توجه حماس هو الحرب الداخلية

آخر تحديث 2016-08-06 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

بقلم: عاموس هرئيل

  اعتقال محمد حلبي، من سكان جباليا في قطاع غزة، الذي ترأس الفرع المحلي لمنظمة انسانية كبيرة باسم “وورلد فيجن”، أدى الى اغلاق عملية استخبارية طموحة تابعتها حماس في السنوات الـ 12 الاخيرة. لائحة الاتهام التي تم تقديمها أمس ضد حلبي في المحكمة المركزية في بئر السبع، تُبين أن الذراع العسكرية لحماس زرعت حلبي عن قصد، وهو مهندس، في صفوف المنظمة الدولية من اجل استغلال الاموال والبضائع التي دخلت الى القطاع، وسرقتها من اجل احتياجات حماس.

  “الشباك” الذي قام باعتقال حلبي في معبر ايرز في 15 حزيران الماضي، اعتقد أنه في السنوات الستة الاخيرة، ومنذ تعيينه لفرع غزة، سرق حلبي عشرات ملايين الدولارات التي أعطيت للذراع العسكرية ونشطائها.

  الكشف عن هذه القضية قد يضر بحماس في عدة مجالات. أولا، الامر سيثير الاشتباه المبرر لدى منظمات المساعدة الدولية التي تعمل في غزة تجاه الموظفين المحليين، الامر الذي سيؤدي الى تشديد الرقابة على اجراءات نقل الاموال، مما سيجعل استمرار سرقة الاموال امرا صعبا. ثانيا، حماس تبنت على مدى السنين صورة المنظمة نظيفة اليدين، وأنها خلافا للسلطة الفلسطينية لا تقوم بخداع السكان وأن المسؤولين فيها لا يأخذون الاموال لجيوبهم. في هذه الحالة صحيح أن حلبي اعترف في التحقيق معه بالسرقة لصالح الذراع العسكرية للمنظمة، لكن “الشباك” يقول إن لديه اعتراف وأدلة حول تحويل الاموال وعلى حساب السكان من اجل مساعدة عائلات نشطاء الذراع العسكرية.

  تقديم لائحة الاتهام ينضم الى الادعاءات التي تسمع في غزة منذ سنوات حول جباية الضرائب من الجمهور لتمويل نشاطات حماس. كانت هذه مسألة محرجة للمنظمة. وتستطيع اسرائيل ايضا استغلال الامر أمام المنظمات الدولية مثل وكالة غوث اللاجئين التابعة للامم المتحدة “الاونروا” والمطالبة بتشديد الرقابة على حماس. ومع ذلك عليها أن تسير بحذر من اجل عدم احداث ازمة شاملة مع المنظمات، حيث أن مئات آلاف السكان في غزة يعتاشون منها، الامر الذي قد يؤثر على التهدئة الامنية النسبية.

  الدعاية الاسرائيلية سيتم استغلالها خصوصا أنه بين اسرائيل وحماس توجد حرب باردة في الاونة الاخيرة دون وجود احتكاك عسكري مباشر. وصراع من اجل التأثير على موقف المجتمع الدولي. ويبدو أن اسرائيل قد كسبت هنا ذخيرة ناجعة وشرعية. ورغم ذلك، عبر أحد رجال “الشباك” أمس في حوار له مع صحفيين عن الزعزعة العميقة من تهكم حماس، التي تأخذ رزم المساعدة من المحتاجين وتقدمها لعائلات نشطائها. ورغم اهتمام الشباك بالسكان الفلسطينيين، فان حماس كمنظمة ارهابية واثناء صراعها مع اسرائيل قتلت مئات المواطنين. هل فوجيء أحد ما من أن حماس تتعامل بهذا الشكل مع ضائقة المساكين في القطاع؟.

       عدو مشعل

  رغم الكشف الاخير، فان التقديرات لدى الاجهزة الامنية تقول إن توجه حماس ليس الحرب في الصيف الحالي. اعادة اعمار القطاع في اعقاب عملية الجرف الصامد تتم بشكل بطيء جدا. منذ انقلاب الجنرالات في القاهرة قبل ثلاث سنوات لم تعد حماس تجد التأييد الاستراتيجي المصري، وهي تجد صعوبة في اقامة علاقات بديلة مع دول اخرى (تركيا، ايران، السعودية وقطر)، رغم أن هناك محاولات في جميع الاتجاهات. ايضا القدرات العسكرية ما زالت محدودة، لا سيما في مجال الصواريخ قصيرة المدى. منذ دمر المصريون معظم الانفاق بين سيناء ورفح توقف تهريب السلاح الذي كان يصل من ايران، واضطرت حماس الى الاعتماد على صناعة الصواريخ المحلية التي تعتبر قوتها ودقتها محدودة نسبيا. لذلك يحتمل أنه اذا اندلعت مواجهة عسكرية اخرى مع اسرائيل في الاشهر القريبة، سيكون ذلك بسبب تدهور موضعي وليس مواجهة مخطط لها من أحد الاطراف.

  يبدو أنه يوجد في الخلفية جدل داخلي في قيادة حماس. قيادة الذراع العسكري – يحيى سنوار، أحد محرري صفقة شليط، هو الآن الشخصية الاكثر فعالية في صفوف الذراع العسكري – وهو على خلاف مع رئيس المكتب السياسي لحماس، خالد مشعل، الذي يعيش في قطر، في عدد من الامور. السنوار وزملاءه يريدون استئناف العلاقة مع ايران، التي ضعفت بسبب الحرب الاهلية في سوريا، وتخصيص اموال اكثر لقطاع غزة على حساب الضفة الغربية. ويخشى مشعل من أن التقرب من ايران سيصعب على حماس المناورة أمام الدول السنية. مشعل الذي أصله من قرية سلواد قرب رام الله، يريد ادخال المزيد من الاموال الى الضفة على أمل زيادة العمليات ضد الاسرائيليين هناك واضعاف مكانة السلطة الفلسطينية. الكشف عن خطة شبيهة لحماس في أيار 2014 واعتقال عشرات الاشخاص من المنظمة في الضفة الغربية من قبل اسرائيل، أدى الى تقوية التنسيق الامني بين اسرائيل والسلطة الفلسطينية ودفع رئيس السلطة محمود عباس الى اتخاذ خط معادي لحماس في ذروة الحرب في غزة، بعد شهرين.

  في الشهر الماضي تم التوصل الى اتفاق، ليست كل تفاصيله معروفة، حول نقبل 30 مليون دولار من قطر لقطاع غزة من اجل دفع رواتب موظفي الدولة هناك. لن يتم اعطاء الاموال مباشرة لحكومة حماس، بل سيتم الدفع على كل عامل على حدة. يمكن أن هناك اتفاق حول تجنيد دول اخرى في الخليج لدفع الرواتب في الاشهر القادمة. هذه الخطوة ايضا من المفروض أن تساعد على تهدئة الوضع في غزة. واسرائيل توافق على ذلك من خلال صمتها.

  حل خطوات الكبح هذه تعيد قضية المفقودين الاسرائيليين وجثتي الجنديين الاسرائيليين الموجودة لدى حماس في القطاع. المفاوضات حول الصفقة عالقة في مراحلها الاولى، والعائلات تبحث عن اساليب ضغط جديدة تستطيع اعادة حماس الى المفاوضات. النقاش في الكابنت حول تبني تقرير لجنة شمغار التي طالبت بفرض قوانين مشددة أكثر على صفقات التبادل، لا ترضي العائلات. وتبني التقرير قد يقلص أكثر امكانية التوصل الى صفقة مع حماس التي تحاول اخضاع اسرائيل كما حدث في صفقة شليط، رغم أنه في هذه المرة لا يوجد لدى حماس جنود على قيد الحياة.

بالمقارنة مع سلوكها عشية اندلاع الحرب قبل سنتين، يبدو أن الحكومة والاجهزة الامنية في اسرائيل تهتمان اكثر بتأثير الازمة الاقتصادية في غزة على التطورات في الساحة العسكرية. في السنتين الاخيرتين وسعت اسرائيل عبور البضائع الى القطاع. في كرم أبو سالم تمر يوميا 600 – 1000 شاحنة، لكن الحركة الكبيرة في المعبر، في الزاوية الجنوبية للقطاع، أكبر من أن تستوعبها البنية التحتية القديمة في شارع 232، التي تخدم معظم السكان في غلاف غزة. قوافل الشاحنات تشكل خطرا على المسافرين الآخرين، وتتسبب بأزمات مرورية وتعمل على تخريب الشارع نفسه. احتجاج رؤساء المجالس في المنطقة أدى الى اتخاذ قرار لتقييد الحركة، لكن في وزارة الدفاع يخافون من أن تقليل استخدام كرم أبو سالم سيؤدي الى زيادة التوتر مع غزة. في الوقت الحالي يتضح وجود حل جزئي. مكتب منسق شؤون المناطق بدأ في استخدام معبر ايرز في شمال القطاع، من اجل نقل البضائع. في الوقت الحالي، هذا الاستخدام محدود لنقل ارساليات السيارات الجديدة الى غزة. وهناك حاجة الى 100 مليون شيكل من اجل انشاء بنية جديدة في ايرز تسمح بتحويل قسم من الشاحنات اليه. إن تطبيق خطة كهذه سيقلل حدوث حوادث الطرق على الشوارع.

  نشأ مؤخرا خلاف بين منسق شؤون المناطق والشباك حول سياسة تصاريح الخروج من القطاع. منسق شؤون المناطق زاد عدد الخارجين من رجال الاعمال ومن اجل العلاج الطبي، في محاولة لتقليص اضرار الحصار على غزة. ويتم منح التصاريح بموافقة الشباك الامنية حيث كان الشباك يتعاون حتى الفترة الاخيرة الى أن اكتشف أن بعض الخارجين، والذين ليس لهم ماض امني، تم استغلالهم من قبل حماس لنقل الرسائل واحيانا لنقل الاموال للنشطاء في شرقي القدس والضفة الغربية. لذلك شدد الشباك من عملية الفحص عند الخروج من القطاع وسحب تصاريح خروج رجال اعمال واعتقل عدد من المشبوهين، الامر الذي دفع الفلسطينيين الى الشكوى من التشديد الذي لا لزوم له والذي تحدثت عنه هنا عميره هاس.

  هذه القصة هي عبارة عن تلخيص للتورط الاسرائيلي الفلسطيني: اسرائيل لا تستطيع الفصل بين حماس في قطاع غزة وبين السلطة الفلسطينية في الضفة، رغم أنها ربحت مكاسب سياسية كبيرة من الانفصال المتواصل في المعسكر الفلسطيني. ولكن حينما تخفف اسرائيل الضائقة والضغط على القطاع فانها تعطي حماس ثغرة يتم استغلالها ليس فقط للاعمال الارهابية ضدها، بل السعي من اجل اضعاف السلطة الفلسطينية في الضفة.

       مسألة محلية

  في الساحة الفلسطينية الداخلية، القصة الاكبر تتعلق بالانتخابات للبلديات والمجالس المحلية التي ستجرى في 18 تشرين الاول. من المفروض أن تتم الانتخابات بالتوازي في أكثر من 400 بلدية ومجلس في ارجاء الضفة والقطاع. يبدو أن عباس قد جر اليها دون تفكير كافٍ. الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لم تتم في المناطق منذ أكثر من عشر سنوات، حيث فاجأت حماس في حينه السلطة وفازت في انتخابات المجلس التشريعي في كانون الاول 2006. وفي 2012 أجريت الانتخابات الوهمية للبلديات في الضفة. وقررت حماس عدم المشاركة فيها، وكانت فتح لا تحظى بالشعبية الكبيرة، حيث قيل إن فتح خسرت أمام نفسها في بعض المدن. ومنذ ذلك الحين مرت اربع سنوات وعباس الذي اعتقد كما يبدو أن حماس لن تشارك هذه المرة ايضا، قرر المراهنة والاعلان عن انتخابات جديدة. لكن حماس فاجأت وأعلنت عن موافقتها. يبدو أن حماس في الضفة ستفضل الترشح في قوائم مشتركة مع سياسيين لا ينتمون لها بالضرورة، لكن يكفي أنها ستشكل تهديدا حقيقيا على مكانة السلطة الفلسطينية.

  معظم قادة السلطة الفلسطينية يظهرون الثقة بأنهم سيفوزون في الانتخابات. إلا أن الاجهزة الامنية الاسرائيلية أقل ثقة من ذلك. في عدة لقاءات تمت مؤخرا حذر الاسرائيليون نظراءهم في السلطة الفلسطينية من أن معسكر عباس قد يهزم. تستطيع حماس استغلال الانتخابات لزيادة تأثيرها السياسي في الضفة وزعزعة مكانة السلطة وزعيمها المسن.

  نظريا، استطاعت اسرائيل وضع عقبات بيروقراطية كبيرة على اجراء الانتخابات. ولكن هذه الخطوة ايضا تحمل المخاطر. التدخل الاسرائيلي في العملية الديمقراطية لدى الفلسطينيين لن يجد التشجيع في المجتمع الدولي.

  يبدو أن دخول حماس الى الانتخابات أثار التساؤل في اوساط قادة السلطة حول صحة الخطوة، لكن الامر لم يغير من اهتمام عباس نفسه. فالرئيس الفلسطيني لا يعلق الآمال على استئناف المحادثات السياسية مع حكومة نتنياهو. وعلى سلم اولوياته مقارعة اسرائيل في الساحة الدولية، المبادرة الفرنسية التي قد تتدحرج الى مجلس الامن بعد الانتخابات الرئاسية في الولايات المتحدة في تشرين الثاني القادم، قد تعطيه الورقة الاساسية. لكن حتى ذلك الحين يهتم أبو مازن بعدد من المبادرات الغريبة ضد اسرائيل ومنها تسميم الآبار في الضفة والاعلان المفاجيء حول نية السلطة تقديم دعوى ضد بريطانيا بسبب اضرار وعد بلفور. كل ذلك جعل اسرائيل تفكر في حملة مضادة، لكن في الوقت الحالي يبدو الزعيم الفلسطيني العدو الاكبر لنفسه. وفي الخلفية يستمر صراع الوراثة في السلطة، الذي كان حتى قبل سنة من وراء الكواليس بسبب الحظر الذي فرضه عباس. إن حقبة أبو مازن والجيل القديم قد انتهت. لكن الخبراء في الاستخبارات الاسرائيلية والفلسطينية لا يمكنهم معرفة من سينتصر من بين المتنافسين على الرئاسة.

  تراجع نسبة الارهاب، رغم العمليات الدموية بين الفينة والاخرى، يسمح ايضا بالتعاطي مع هذه الامور. جميع هذه التطورات يشاهدها وزير الدفاع الجديد، افيغدور ليبرمان، الذي يبدو أمام الاجهزة الامنية والعسكرية كمن يبحث عن أجندة ملحة في المناطق مع رافعة للتأثير. غياب الاستقرار السياسي والحراك الذي لا يتوقف من مكتب نتنياهو يضع استمرار ولاية نتنياهو الحالية موضع الشك. على ليبرمان أن يترك بصمته – وهو يهتم بما يحدث في المناطق أكثر من اهتمامه بالمسائل الامنية الاخرى. والسؤال هو هل سيقرر بنفسه هز السفينة المتصدعة، وماذا ستكون نتيجة خطوة كهذه.

هآرتس 5/8/2016