما تجري الملاحقة الشرسة وخصوصا من بعض الشباب الذي لهم مهارات في هذا المجال بحيث يتحلم البعض منهم هو نائم في الليل صارخا “هلك هلك هلك” ،وحالما يتقرب الصوت والخطر فيشتغل الحس الصيدي لهؤلاء وينزلون إلى الماء فيمسكون بالطيور وهي خائفة وساكنة ،واحيانا يتم المسك بها مباشرة أو أنها مختفية بين البردي من الخوف.
وعلى العموم فأن هذه الصيد لا يوفر الكثير من الطيور إلا عند بعض المحترفين الذين يبذلون جهود كبيرة في عملية الملاحقة الشاقة وربما يخرج البعض بواحدة أو اثنتين من كل عملية المطاردة.
الصيد بالزهر : كما أن السمك يصاد بواسطة الزهر ،فإن هناك صيد للدجاج الماء وعموم الطيور ،حيث يوضع الزهر في طعوم من البردي أو صعوم أخرى تأكلها الطيور ،وبعد أن تأكلها تدوخ وتتزوهر كما حال السمك فيتم صيدها.
الصيد بالسم : ربما لم يتم الافصاح بشكل واضح عند اهل الهور أن استخدام السم الذي يستعمل لصيد السمك وصل أيضا إلى صيد الطيور ،حيث يتم خلط العلف الذي يوضع في النوشة بالسم والذي يجعل الطيور حالما تأكله تبقى متعبة ولا تستطيع التفلت والطيران من الشبك ،ففي الحالة الأعتيادية كثيرا ما تأكل الطيور العلف وتغادر هاربة قبل أن يستطيع الصياد صيدها ،أما في حالة السم فكل من يصل الى العلف لا يسلم من يد الصياد.
كما ان هناك وسيلة ايضا لصيد الطيور بالسم والشبك حيث ينصب لها شبك بارتفاع عن الماء وكذلك يستعمل السم لهذه العملية.
قد يكون هناك بعض انواع الصيد سواء في السمك أو الطيور لم يتم التعرض لها وهي ربما نادرة جدا ،لكني حاولت بكل جهدي وذاكرتي استيعاب كل ما له صلة بالصيد سواء الاسماك أو الطيور في عرضي تفصيلي مناسب.
أختم هذه الحلقة التي اردتها اقصر من اخواتها بطريفة واقعية لها علاقة بالصيد وهي عودة على العنوان ،ففي الهور كثيرا ما تحدث الحرائق وهي احد اكبر الاخطار التي تهدد اهل الهور وتذهب بموجوداتها دفعة واحدة ،وفي احد الايام احترق بيت احد الاشخاص في قريتنا وكان بيته في اطراف القرية الجنوبية وكان للرجل الكثير من “الحلال” اي الحيوانات وخصوصا البقر بالاضافة الى موجودات البيت الاخرى ،وبعد ان هبت العشيرة لاطفاء البيت للاسف تضررت جميع الموجودات واحترقت كل الحيوانات ولم يبقى إلا أحد العجول الكبيرة الذي تم أفتقادها بعد أن وضعت الحرب أوزارها ،وكان الجميع مستبشر أن العجل سلم من النار وسيعود ،وبعد ثلاثة أيام من الحريق ذهب أثنان من اهل المنطقة وهم اقارب للبيت المحروق وصديق لها وكانا ماهرين في الصيد بالندقية ،وفي رحلتهما للبحث عن الطيور لصيدها هم يحملون بندقيتي “شوزن /كسريات” ،وبكامل العدة والعدد وخصوصا الأطلاقات نوع “ابو التسعة” ذي الصچم الناعم والكثيف ،رأوا حركة في البردي وبدأوا التحسس من الحركة ،وكان يظهر مصدر الحركة على أنه حيوان “املح” اللون يشابه الخنزير ،وهكذا قطعا بأن الصيد هو خنزير ،فقال كل منهما للآخر خنزير وهكذا جمعا بندقيتهما بضربة واحدة وأطلقا النار ،وبعد أن ركضا للضحية وجدا “عجل الحاج محسن” الهارب من النار كان آخر الضحايا….
استودعكم الله…