الكاتب / عبدالزهرة الطالقاني
ضمن الاستيراد العشوائي للسلع حظي العراق بسوق مفتوحة على منافذ العالم بحيث توفرت في الاسواق مختلف السلع ومن مناشئ شتى حتى غطت حاجة السوق واصبح كثير من السلع فائضا بحيث ان بعضها يباع بأسعار زهيدة جداً، يقف امامها العراقيون احيانا بمجموعة اسئلة: منها كلف الانتاج، وكلف النقل والتسويق، وهوامش الربح بين التاجر البائع، والتاجر المشتري، والموزعين وصغار الباعة.
هذه الحالة التي تبدو ايجابية الى حد ما، اذ لا مشكلة للتسوق في العراق، ولا عائق لحركة السلع، الا ان هناك جوانب اخرى غير منظورة حيث عطلت عملية “اغراق السوق بالسلع” عجلة الصناعة العراقية، واصبحت الزراعة تجارة غير رابحة وباتت الصناعات الحرفية كالحدادة والنجارة والصياغة والخياطة والسراجة، ومهن اخرى في دائرة الكساد فأغلقت المعامل الصغيرة والورش والمحلات التي تصنع فيها تلك السلع.
ويبدو ان القائمة تطول اذا ما تركنا الامور على حالها.. الا اننا نرغب ان نحصر الموضوع في جانب واحد هو استيراد الاثاث بأنواعه المنزلي والمكتبي والمدرسي.. لقد توفرت للسوق العراقية منافذ استيرادية عديدة لتوريد الاثاث، ولا ننكر ان الاثاث الاجنبي يتصف بالجمالية والاناقة وحسن الصنعة أحيانا، والتصاميم الحديثة التي تلبي رغبة الزبون.. الا ان ذلك ادى بشكل مباشر الى غياب قطاع صناعي مهم وتعطيل آلته وبطالة كوادره وموارده البشرية التي تمتلك مهارات وخبرات كبيرة ممن يعملون في هذا القطاع وتحولت صناعة النجارة الى تجارة واصبحت محلات تصنيع الاثاث معارض لتسويق الاثاث الاجنبية.
اليوم وبعد الازمة المالية التي سببها تردي اسعار النفط المتدنية والتي ادت الى ايقاف كثير من الاجراءات والغاء مجموعة من ابواب الصرف الحكومية وصولا الى تفعيل التعرفة الكمركية التي عُطلت لفترة طويلة مروراً ببرمجة الاستيراد، بات الآن لزاماً على الجهات المعنية منع استيراد الاثاث والاعتماد على الصناعات المحلية، والاقتصار على استيراد المواد الاولية التي تحتاجها هذه الصناعة والعمل على توفير بعض هذه المواد محليا مستقبلاً..
ان ازدهار النجارة في العراق مرتبط بشكل مباشر بما يتوفر لهذه الصناعة من بيئة وظروف ملائمة وحماية للمنتوج الوطني امام المستورد الاجنبي، ان عدد العاملين في قطاع النجارة سواء كانوا في المعامل الكبيرة ام المتوسطة ام الورش لا يستهان به ومتى توفرت الفرصة لازدهار النجارة، فان ذلك سينعكس ايجابيا على تحول ملحوظ في مدخولات هؤلاء وتوفير فرص عمل لعدد كبير من الباحثين عن العمل.
لقد سبق لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية ان أقامت دورات وورش عمل لمئات الشباب من العراقيين وبالتعاون مع منظمات التنمية الدولية ووزعت مكائن ومعدات وعددا يدوية لغرض فتح ورش ومشاريع صغيرة، الا ان الذي حصل ان خريجي هذه الدورات باعوا المكائن والمعدات في السوق، وانصرفوا عن هذه المهنة التي بدأت تسوق بضاعة غير رائجة وسط تنوع المستورد الاجنبي من الاثاث.. وهكذا فان اي توجه بهذا الشأن لا يمكن ان ينجح ما لم تتوفر له البيئة المناسبة للانتاج والتسويق كما اشرنا الى ذلك.
ان التدريب ومنح القروض غير كاف لنمو هذه الصناعة المهمة والضرورية بل هناك عامل اخر فعال لا بد من الانتباه له الا وهو المستورد الاجنبي من هذه السلع والذي حل محل المنتوج الوطني، وهذا يعني ان النجاح يكمن ويتحقق عند اكتمال حلقات هذه الخطوة المتمثلة بالتدريب والتطوير وتوفير المستلزمات ومنح القروض وايقاف استيراد الاثاث ووضع سقف زمني لذلك ليحل المنتوج الوطني محل المستورد الاجنبي..
لقد بدأ الصناع العراقيون يبدعون في انتاج اثاث حديث يتصف بمجموعة مواصفات منها الجمالية والاناقة ومعقولية الاسعار اضافة الى نسبة من المتانة تفوق الصناعة الاجنبية التي غالبا ما تلجأ الى الخشب المضغوط في صناعة الاثاث بدل الالواح الخشبية.. ان جولة قصيرة في سوق الاثاث العراقية يوفر الفرصة لذوي الشأن للاطلاع على امكانية احتضان هذا القطاع ودعمه وتسهيل الاجراءات لتنمية وتطويره لنشهد صناعة اثاث عراقية رائدة نباهي بها الصناعة الاجنبية.. وليس هذا على العراقيين ببعيد.
المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية
مرتبط