قراءة في يوم برلماني عاصف

آخر تحديث 2016-08-06 00:00:00 - المصدر: NEN عراق

خاص – NEN عراق

الكاتب – د.نعمة العبادي

مثلت جلسة أستجواب وزير الدفاع خالد العبيدي العلنية نقطة فارقة في الحياة السياسية العراقية عموما والبرلمانية على وجه الخصوص ،وفتحت الباب أمام مديات لا متناهية من خيل مديات ما جرى ويجري من خراب في عموم المشهد العراقي.
قبل الدخول في القراءة لتحليلية نعرض بعض المجريات كسرد مشهدي للمجريات : (وزير الدفاع ينجو من استجواب سابق قامت به النائبة حنان الفتلاوي حيث أصرت هيئة الرئاسة على جعله جلسة سرية وما زال الحديث عن تصويت لتجديد الثقة جرى ما بين النكاية بالمستجوبة والميل السياسي والمصلحي للوزير ،ويتكرر المشهد مع استجواب النائبة عالية نصيف والذي تعرض إلى محاولات للتأخير أو التسويف وجرى في ظل ظروف معقدة ولكنه مر بين اصابع لم تكن تدري انه سيفجر ما فجره تجاهها – سلك الوزير المستجوب منهج الاستعلاء والمهاجمة لكل الاطراف وكانت لهجته غريبة في توجيه السباب والشتم للأعضاء وحتى للمستجوبة بحيث كانت نظرته أحتقارية لكل المشهد البرلماني- على الرغم من أن وزير الدفاع أستعجل في فتح النار على خصومه إلا أن الاستجواب وعلى الرغم من كونه من طرف غير مختص أظهر بشكل علني وواضح تورط الوزير ووزارته في الكثير من الفساد او شبهاته على الأقل – مواقف غريبة من اطراف مهتمة بمكافحة الفساد ورافع لرايته ولكنها هجمت على الاستجواب وصاحبته وتوقيته وكأنها تقول أن الحديث عن الفساد لا بد وأن يجري بحسب توقيتاتها وحساباتها فقط لا غير – رئيس مجلس النواب وأعضاء من كتلته يتهمون علانية بالأبتزاز ودفع وزير لأخطر وزارة في اخطر ظرف أن يقضم أكبر قدر ممكن من المال من أجل تمويل وجودهم السياسي ويبخونه لتقاعسه عن المهمة ويتشدقون بأن وزارات أخرى منصاعة كليا لهذا العمل وهي وزارة التربية ولا شك في أن الحال متساوي بخصوص كل الوزارات وأن هذه المساومة وعملية القضم قائمة على قدم وساق في المشهد العراقي- صراخ برلماني ينقسم بين شامت يريد فضح المزيد ومستحي وخائف يريد إيقاف الحديث وطويها ومحاولة السيطرة على التفاصيل – لجان في البرلمان واوامر من رئيس الوزراء بتحقيقات ومنع للسفر تواجهه اعتراضات قانونية وسياسية ومدعي عام يبادر في فتح دعوى ونزاهة تتحدث عن تحقيق وامام كل هذا المشهد يبقى التوجس والشك سيد الموقف من أمكانية الوصول إلى نتائج حقيقية وأن هذا الفصل سيضع حد ولو نسبيا لما يجري في العراق – أعلام على كثرته وتعدده ليس له إلا ملاحقة المشهد الحادث ولم يسجل ولو لمرة بالرغم من بضاعة الفساد المتوفرة في كل اسواق العراق حالة سبق صحفي أو تحقيق استقصائي على غرار الصحافة العالمية الناضجة بحيث يكشف الحقائق والارقام ولا تتعدى منشوراته تكرار لكلمات الخصوم –برلمان متهم ووزراء متهمون ونزاهة متهمة ومشهد سياسي يزداد تعقيدا في ظل ظروف حرب حقيقية وتحديات اقل ما يقال فيها خطيرة – الاصلاح الاصلاح لفظ اوصلنا الى درجة الاعياء والتصدع من تكراره كظاهرة صوتية دون مدلول حقيقي وبين كل هذا الصراخ يتسرب الفساد كالزئبق منسابا بسهولة دون أن يوقفه احد – شكاوى وشكاوى مضادة وتوعد واتهام وتسقيط متبادل والنتيجة العامة تكريس لحالة عدم الثقة – معركة مصيرية يحتاجه كل العراقيين ولا بد ان تكون في ظل توافق سياسي وعسكري وطني إلا أنها ما زالت تحت مساومات وتقاطعات وشد وجذب حول احقية المشاركين واحقية القيادة وترتيبات المعركة وهواجس ما بعد المعركة).
على الرغم من أن شريط الواقع العراقي فيه مقاطع مهمة أخرى إلا أننا حاولنا أن نحصر ما هو أكثر أهمية مع مراعاة حالة الترابط بينها ظاهريا وباطنيا والتي تعطي لنا صورة قاتمة وتستدعي منا أن نضع السؤال المصيري : “العراق إلى أين؟”.
ماضي التجربة العراقية خلال العقد المنصرم يمكن ان يزودنا بأجابات يتبناها معظم المراقبين للوضع العراقي ملخصها : أن العراق تعود على مثل تلك الهزات والفقاعات وأن ما تم الحديث عنه لا يختلف عما جرى في قضية الهاشمي وغيره ومشاهد أخرى ،لذلك ستمر هذه الزوبعة دون ان تغير شيء ،فسيبقى الوزير مكانه لحين نهاية مدته بعد ان يتم تجديد الثقة به او يتم تسويف جلسة التصويت على الثقة وبالعراقي “لغمطة” الموضوع مقابل تسويف اللجان والانتهاء بطريقة “بوس عمك بوس خالك” ،وهناك سيناريو معدل لا يختلف عن جوهر السابق ولكنه يتضمن التضحية ببعض الافراد فمثلا الفضيحة البرلمانية يتم عصبها جميعا برأس محمد الكربولي ويتم أخراج سليم الجبوري بعيدا عنها وكذلك يسوى وضع الوزير حتى وأن وصلت الأمور إلى استقالة له تضمن له حقوقه التقاعدية.
يوجد حديث عن صفقة أوسع تتعلق بتوسيع دائرة الأتهام إلى مساحة أوسع تشمل جميع الكتل ويتم الأعلان عن وجبة جديدة من الأسماء في مشهد يتم من خلاله توجيه ضربة لمجموعة من الشخصيات في الكتل المختلفة على أساس أن يكون هذا المشهد نحو من أجراءات الترهيب التي قد تحد مما يجري على الأرض وتوقف المشهد السياسي على قدميه خصوصا والجميع أمام تحدي الانتخابات القادمة فلا يريد الذهاب إليها بيدين ملطختين بفساد واضح.
يفرغ المتابع إلى مجموعة حقائق لا مجال للجدل فيها تتمثل في : (أن المال العام تم استخدامه وبصورة بشعة في التنافس السياسي وكسب الولاءات وكانت قنطرة استغلال المناصب في السلطة التنفيذية واسعة وعريضة وعبر منها الكثير الكثير من مال العراقيين إلى احزاب السلطة وجيوب الساسة –وأن الفساد منظومة يتكافل فيها المفسدون في عقد تضامني خفي – وأن الأنتخابات القادمة لن تسلم من شائبة الاستخدام الوقيح للمال السياسي- وأن الصراع بين الاضداد سيكون منفعة لتملص أعداء لهذا الطرف أو ذاك من باب ليس حبا بمعاوية بل بغضا لعلي – وأن الشارع مهما تحدث عن مليونيات لن يصل إلى درجة رأي عام موجه ومنظم يقف بشكل موحد أمام اصلاحات وتغيرات محددة ويضمن تحقيقها وسيبقى ظاهرة صوتية هو الآخر).
ويبقى التساؤل مشروعا : متى سيتم فتح ملفات وزارة الدفاع والداخلية والمؤسسات الامنية بشكل موضوعي ومهني بحيث نقف على مصير مئات المليارات التي ضاعت تحت عنوان دعم الامن وخلال السنوات الثلاثة عشر ونضع النقاط على الحروف دون مداهنات سياسية واغراض حزبية ؟ ومتى يسري هذا الامر إلى وزارات ومؤسسات أخرى بحيث يجري الحديث مع وزارة مثل التربية كيف ترهن كل الوزراة بقضها وقضيضها لمصلحة حزب او جهة سياسية ؟ ومتى يبلغ الحراك الشعبي نضوجه بحيث يسير على خارطة محددة دون ان يشظي مطالبه في حركة استهلاكية تفقده قواه وتقلل من قيمة ضغطه امام الفاسدين بحيث يشعر ان الشعب حقيقة ملموسة وليس ظاهرة صوتية؟ ومتى يحين الوقت للحديث عن الشرف المهني والسياسي والعيب الاخلاقي بحيث تكون تلك المنظومة رادعة لهذا الاستشراء الوقح فإن لم يكن العيب والشرف المهني فالعقاب العادل الذي يكفل ردع المستهترين بقيم الشعب والوطن؟
قد تكون أمنيات لكنها تساؤولات تستهدف هذه المقالة أن تبثها بين يدي كل الحريصين على هذا الوطن الذي يستحق منا الرحمة والانصاف.