الأزمة المالية الخانقة لشركة «سعودي أوجيه» تلقي بظلالها على مكانة عائلة الحريري

آخر تحديث 2016-09-07 00:00:00 - المصدر: القدس العربي

بيروت – رويترز: يعاني دور عائلة الحريري على الساحة السياسية اللبنانية هزة جراء أزمة مالية تواجهها شركتها للتطوير العقاري في السعودية، مما قد يضعف النفوذ السني في لبنان وتعضد سيطرة حلفاء إيران.
وأدت الاضطرابات في شركة «سعودي أوجيه» للبناء إلى أزمة مالية وتسريح آلاف العمال الأجانب في السعودية، وعدم دفع مستحقاتهم المالية، وكذلك تسريح موظفين من تيار المستقبل في لبنان.. ذلك التيار الذي أنشأه السياسي الراحل رفيق الحريري بدعم سعودي ويتزعمه الآن ابنه سعد الحريري.
ودفعت أزمة تيار المستقبل كثيرا من المحللين في لبنان للتساؤل عما إذا كانت السعودية تقلص خسائرها في بلد تزداد فيه هيمنة حزب الله الشيعي المدعوم من إيران رغم سعيها الدؤوب لتفادي ذلك على مر السنين.
وقال راشد فايد، عضو المكتب السياسي في تيار المستقبل «لا نستطيع أن ننكر وجود أزمة مالية هي انعكاس لأزمة مالية أخرى لا علاقة للبنية التنظيمية فيها على مستوى تيار المستقبل إنما لها علاقة غير مباشرة بأزمة سعودي أوجيه.»
و»سعودي أوجيه» هي المحرك المالي وراء التيار السياسي الذي تقوده عائلة الحريري. وقد تضررت بشدة في الآونة الأخيرة جراء تباطؤ في قطاع البناء السعودي مرتبط بهبوط أسعار النفط، مما أدى إلى خفض الإنفاق الحكومي، وتأخر الحكومة في سداد المستحقات المالية لشركات أنجزت لها أعمالها.
وتأخر دفع أجور آلاف عاملي «سعودي أوجيه» لأشهر وفقا لوسائل إعلام سعودية وللعاملين أنفسهم. ورفضت الشركة التحدث علنا عن وضعها المالي.
أيضا يقول العديد من الموظفين في مؤسسات يملكها الحريري في لبنان إنهم لم يتقاضوا رواتبهم منذ أشهر. وذكرت مصادر في تيار المستقبل أنه تم تسريح بعض العاملين الأسبوع الماضي. وقال مصدر طلب عدم الكشف عن هويته إن التسريح يهدف إلى تقليص التكاليف داخل التيار للحفاظ على استمراريته.
ويقول محللون ان الموقف ربما يعكس تحولا أكبر في سياسة السعودية، إذ أصبحت بلدان أخرى أكثر أهمية في صراع المملكة المحتدم مع إيران وبخاصة سوريا واليمن والبحرين.
ولبنان من أوائل البلدان التي اندلع فيها الصراع.. فبدعم سعودي قاد الحريري مواجهة سياسية مع حزب الله بعد اغتيال والده عام 2005. وتساءل المعلق السياسي جهاد الزين «هل الحريري أصبح جزءا من الماضي في السعودية أم من الحاضر أو المستقبل؟ هذا أكبر سؤال شخصي حول سعد الحريري».
ورغم أن تياره له جذور عميقة بين السنة في لبنان قال الزين «لا نستطيع أن نتصور له تاريخا سياسيا ولا حضورا سياسيا بدون السعودية… هذه الحريرية هي إنتاج سعودي مثلما حزب الله إنتاج إيراني.»

تحول أكبر

رغم الجهود السعودية.. تنامى نفوذ حزب الله في لبنان. وألغت الرياض حزمة مساعدات بقيمة أربعة مليارات دولار للجيش اللبناني وقوى الأمن في فبراير/شباط بسبب ما اعتبرته نفوذا من جانب حزب الله على السياسة الخارجية اللبنانية. وقال وزير الخارجية السعودي في مارس/آذار إن حزب الله «خطف» قرارات الحكومة. وفي حين بنى حزب الله شرعيته في المجتمع الشيعي من خلال قتاله لطرد إسرائيل من جنوب لبنان، كان رفيق الحريري يبني شرعيته من خلال إعادة بناء لبنان بعد الحرب الأهلية. وأصبحت عائلة الحريري أقوى من أي من العائلات السنية التي قادت الطائفة على مر السنين. ووجهت محكمة دولية خاصة بلبنان تهما إلى خمسة أعضاء في حزب الله فيما يتعلق باغتيال رفيق الحريري. وينفي الحزب أي دور له في الأمر. وسار سعد الحريري على خطى والده، حيث أصبح رئيسا للوزراء في عام 2009 وحتى انهيار حكومة الوحدة التي كان يرأسها عام 2011 نتيجة استقالة حزب الله وحلفائه.
وأمضى الحريري بعد ذلك سنوات في الخارج ولم يزر البلاد إلا في رحلات قصيرة إلى أن عاد بشكل دائم هذا العام.
وتشمل مؤسسات عائلة الحريري وسائل إعلام ومؤسسات خيرية وحزب تيار المستقبل وفريقا كبيرا من المستشارين والمكاتب الإقليمية.
وقال نائب تيار المستقبل في البرلمان أحمد فتفت عن الأزمة المالية «بدأنا نشعر بها لأول مرة في عام 2009 لغاية اليوم تدريجيا، ولكن في السنة الأخيرة صارت أكثر حدة.» وأضاف في أن الخدمات العامة تراجعت بما في ذلك الصحية. وتابع «لا يوجد شيء توقف كليا ولكن لا شيء بقي على نفس الوتيرة السابقة.»
ومضى قائلا «نحن نقر بأن هذا له تأثير سلبي على الوضع السياسي»، لكنه أبدى ثقته في أن تيار المستقبل «سيبقى الأقوى في الساحة السياسية لأن الناس تدرك أننا ندافع عن مصالحهم الحقيقية.. ندافع عن الدولة وندافع عن الاعتدال السني والعيش المشترك.»

فرصة للإصلاح؟

يرى خصوم الحريري أن مشاكله المالية تنذر بأفول نجمه السياسي. وكتبت صحيفة (الأخبار) المؤيدة لحزب الله على صفحتها الأولى يوم الجمعة الماضي أن «مجزرة» الموظفين في تيار المستقبل ما زالت جارية.
والاختبار الكبير سيتمثل في الانتخابات البرلمانية، المتوقع أن تجري العام المقبل للمرة الأولى منذ عام 2009، ويواجه الحريري فيها تحديا متزايدا من قبل حليفه السابق أشرف ريفي الذي تغلب على سياسيين سنة معروفين في انتخابات بلدية جرت في مايو/أيار في مدينة طرابلس التي يغلب عليها السنة.
وقد ضرب ريفي على وتر سني حساس في خطاباته المتشددة ضد حزب الله وإيران. ولا يقل الحريري عنه تشددا في تصريحاته العلنية، لكن حزبه لا يزال جزءا من حكومة تضم حزب الله وهو ما يعرضه لانتقاد صقور السنة.
واستقال ريفي من منصبه كوزير للعدل في فبراير/شباط الماضي احتجاجا على ما اعتبره هيمنة حزب الله في حكومة الوحدة التي تعتبر على نطاق واسع ضامنا للاستقرار السياسي. وانتقد أيضا الحريري لترشيحه العام الماضي سليمان فرنجية -حليف حزب الله- لشغل موقع الرئاسة الشاغر.
أما حزب الله.. فلديه شكوك عميقة حول ريفي. وساهم رفض الحزب الموافقة على تمديد فترة ولايته كمدير عام لقوى الأمن الداخلي في انهيار الحكومة عام 2013.
وسياسة ريفي أكسبته تأييدا في المملكة العربية السعودية، حيث يراه البعض حليفا ربما كان أكثر فعالية من الحريري. لكنه لا يحظى بذلك الحضور الشعبي الذي أقامته عائلة الحريري طيلة ما يقرب من 20 عاما.
ومن المقرر أن يعقد تيار المستقبل مؤتمرا في أكتوبر/تشرين الأول. وقال فايد عضو المكتب السياسي إن الأزمة المالية فرصة للإصلاح وابتعاد «الانتهازيين».وقال ناشط آخر في تيار المستقبل طلب حجب هويته إن الحريري يواجه مهمة شاقة لإضفاء لمسة جديدة على تيار المستقبل، وتوقع أن تتضاءل هيمنته باطراد أمام صعود نجم سياسيين سنة آخرين.
وقال الناشط «الحريرية بنيت على عناصر مختلفة، بما فيها قدرات مالية ودعم الخليج العربي. في عام 2016 الحريرية السياسية ليس لديها ولا واحد من الاثنين.» وأضاف «سوف نرى صعود القيادة السنية اللامركزية.»
وقال نبيل بومنصف، المعلق في صحيفة (النهار)، ان من السابق لأوانه التكهن كيف ستنتهي الأزمة بالنسبة للحريري الذي لا يزال الزعيم السني الأقوى حتى الآن، لكنه حذر من تقويض موقفه، وقال ان الحريري هو القوة السنية المعتدلة الرئيسية في لبنان «وإذا ضرب هذا الخط السياسي فسيتضرر الاعتدال السني»، مؤكدا أن «هذا أمر في غاية الخطورة على لبنان».

الأزمة المالية الخانقة لشركة «سعودي أوجيه» تلقي بظلالها على مكانة عائلة الحريري