محاولة يائسة لمواجهة المتطرفين: خنادق العصور الوسطى تظهر مجدداً في العراق

آخر تحديث 2016-08-25 00:00:00 - المصدر: نقاش

 تنشغل عدد من المدن العراقية في الشمال والغرب والجنوب في حفر خنادق لحمايتها من "داعش"، أكملت بعض هذه المدن هذا المشروع الأمني القديم، بينما لا يزال بعضها تحت العمل، فيما تطالب مدن أخرى في إنشاء خندق حولها كان آخرها مدينة المثنى الواقعة جنوب البلاد.

 

بدأت قصة الخنادق في العراق مع الهجوم الكاسح الذي شنه تنظيم "داعش" في حزيران (يونيو) عام 2014، وتساقطت المدن واحدة تلو الأخرى في تلك السنة في الموصل وسنجار وتلعفر والقيارة في محافظة نينوى، وتكريت وبيجي والصينية والعلم والدور في صلاح الدين، والفلوجة والرمادي وهيت والرطبة وعانة وراوة والقائم في الأنبار، وبعض البلدات شمال بابل المجاورة لبغداد.

 

وبعد منتصف العام الماضي استطاع الجيش تنظيم صفوفه وانضمت اليه عشرات الفصائل الشيعية لمحاربة "داعش" وبدأت تستعيد هذه المدن من المتطرفين في معارك شرسة وحرب عصابات داخل الأحياء، وهنا اكتشف الجيش تحدياً جديداً في الحفاظ على هذه المدن ومنع عودة مقاتلي "داعش" اليها.

 

ويبدو ان لجوء الحكومة الاتحادية والمحافظات الى حفر الخنادق يعكس الفشل في محاربة المتطرفين بشكل كامل، وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي حققته القوات الأمنية ضد التنظيم المتشدد خلال الشهور الماضية في تحرير العديد من المدن، ولكنها تستخدم طريقة دفاعية وكأنها تتوقع هجوما في أي لحظة.

 

اول المدن التي نجحت قوات الامن العراقية من تحريرها هي بلدة "جرف الصخر" الواقعة شمال محافظة بابل، ولكن عناصر "داعش" واصلوا الهجوم على هذه البلدة وهنا جاءت فكرة إنشاء خندق عميق لعزل المدينة ومنع تسلل عناصره.

 

بلغ طول هذا الخندق (45) كيلومترا ويعزل بابل عن محافظة الأنبار المضطربة ومحافظة كربلاء المستقرة امنيا، والى جوار الخندق حاجز ترابي طوله عشرة أمتار وأبراج حماية تنتشر كل (500) متر وفقا لنائب رئيس مجلس محافظة بابل حسن فدعم، ويقول لـ "نقاش" ان "هذه الخطة ضرورية لحماية المدينة التي عانت من المتطرفين منذ سنوات".

 

في الثامن من الشهر الماضي تمكن انتحاريون من التسلل الى مدينة "بلد" الواقعة شمال محافظة صلاح الدين وفجروا انفسهم عند بوابة مزار ديني شيعي، قتل واصيب اكثر من (70) شخصا على الرغم من ان المدينة تحت سيطرة آلاف من عناصر الفصائل الشيعية وقوات الامن ولم يتمكن "داعش" من احتلالها.

 

بعد اسبوعين على الحادثة بدأت الفصائل الشيعية في حفر خندق حول المدينة لحمايتها من المدن المجاورة، ويقول جعفر الساعدي وهو احد مقاتلي "فرقة العباس" التابعة الى الفصائل الشيعية لـ"نقاش" ان "حفر الخندق ما زال مستمرا وهو بعمق ثلاثة أمتار وبالعرض ذاته أيضا ويقوم الحشد الشعبي والجيش في عملية الحفر".

 

ولكن اهالي المدينة بدوا غير مرتاحين من هذه الخطة ولكنهم يخشون الاعتراض عليها بسبب سيطرة الفصائل الشيعية على المدينة، ابو قاسم وهو من سكان المدينة طلب عدم نشر اسمه الكامل، قال لـ"نقاش" ان "مدينتنا مهددة في كل وقت بسبب داعش، ولكن الخندق لن يمنع الانتحاريين من الدخول الى المدينة، ويستطيعون التنكر والدخول اليها".

 

ابو قاسم يخشى من ان يعمل الخندق على عزل مدينته عن المدن المجاورة لها منذ عشرات السنين وهناك تبادل تجاري بينهما خصوصا الخضراوات والفواكه التي تأتيها من مدينة يثرب المجاورة.

 

الى الغرب من العراق وتحديدا في مدينة الفلوجة المعقل السابق لتنظيم "داعش"، بدأت قوات جهاز مكافحة الإرهاب منذ أسابيع قليلة في حفر خندق حول المدينة بعد تحريرها، ويقول الجيش ان الخندق يمنع عودة المتطرفين إليها بشكل نهائي.

 

ويمتد الخندق على طول سبعة كيلومترات وعمقه متر ونصف المتر في خطة حكومية لعزل الفلوجة والابقاء على مدخل ومخرج واحد للسكان، وهو أمر تحفظت عليه الحكومة المحلية في الانبار، ويقول احدهم طالبا عدم نشر اسمه لـ "نقاش" ان "الخندق سيعيق جهود اعمار المدينة واعادة الحياة الى طبيعتها، لان الأنبار مدينة عشائرية والفلوجة مرتبطة مع الضواحي والرمادي مركز العاصمة منذ عشرات السنين".

 

ولكن الانتقاد الأبرز حول سور الفلوجة جاء من الزعيم الشيعي المثير للجدل مقتدى الصدر الذي أعلن رفضه لحفر الخنادق حول الفلوجة وباقي المدن، وقال في بيان صدر عنه ان "الخنادق تعزل مدن العراق وهي فكرة طائفية".

 

حتى المحافظات الجنوبية الشيعية المستقرة امنيا بدأت تفكر في حفر الخنادق حولها، كربلاء التي ينتشر فيها الاف المقاتلين من "الحشد الشعبي" وتضم احد اهم المزارات الدينية الشيعية على وشك إكمال خندق حول حدودها الجنوبية مع النجف، والغربية مع الأنبار.

 

ويبلغ طول الخندق (70 كلم) وعمقه مترين، وإضافة الى الخندق سيكون بجواره سور رملي يبلغ ارتفاعه ثلاثة أمتار، ويشرف الشيخ عبد المهدي الكربلائي وهو احد المتحدثين باسم المرجع الشيعي الأعلى علي السيستاني على بناء الخندق.

 

اما محافظة المثنى جنوبي البلاد، طالبت سلطاتها المحلية الاسبوع الماضي من الحكومة بحفر خندق أيضاً حولها على الرغم من ان هذه المدينة تعتبر من اكثر المدن استقرارا ولا تشهد تفجيرات إرهابية إلا نادرا.

 

ولكن اكثر الخنادق المثيرة للجدل ذلك الذي بدأ اقليم كردستان في حفره قبل اشهر، وهو اكبر الخنادق في العراق حتى الان ويبلغ طوله اكثر من (300 كلم) ويمتد من قضاء سنجار مرورا في تلعفر وكركوك وصولا الى قضاء طوزخورماتو في صلاح الدين.

 

الاحزاب الشيعية والسنية انتقدت هذا الخندق واعتبرته خطة من الاقليم الكردي لرسم حدود جغرافية للدولة الكردية التي يسعى اقليم كردستان لإجراء استفتاء شعبي في شأنها. ولكن رئيس اقليم كردستان مسعود بارزاني اوضح ان "الهدف من الخندق هو حماية قوات البيشمركة من داعش ومنع تكرار ما حدث في 2014".

 

الخبير الامني في شؤون الجماعات الجهادية زياد طارق يقول لـ"نقاش" إن "الخنادق يمكن اختراقها بسهولة من قبل المتطرفين، وعندما يهاجم داعش مدينة يجلب معه جرافات للمساعدة في ردم الخنادق وتدمير الأسوار الترابية كما حصل في الانبار".

 

ويضيف ان "مشكلة العراق المقبلة ليست في الهجمات البرية التي يشنها داعش وانما في الخلايا النائمة التي يمتلكها داعش داخل المدن، وفشل نقاط التفتيش في كشف المتطرفين الذين يمرون عبرها دون خوف كما حصل في تفجير الكرادة اذ كشفت التحقيقات ان السيارة المفخخة جاءت من محافظة ديالى وعبرت أكثر من (14) نقطة تفتيش على الطريق".

 

ظاهرة الخلايا النائمة والمتعاطفين مع "داعش" والحاضنة الاجتماعية لا يمكن القضاء عليها من دون إنهاء التهميش الذي يشعر به السكان السنّة، كما أن الطريقة التي جرى فيها تحرير المدن من "داعش" تخللتها أعمال عنف طائفية من قبل الفصائل الشيعية تجاه السكان المحليين.

 

الانتصارات التي حققتها الحكومة العراقية على المتطرفين تبدو غير كاملة، اعتمدت القوات الأمنية على القوة العسكرية فقط في تحقيقها وتجاهلت الإجراءات السياسية والاجتماعية التي من شانها القضاء على الحواجز بين الشيعة والسنة، ولهذا فان الحكومة ستبقى تشعر بخطر من المتطرفين وهو ما اجبرها على تأييد فكرة حفر الخنادق حول المدن.