الحرة حدث
بقلم: احمد الحاج
(( ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ))
اذا كانت هذه الآية القرآنية الكريمة تنطبق على بقعة ما في هذا العالم مترامي الأطراف فأنها تنطبق حرفيا على العراق الحالي ، عراق (تفتح أفتح ، تغلق أغلق ، خلي الشعب لحاله يلقلق ) هذا هو بإختصار حال مكافحة الفساد في الوقت الحاضر ، أقول ذلك بالتزامن مع بدء جمع مليون توقيع ضمن حملة “الفاسد في الحكومة لا يمثلني”، التي أعقبت الإضراب عن الطعام والعصيان الوظيفي المؤقت ، وأكرر ماقلته سابقا بأن القدوة يجب ان يبدأ بنفسه وبالأقربين أولا ليكونوا مثالا يحتذى حذوه ، وإلا فأن الحملات الشعبية المتتالية المتأثرة بمتلازمة " ستوكهولم " التي يتعاطف فيها المظلوم مع بعض ظالميه ويدافع فيها المسروق أو يغض الطرف عن سراق بعينهم فيما يلاحق آخرين من كتل سياسية أخرى لن تجدي نفعا البتة وقد يكون غايتها التعتيم على ملفات لايراد لها ان تطفو على السطح حاليا ، اضافة الى تضييع الوقت وتبديد الجهد وإرهاق المتظاهرين واستنزافهم واستهلاك شعاراتهم ، لحين ترتيب اوراق وتسوية ملفات وهروب متورطين وشراء ذمم واختفاء ناشطين تباعا ليتقين الجميع في نهاية المطاف بأن لاقيمة للتظاهرات في عملية التغيير والأصلاح المنشودة وانها لن تصل الى نتيجة قط لا في محاربة الفاسدين ولا في كشفهم ولا في إحالتهم الى المحاكم لينالوا جزاءهم العادل إذ إن المتأمل في - فيكاتها – يجدها تدور في حلقة مفرغة ومحيرة وغامضة في آن واحد بخلاف بداياتها الواضحة في شعاراتها ، البينة في تحركاتها ، المتفاعلة في تنسيقياتها ، الجلية في أهدافها .
اليوم عملية مكافحة الفساد في العراق باتت عبارة عن تظاهرات حائرة تكنيكها هو " الى الأمام سر ...يمينا تراصف ...الى الوارء در ...وازنا هرووول ...قف ..اجازة ..لالالا استراحة ... تقدموا..لالا تراجعوا " ، من جهة و مهاترات وأوراق ضغط تمارس بين الكتل المتناحرة لا أكثر من جهة اخرى للحصول على إمتيازات وتوقيع إتفاقات وإلغاء قوانين وتمرير أخرى بسلة واحدة وتعيين وزراء ونواب وعزل أو إقالة آخرين على نحو " تفتح ملف الطائرات الكندية طراز CS300 المصممة للأجواء الباردة وهي غير صالحة للأجواء المحلية والتي لم تصل الى العراق - المسكين بعد - ولم تدخل الخدمة واقعا ، في عقد بلغت قيمته 387 مليون دولار بأضعاف سعرها الحقيقي ، تم ابرامه منذ عام 2008 ...أفتح ملفات الفساد الخاصة بقناة الجيش وخط الخنساء ومشروع ماء الرصافة ومعمل تدوير النفايات في قضاء التاجي ..عيوووووني !!" .
تغلق ملف الدروع المضادة للرصاص والخوذ الواقية بواقع 100 ألف قطعة ، تبين ان خمسة الاف منها – لا واقي ولاهم يحزنون والطلقة تطلع كبل - بواقع 250 الف دينار للدرع الواحد...أغلق ملف بسماية والعمولة المضافة الى عقدها المبرم مع الشركة الكورية في اللحظة الأخيرة بقيمة 750 مليون دولار فقط لا غير ....عيووووني !!
تفتح ملف جهاز كشف المتفجرات (ADE-651) الذي هو بالأساس جهاز بحث عن كرات الغولف لا يتجاوز ثمنه ٢٠ دولارا فقط ، تعاقد العراق على شراء 1500 جهاز منه بقيمة اجمالية بلغت 85 مليون دولار..أفتح ملف صفقة الأسلحة الروسية وملف بغداد عاصمة الثقافة العربية وملف المدينة الرياضية في البصرة وملف طريق مطار بغداد الدولي وملف أعداد حمايات المسؤولين - الوهميين - بما يصرف لهم من معدات ومرتبات وآليات، وأسلحة وذخائر وهم مجرد فضائيين ولاوجود لهم على أرض الواقع ....عيووووني !!
تحيل ملفات فساد جديدة الى هيئة النزاهة لتضاف الى 13 الف قضية مسجلة هناك منذ بداية عام 2015 تورط فيها 13 وزيرا مع من هم بدرجتهم ...أحيل ملفات فسادك الى النزاهة ايضا قبل ان تصل الى مقرها ..عيوني !!
تفتح ملف 7800 مدرسة أحيلت الى البناء في وقت سابق انجز منها 96 مدرسة فحسب بكلفة 442 مليار دينار تسلم المتعاقدون ما نسبته 60% من قيمتها فيما لم تتجاوز نسبة الأنجاز 10% ...افتح ملف الفساد في الترقيات الإدارية و العلمية والتعيينات والأطاريح العلمية الجاهزة أو المباعة والقبول الخاص و تقديم المؤلفات والبحوث.. عيووني !!
تستجوب وزيري بقضية شراء 56 مولدة كهرباء كبيرة بمبلغ 44 مليون دينار للواحدة مع ان سعرها 22مليون فقط ...استجوب وزيرك بقضية شراء السكر والرز ضمن مفردات البطاقة التموينية بأضعاف سعرها الحقيقي اضافة الى قضية الطحين المخلوط ببرادة الحديد والشاي المخلوط بنشارة الخشب وزيت الطبخ التالف ...عيوني !!
تستدعي – عضيدي – للوقوف على منصة البرلمان والأدلاء بإفادته بقضية الأموال المهدورة لتحسين انتاج الطاقة الكهربائية والبالغة 45 مليار دولار من دون جدوى ...استدعي – عضيدك – لكشف ملفات الصحة البالغ قيمتها 445 مليون دولار، والتي تتعلق بعقود للأدوية والأجهزة الطبية اعقبها حرق مخازن بلغت قيمتها 100 مليون دولار ، وملف إحالة 12 عرضًا إلى شركة “GE ” لوحدها بمبلغ 400 مليون دولار لاستيراد أجهزة طبية..عيوني !!
تستضيف – رفيقي – في قضية الفضائيين الـ 50 الفا في الدفاع كما اشارت الى ذلك رئاسة الوزراء معظمهم يتمتعون بإجازات مفتوحة مقابل تسليم رواتبهم الى آمريهم ..استضيف – رفيقك – لبحث قضية تقاعد الضباط الدمج و 75 الف فضائي في الداخلية كما اعلن في وقت سابق وهكذا ..عيوني !!
ولعل أخطر ما في قضية الفساد العراقي هي إصابة الرأي العام عموما بمتلازمة ستوكهولم التي يعرفها علماء النفس بـ" انها ظاهرة نفسية خطيرة تصيب اناسا يتعاطفون مع عدوهم بشكل من الأشكال ، اذ ان الضحية التي تؤمن بذات الأفكار والقيم التي يؤمن بها المعتدي فإنها لن تعد اعتداءه عليها تهديدا ،سميت بذلك نسبة إلى حادثة بنك كريديتبانكين عام 1973في ستوكهولم حين تعاطف الرهائن مع خاطفيهم " ، واصابة بعض الفاسدين بمتلازمة" ليما " التي يعرفها علماء النفس بـ" انها النقيض لمتلازمة ستوكهولم وفيها يتعاطف المعتدي مع المعتدى عليه ، سميت بذلك نسبة الى حادثة اختطاف الرهائن في مقر السفارة اليابانية في عاصمة البيرو ( ليما) عام 1996" وبين ضحايا متلازمتي ليما وستكهولم ، اتبع ملف مكافحة الفساد في العراق من دبش ..ياحوم !!