خاص – NEN عراق
الكاتب – د. مظهر محمد صالح
في دراسة مهمة نشرتها المجلة الاقتصادية الاميركية في آذار من العام 1938 تحت عنوان: التقدم الاقتصادي وانخفاض نمو السكان، رسم الاقتصادي الاميركي الشهير( آلفن هانسن) الذي كان من اتباع مدرسة جون ماينارد كنز، الخطوط العريضة والسمات الاساسية لظاهرة الركود الطويل او المستمر الذي عانت منه الاقتصادات الغربية، وعلى النحو الذي تجسد بالاختلال الناجم عن زيادة الميل للادخار وانخفاض الميل للاستثمار.اذ رتب الركود الطويل حالة من اللا نمو في اقتصاد السوق .حيث تبدأ الظاهرة بمستوى مرتفع نسبياً في حصة الفرد من الناتج المحلي الاجمالي ثم تبدأ نسبة الادخار بالارتفاع مقارنة بالاستثمار المرغوب او الاستثمار في الاجل الطويل وعليه سنتناول المتلازمة الرباعية للاقتصاد كسبب للركود الطويل في البلدان الغنية وعلى النحو الاتي: 3 – (من التيسير الكمي الى نقود الهليكوبتر)
حتى العام 2009 لايوجد من كان يعتقد ان معدلات الفائدة ستبقى قريبة من الصفر على مدار 6 سنوات ،في وقت بلغت معدلات الفائدة الاوروبية مستويات سالبة في وقت عظمت فيه البنوك المركزية للبلدان الصناعية السبعة الكبار في توسيع ميزانياتها العمومية باطلاق نحو 5 ترليونات دولار كاصدار نقدي اضافي.وبالرغم من ذلك استمر التضخم السنوي منخفضا دون 2 بالمئة في الولايات المتحدة واوروبا واليابان .
وفي عشية الازمة المالية العالمية في 2008 ارتفعت نسبة الدين العام الى الناتج المحلي الاجمالي بصورة حادة من 47 بالمئة الى 70 بالمئة في الوقت الحاضر في اوروبا ومن 95بالمئة الى 126بالمئة في اليابان ،ومع ذلك استمرت معدلات الفائدة الطويلة الاجل(لعشر سنوات) منخفضة بشكل ملحوظ.ولم تزد الفائدة على السندات الاميركية الطويلة الاجل على 2 بالمئة.
وحافظت تلك الفائدة الطويلة الاجل على نصف الواحد بالمئة في المانيا،واقل من 2بالالف في اليابان حتى مطلع العام 2016 .وهو الامر الذي يؤكد ان التضخم السنوي ومعدلات الفائدة الحقيقية سيستمران منخفضين ولسنوات اُخرى.وعلى الرغم من مرور 7 سنوات على بدء الازمة المالية فأن التعافي في الاقتصاد الاميركي مازال هو الاخر بعيد المنال.
ولاتتوقع الاسواق العودة الى المناخ الطبيعي مهما كانت الظروف . ولكن ثمة تفسيرات كثيرة من مختلف الاقتصاديين عما يجري في الاقتصاد الراسمالي اليوم من مشكلات ركود مستمر ،حيث يعزو الاقتصادي (كنيث روغوف) ظاهرة الركود الطويل بالحديث عن نظرية ارهاق الديون.
ويتصدى ( روبرت غوردون) لظاهرة الركود من زاوية :نظرية مشكلات جانب العرض ،اما رئيس البنك الاحتياطي الفيدرالي السابق للولايات المتحدة (بن بيرنانكي) فيعزو الركود الى نظرية التخمة الادخارية ،في حين يجد (بول كروكمن) في نظرية فخ السيولة بكونها المفسر الوحيد للركود الطويل.
وبغض النظر عن هذا وذاك ،وصحة جميع النظريات آنفاً،الا ان نظرية الركود الطويل مازالت تفسر الوضع الاقتصادي بشكل شامل وتستدعي الوصفة المناسبة للسياسة الاقتصادية المطلوبة للخروج من مأزق الركود نفسه. فمعدلات الفائدة تمثل سعر النقود الذي يتكيف لموازنة عرض الادخارات بالطلب على الاستثمارات.وان الفائض في الادخار يميل نحو سحب معدلات الفائدة نحو الاسفل .والفائض في الطلب على الاستثمار يميل الى سحب معدلات الفائدة نحو الاعلى.و باتباع ما توصل اليه عالم الاقتصاد السويدي (ويكسل) فان معدل الفائدة الحقيقي الذي يوازن بين الادخار المرغوب والاستثمار المرغوب في مرحلة الاستخدام الشامل هو سعر الفائدة الطبيعي او سعر الفائدة المحايد.
فالركود الطويل يحدث عندما يكون سعر الفائدة الحقيقي منخفضاً الى الدرجة التي لاتستطيع بموجبها من تأدية دورها على الرغم من ممارسة السياسة النقدية مايسمى :بالتيسير الكمي.اذ تعد سياسة التيسير الكمي التي تعتمدها البنوك المركزية هي الملجأ المهم لفك الاقتصاد من أسر الركود عندما تتعطل اداة سعر الفائدة عن العمل كليةً .وهذا ماحصل في اليابان في تسعينيات القرن الماضي وغالبية البلدان الغربية في مطلع الالفية الثالثة .لذا فالتيسير الكمي هو محاولة التأثير (بكميات النقود/ اي التوسع بالاصدار النقدي) بدلا من استخدام (سعر النقود) في الاقتصاد (اي الفائدة).وبالعودة الى التاريخ النقودي القريب ،فقد عدُ ملتن فريدمان من مدرسة شيكاغو في الاقتصاد،بكونه اول من اطلق على السياسة النقدية التوسعية الجديدة بنقود الطائرة السمتية ذلك في كتابه الموسوم :الكمية المثلى للنقود 1969 لمواجهة Helicopter Money انخفاض معدلات الفائدة الى الصفر.اذ تقوم سياسة نقود الطائرة السمتية على مبدأ الاقراض المباشر الى الجمهور من جانب السلطات النقدية .وان ما قام به البنك المركزي الياباني من مبادرة تمويل للموازنة العامة عن طريق الاصدار النقدي او مايسمى( بتنقيد الموازنة) قد جاء من منطلق ان الجميع سيشعر ان هذه السيولة الجديدة المتاحة هي نهائية ولن تتكرر، ما يشجع على الانفاق وتجاوز ضخ السيولة من خلال مايسمى( بأثر الثروة الموجب). وتعد سياسة الطائرة السمتية بديلا لسياسة التيسير الكمي المشار اليها آنفاُ، وهي الوسيلة الفضلى لتعظيم الطلب الفعال ولاسيما في فترة ضخ السيولة واستمرار الركود و بلوغ البنوك المركزية مرحلة مايسمى بالحدود الدنيا الصفرية للفائدة التي اخذ البنك المركزي الياباني يعتمدها على سبيل المثال بهدف جعل عرض النقد باعلى مستوى ممكن في المستقبل .وهم يعتقدون بذلك ان النقد الاساس المصدر من البنك المركزي هو بمثابة اصول اوخصوم . Liabilities وليس مطلوبات Assetsاو موجودات
4 – الخلاصة والاستنتاجات
على الرغم من ان نسبة العاملين الى المتقاعدين آخذة بالانحدار في معظم البلدان المتقدمة و كذلك في البلدان ذات الاسواق الناشئة ،فان ثمة تساؤلا مهما: هل هناك حد للمدى الذي تبلغه الادخارات في ارتفاعها حتى تجري مقايضتها بالسلع والخدمات والانفاق من اجل الرفاهية؟ تشير الدراسات ان دورة الركود الطويل قد بدأت بالانحسار حقاً. وان معدلات الفائدة الحقيقية القصيرة الاجل قد اخذت تقترب من معدلاتها الموجبة .وبدأت اليابان في تصفية موجوداتها الاجنبية التي حاز الافراد عليها خلال سنوات الادخار العالية وكذلك اخذت المانيا وكوريا الجنوبية والصين يحذون حذو اليابان في تصفية المدخرات الموظفة باصول مالية شبه سائلة اجنبية.وان معدلات الفائدة قد بدأت بالتحرك نحو مستوياتها التوازنية في جعل الادخارات المرغوبة تساوي الاستثمارات المرغوب فيها.اذ يعتقد ان معدلات الفائدة هي كالزيت في ماكنة النظام المالي و التي تساعد على تدفق راس المال من مكان الى آخر، وهو السبب الذي فسر كيف ظلت معدلات الفائدة موجبة طوال القرون الثلاثة الماضية على الرغم من الحروب العالمية والكساد الاقتصادي. فالنظام المالي الدولي لم يتم تصميمه ليتوافق مع معدلات فائدة سالبة كما تقول مجلة ذي ايكونومست اللندنية في عددها الصادر في16 تموز 2016. لذا يتوقع في العام 2025 ان يتحقق التوازن التاريخي في الفائدة السنوية قصيرة الاجل حيث ستبلغ لامحالة قرابة موجب 3 بالمئة. و سينتهي عندها الركود المستمر الذي يمثله تدني معدلات النمو الاقتصادي. وستتفكك آنذاك متلازمة الاقتصاد الرباعية المسببة للركود الطويل المتمثلة بالاثار المتبادلة بين تركيب السكان و قوة التكنولوجيا وارتفاع الادخارات وسيادة الفائدة السالبة الحقيقية اللاتوازنية.
ختاماً، ربما ستتحقق نبوءة الاقتصادي جون مينارد كينزالتي قالها في مطلع ثلاثينيات القرن الماضي يوم كان العالَم يتخبط في تشاؤمه من وقع الازمة الاقتصادية الدولية و اثارها المسماة بازمة الكساد العظيم.اذ اظهر كنز تفاؤله وهو في منتصف الطريق بين الكساد والثورة الاقتصادية مؤكدا في مقاله الواسع في العام 1930 الموسوم:(الامكانات الاقتصادية لأحفادنا ): قائلاً باننا سنترك الاحفاد اكثر غنى من اجدادهم ولكن المسار ليس خاليا من المخاطر!!!
مرتبط