نخشى على موسم الحج وحجاجه من نتائج الحرب الكلامية السعودية الايرانية التي كسرت كل المحرمات.. ما الذي اغضب مفتي الرياض في خطاب السيد خامنئي الذي دفعه الى تكفير الايرا

آخر تحديث 2016-09-06 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

يضع العالم الاسلامي يده على قلبه هذه الايام مع بدء موسم الحج متوقعا الاسوأ في ظل “الحرب الكلامية” المتصاعدة بين المملكة العربية السعودية والدولة الاسلامية الايرانية، قطبي المعادلة الطائفية الاسلامية، والتي تنبيء بإحتمالات تحولها الى مواجهات عسكرية مباشرة او غير مباشرة، لخروجها عن كل المعايير الاخلاقية الاسلامية السامية.

الازمة تجسدت في اخطر صورها في موسم الحج الماضي، بدءا من حادث “التدافع″ في مشعر منى، الذي راح ضحيته حوالي 2279 حاجا من بينهم حوالي 464 ايرانيا، حسب البيانات الرسمية، بينما تشير تقديرات غير رسمية بأن الضحايا ضعفا هذا الرقم على الاقل، الامر الذي عرض ادارة الحج الى انتقادات شرسة، ابرزها الاهمال والعجز، واعلنت السلطات السعودية عن تشكيل لجنة لبحث اسباب هذه الكارثة، برئاسة ولي العهد الامير محمد بن نايف، ولكن هذه اللجنة لم تصدر اي تقرير حول تحقيقاتها المذكورة حتى هذه اللحظة، ولا نعتقد انه سيصدر مطلقا.

السيد علي خامنئي المرشد الاعلى للثورة الايرانية، الذي قاطعت بلاده موسم الحج، بعد ان فشلت المفاوضات مع السلطات السعودية في حل الازمة، والتوصل الى حلول مقبولة من الطرفين، شن قبل يومين، في رسالة وجهها الى العالم الاسلامي بمناسبة بدء موسم الحج، هجوما كاسحا على الحكومة السعودية “دعا فيها العالم الاسلامي الى ضرورة ايجاد حل لادارة الحرمين الشريفين، وقضية الحج عموما”، ووصف السعودية بـ”الشجرة المعلونة”، وحكامها “بالمثيرين للفتن وتوريط العالم الاسلامي في حروب اغرقت بلدانا مثل ليبيا والعراق وسورية واليمن بالدماء”، واضاف قائلا “انهم لا يعرفون الله ويمدون يد الصداقة للعدو الصهيوني”.

المسألة الحساسة التي تعتبر خطا احمر بالنسبة الى السلطات السعودية، ليس التشكيك في قدراتها التنظيمية وعجزها عن ادارة موسم الحج، وانما المطالبة بتشكيل هيئة من العالم الاسلامي تتولى هذه المهمة، وهذا ما يفسر البيان الذي صدر عن مؤسسة الازهر قبل يومين، يؤكد رفض اي اقتراح او توجه في هذا الصدد، رغم الهجوم الشرس الذي شنته هيئة كبار العلماء السعودية ضدها، اي مؤسسة الازهر، لمشاركة شيخها ومجموعة من علمائها في مؤتمر غروزني الذي “حدد اهل السنة والجماعة”، واستثنى العلماء السعوديين، وحركة الاخوان المسلمين، من المشاركة فيه.

السيد خامنئي لم يطالب في خطابه “بتدويل اسلامي” لادارة المناطق المقدسة في مكة والمدينة ونزع السيادة السعودية عنها، ولكنه اقترب من هذا الخط السعودي الاحمر عندما دعا العالم الاسلامي الى ضرورة ايجاد حل لادارة الحرمين الشريفين والحج عموما”، ولكن المعنى يبدو واضحا، الامر الذي ووجه بهجوم سعودي على اعلى المستويات على ايران والسيد خامنئي نفسه.

الشيخ عبد العزيز آل الشيخ المفتي العام للمملكة العربية السعودية ادلى بتصريحات غير مسبوقة في شراستها لصحيفة “مكة” اليوم (الثلاثاء)، عكست هذا الغضب، اعتبر فيها الايرانيين بأنهم “غير مسلمين”، ووصف تصريحات السيد خامنئي بأنها “امر غير مستغرب”، مضيفا “يجب ان نفهم ان هؤلاء ليسوا مسلمين فهم ابناء المجوس وعداؤهم مع المسلمين امر قديم وتحديدا مع اهل السنة والجماعة”، اي انه كفرهم واخرجهم من الدين الاسلامي دفعة واحدة، ودون اي لبس او غموض.

هذا التصعيد اللفظي من قبل علماء افاضل يعكس حالة الانهيار والفتنة الطائفية التي يعيشها العالم الاسلامي، وما يتولد عنها من اتهامات بالتكفير والخروج عن الملة قد تؤدي الى تحويل المشاعر المقدسة في مكة المكرمة وجوارها، الى ساحات مواجهات دموية، في ظل وجود اكثر من ثلاثة ملايين حاج، سواء جاءوا من مختلف انحاء العالم الاسلامي، او من داخل المملكة نفسها.

حتى قبل اعوام محدودة كان هؤلاء العلماء، الذي من المفترض ان يكونوا قدوة لانصارهم مريديهم واتباعهم بحكم مكانتهم الدينية، يتحدثون عن حوار الاديان والتضامن الاسلامي، والتقريب بين المذاهب، واليوم نراهم يؤججون الفتنة ويصعدون العداء المذهبي.

انه خلاف سياسي يتم الباسه الاثواب المذهبية والطائفية، الامر الذي قد يؤدي الى تعميق الشرخ في العالم الاسلامي، واشعال فتيل حرب دموية طائفية تستمر لعقود، يروح ضحيتها مئات الآلاف، وربما الملايين من المسلمين الابرياء ابناء العقيدة الواحدة.

الايرانيون قاطعوا موسم الحج، والسلطات السعودية منعت يمنيين من اداء الفريضة، خاصة اولئك الموالين للتحالف “الحوثي الصالحي” الذين تخوض حربا ضدهم في اليمن، مثلما تمنع سياسيين، او رجال دين من مذاهب عدة من زيارة الاماكن المقدسة، يختلفون مع سياساتها ومواقفها، وكان ابرزهم الشيخ راشد الغنوشي، زعيم حركة النهضة التونسية الذي اعيد على الطائرة نفسها التي وصل على متنها، قبل بضعة اعوام، وهو في ملابس الاحرام، قبل ان يتم رفع اسمه من قوائم الممنوعين مؤخرا، وينال الرضاء الرسمي، وينتقل من القائمة السوداء الى قائمة كبار الزوار.

هذه السياسات السعودية يجب ان تتغير، والشيء نفسه يجب ان يقال عن ادارة موسم الحج، حيث تتكاثر الكوارث عاما بعد عام، وقائمتها طويلة لا يتسع لها هذا المجال، في ظل غياب الشفافية والمحاسبة للمسؤولين عنها، فلم نسمع مطلقا ان مسؤولا اقيل او عوقب على اهماله، خاصة من الوزراء ابناء الاسرة الحاكمة.

ندرك جيدا في هذه الصحيفة “راي اليوم” ان مثل هذه الحقائق التي نسردها، ستثير غضب السلطات السعودية، وستتهمنا، وغيرنا، بتهم كثيرة، تعودنا عليها، واقلها اننا من المجوس والرافضة وعبدة النار، وهي التهم الرائجة هذه الايام في ادبياتها ضد كل من يتجرأ على ان يختلف معها.

نعارض بشدة اي تسييس لموسم الحج، سواء كان من قبل السلطات السعودية او الايرانيين، او اي جهة اخرى، لان هذا الموسم يجب ان يكون آمنا مستقرا يتيح لحجاجه الذين يقضي معظمهم كل حياته، يوفر قوت يومه واطفاله، من اجل جمع المبلغ اللازم لاداء هذه الفريضة، وحتى نصل الى هذا الهدف السامي من حقنا كعرب ومسلمين، بل وبشر، ان ننتقد اي ممارسات او سياسات تحول دون تحقيق هذا المطلب البديهي الاساسي، فالضحايا هم اهلنا وابناء عقيدتنا، بما فيهم الحجاج السعوديين انفسهم.

نتمنى، بل ونصلي للعلي القدير ان يمر هذا الموسم دون كوارث، وان يعود جميع الحجاج الى بلادهم سالمين، مثلما نتمنى ان يعود السياسيون ورجال الدين “المتنابذين” بالالقاب الى رشدهم، ويكونوا رسل سلام ومحبة ووفاق، وان يقتدوا بقرآننا الكريم، واخلاق رسولنا محمد صلى الله عليه وسلم في التمسك بأدب القول، والترفع عن الصغائر والاحقاد، ولا نقول اكثر من ذلك.

“راي اليوم”