التاريخ: 5 مشاهدة
خاص – NEN عراق
الكاتب – عبد الزهرة الهنداوي
يعتقد البعض ان الحديث عن اعداد خطة تنموية خمسية جديدة للسنوات 2018-2022 مازال مبكرا وأمامنا قرابة العام ونصف العام من عمر الخطة النافذة 2013-2017 بعد ان وافق مجلس الوزراء على طلب وزارة التخطيط للبدء بالعمل على اعداد خطة جديدة.
فليس من السهولة بمكان ان يتوصل المعنيون الى وضع الاطر التفصيلية لمثل هذه الخطة في ظل متغيرات سياسية واقتصادية وأمنية سريعة جدا على المستويين المحلي والدولي .. لان الخطة وكما هو معروف تحتاج الى ظروف مستقرة جدا لكي تجد طريقها الى التطبيق.
اعداد الخطة
ولكن على الرغم من هذه التحديات وهي تحديات حقيقية لايمكن غض النظر عنها ، إلا اننا يجب أن نبدأ العمل مبكرا في اعداد الخطة التنموية الجديدة بعد مراجعة مستويات الاداء والتنفيذ للخطتين السابقتين، الاولى هي خطة 2010 -2014 التي توقف العمل بها بعد سنتين من عمرها نتيجة الظروف السياسية التي شهدتها البلاد والمتمثلة بخروج قوات الاحتلال وامتلاك العراق قراره السياسي والاقتصادي، وما ميز تلك الخطة مع قصر عمرها ،هو ضخامة الايرادات النفطية التي كان يحصل عليها العراق ولكن المشكلة التي واجهتها هي حدة الخلافات السياسية داخل مجلس النواب ، الامر الذي انعكس على الموازنات السنوية المرتبطة اصلا بالأطر العامة للخطة .. فما كان لأية موازنة سنوية أن ترى النور قبل مرور اربعة او خمسة اشهر من العام وهذا التأخير ادى بدوره الى عرقلة تنفيذ المشاريع الاستثمارية سواء على مستوى الحكومات المحلية (برنامج تنمية الاقاليم) او البرنامج الاستثماري (الوزارات الاتحادية) .. وهذه العرقلة كانت بسبب كثرة الاجراءات المتمثلة بالإدراج والإعلان والتحليل والإحالة وبدء التنفيذ ، وكان من نتيجة ذلك ان نسب التنفيذ المالية والمادية للمشاريع لم تكن تتجاوز في احسن الاحوال الـ (70 بالمئة) فيما تُدوّر باقي الاموال المخصصة للوزارة او المحافظة الى العام التالي وللجهة المستفيدة نفسها.
حالات الاخفاق
ولعل اعتماد هذا الاسلوب (التدوير) خلق حالة من الاسترخاء لدى الجهات المستفيدة وتراجع الهمة .. ثم جاءت خطة التنمية الثانية 2013 – 2017 وسعى واضعوها الى الافادة من حالات الاخفاق التي رافقت سابقتها ومنها قضية تدوير التخصيصات غير المصرفة ، فقد الغيت هذه المادة من الموازنة ولم تعد الاموال المدورة ملكا للجهة المستفيدة انما تذهب الى الخزينة العامة للدولة واسهم هذا الاجراء في تقليل نسب الاسترخاء والسعي نحو صرف كامل التخصيصات السنوية.
ولكن مشكلة تأخير اقرار الموازنة لم يتم تجاوزها في العام الاول من الخطة 2013 ، فقد صدرت الموازنة في شهر نيسان من العام ذاته .. ثم جاء عام 2014 وانتهى من دون موازنة بعد ان اخفق مجلس النواب في تمريرها بسبب الخلافات السياسية الحادة .. وفي العام ذاته شهد العراق صدمات عنيفة القت بظلال قاتمة على الاطر العامة للخطة الخمسية .. ففي هذا العام بدأت اسعار النفط تتدحرج بسرعة لتنخفض من نحو 112 دولارا الى 60 دولاراً .. وتزامن مع هذا الانخفاض سقوط الموصل بيد تنظيم «داعش» الارهابي ثم تلتها مدن ومحافظات اخرى ونتج عن ذلك حدوث موجات كبيرة من النازحين فضلا عن توقف جميع المشاريع الاستثمارية في تلك المحافظات ما ادى الى ارتفاع نسبة الفقر في العراق الى 23 بالمئة بعد ان تراجعت الى 15 بالمئة في مطلع عام 2014 .. وبموجب هذه المعطيات والصدمات الخطيرة كانت الحكومة ملزمة بإعادة النظر بجميع خططها وإجراءاتها السابقة ومنها خطة التنمية التي اطلقت في ظروف كان البلد يعيش فيها بحبوحة اقتصادية جيدة، وفجأة انخفضت الموارد الى النصف او اكثر .. وكان من بين الاجراءات المتخذة ، اطلاق البرنامج الحكومي 2014-2018 وإعادة النظر بواقع المشاريع الاستثمارية بما يقلل من اعباء الالتزامات المالية المترتبة على الحكومة وتخصيص مبالغ مالية لإغاثة النازحين مع عدم ادراج اي مشاريع جديدة في الموازنات العامة للدولة التي اصبحت غير قادرة على ملاحقة الانخفاض المستمر في اسعار النفط وباتت نسب العجز فيها كبيرة تصل الى اكثر من 25 بالمئة .. وجرى العمل على اعادة تكييف الخطة التنموية على وفق التحديات الجديدة .
شهادة دولية
ومن خلال ما تقدم يبدو واضحا ان خطتي التنمية السابقتين اللتين تم اعدادهما وعلى الرغم من الجهود العملاقة التي بذلت في اعدادهما من قبل خبراء وطنيين ودوليين ، فهاتان الخطتان من الناحية العلمية والرصانة قد حصلتا على شهادة دولية من قبل الكثير من المنظمات والحكومات الصديقة والشقيقة .. ولكن جسامة التحديات اربكت وأثرت في الواقع التنفيذي للخطط .. كما ان واحدة من الصعوبات التي تواجه الخطط هي عدم صدورها بقانون ملزم التنفيذ الامر الذي يفقدها القوة مع وجود استثناءات كثيرة وتحديات كبيرة قد تسهم في اخراج الخطة عن مسارها
المرسوم .
ولكن الاهم من هذا وذاك هو ضآلة الايرادات المالية وأحادية المصدر .. ولهذا ينبغي – ومن المؤكد ان هذا الامر لن يغيب عن بال المعنيين بوضع الخطة – ان يتم اعطاء مساحة اوسع لقطاعات التنمية الاخرى التي يمكن لها ان تكون بديلة او داعمة للاقتصاد واذكر هنا قطاعات الزراعة والصناعة وثالثهما السياحة وهذا الاخير من المتوقع له ان يشهد انتعاشا في السنوات المقبلة بعد ادراج الاهوار ومجموعة من الاثار العراقية على لائحة التراث العالمي ، فضلا عن وجود العتبات المقدسة التي ينبغي اعادة النظر في آليات الافادة من مداخيلها المالية .. كما يجب ان لا ننسى ونحن نتحدث عن اعداد خطة التنمية الخمسية 2018-2022 وأثر القطاع الخاص العراقي الذي لم يأخذ كامل فرصته في عملية البناء التنموي .. فإذا كانت الخطة السابقة قد اعطت لهذا القطاع نسبة 21 بالمئة من حجم الاستثمارات ، يتطلب من الخطة الجديدة ان تضاعف هذه النسبة الى 40 او على الاقل 30 بالمئة.
الاهداف التنموية
وتبدو الفرصة سانحة لأن يتم الاعداد لهذه الخطة بهدوء وروية لتكون قادرة على تحقيق اهدافها التنموية لاسيما انها ستتزامن مع دخول اجندة التنمية المستدامة العالمية حيز التنفيذ .. كما يجب ان تصدر الخطة بقانون لكي نضمن تطبيقها في ارض الواقع .. وهذا الواقع يفرض على الخطة البحث عن حلول لمشكلة المشاريع الاستثمارية المستمرة التي يربو عددها على 4500 مشروع في مختلف المجالات تبلغ كلفتها نحو 100 مليار دولار ، فهذه المشاريع مهددة بالاندثار ان لم يتم ايجاد حل لتمويلها وانجازها .. كما يتطلب من واضعي الخطة وضع رؤية واضحة بشأن تحسين مستوى الاداء والانتاج على المستويين البشري والمادي في ظل محدودية الايرادات ولجوء العراق الى الاقتراض الخارجي وما يترتب على هذا الاقتراض من محددات .
شارك هذا الموضوع:
مرتبط