العجز في الموازنات العامة الاتحادية .. ومستقبل النفط في العراق

آخر تحديث 2016-09-19 00:00:00 - المصدر: NEN عراق

التاريخ:

0 مشاهدة

الكاتب – عبد الزهرة الهنداوي

موازنة 2017 لن تختلف كثيرا عن موازنة العام الحالي من حيث اجمالي الانفاق العام او حجم الايرادات المتوقعة ونسبة الجانب الاستثماري، ولكن هناك تفاصيل ربما تبدو مهمة ستكون حاضرة في الموازنة المقبلة من اهمها ان تقدير سعر برميل النفط  سيكون 35 دولارا في ظل توقعات تشير الى ان الاسعار ستشهد تحسنا ابتداءً من مطلع العام المقبل حتى تصل الى 71 دولارا عند نهاية العام، وبهذا وفقا لهذه التوقعات فان فرق الاسعار بين السعر المقدر وما يتم البيع به سيسهم في تقليل نسبة العجز البالغة نحو 30 بالمئة ، وان كان فإن توفر مثل هذا الفائض يبدو ضعيفا مع وجود مستحقات مالية واجبة الدفع لشركات التراخيص النفطية البالغة 12 مليار دولار مطلوب من الحكومة الايفاء بها عام 2017 ، ويبدو  واضحا ايضا تراجع نسبة مساهمة النفط من 92 بالمئة في الموازنة الحالية الى 83 بالمئة  في مشروع الموازنة المقبل من مجموع حجم الايرادات المتوقع وصولها الى 70 ترليون دينار منها 57 ترليون دينار من مبيعات النفط والباقي من المصادر الاخرى غير
النفطية.
وهذا التراجع النفطي من شأنه ان يعطينا اشارة ايجابية مؤداها العمل بقوة على تفعيل القطاعات الاخرى وزيادة مساهمتها في دعم الموازنة كبدائل للنفط وصولا إلى الخروج من الاحادية النفطية والصبغة الريعية للاقتصاد العراقي، على الرغم من ان فجوة النفط تبقى كبيرة ومؤثرة ولكنها في نهاية المطاف لم تكن خيارنا مطلقا انما هو ظرف حاكم ما كان بالإمكان تجاوزه .
وطالما ان الحديث عن أثر النفط في الاقتصاد سيبقى متصدرا لعقود مقبلة قبل ان يتحول العالم بنحو كبير نحو مصادر بديلة للطاقة فان المطلوب هنا وضع رؤية نفطية مستقبلية بعيدة المدى قد تصل الى عشر سنوات تقوم هذه الرؤية على اساس تحديد متوسط سعر لبيع النفط يتم على اساسه احتساب الايرادات المتوقعة – كما يتحدث خبراء النفط والاقتصاد – ، وفكرة تحديد متوسط السعر هذا ربما ستساعد في تمويل العجز السنوي للموازنات من خلال انشاء صناديق سيادية تودع فيها المبالغ التي تتحقق من البيع اكثر من متوسط السعر المحدد، على سبيل الافتراض ان متوسط السعر للمدة من 2017 لغاية 2027 يحدد بـ 50 دولارا للبرميل ثم تشهد الاسعار ارتفاعا خلال السنوات الثلاث الاولى الى 80 دولارا ثم تعود لتنخفض الى 30 دولارا في السنوات الثلاث التي تليها ثم تشهد تذبذبا بين الارتفاع والانخفاض في السنوات الاربع الاخيرة من عمر التجربة وهنا يكون المشهد كآلاتي : عند ارتفاع الاسعار يتم ايداع المبالغ المتأتية من الزيادة السعرية في المرحلة الاولى في الصناديق السيادية بصيغة الاستثمار وبالإمكان الافادة منها في تمويل المشاريع الاستثمارية، اما في مرحلة تراجع الاسعار دون السقف المحدد، فمن المؤكد ان الموازنة ستواجه عجزا واضحا – هذا على افتراض ان الاعتماد على النفط يبقى هو السائد- وهنا يمكن اللجوء الى فائض السنوات الماضية لتمويل العجز لحين تحسن الاسعار وهكذا يمكن ان نجنب الاقتصاد الهزات العنيفة غير المتوقعة ، وتخضع التجربة الى اعادة تقييم كل سنتين للوقوف على الحيود والانحرافات بهدف
تقييمها . ومن المؤكد ايضا ان التجربة ستحقق نجاحا اكبر فيما لو تمت تنمية وتنشيط القطاعات الاخرى وزيادة مساهمتها في الناتج المحلي الاجمالي مثل الزراعة والسياحة، فضلا عن تنشيط الوعاء الضريبي في البلاد، اذ يكاد العراق يكون هو البلد الوحيد في العالم الذي يشهد نظاما ضريبيا غير فاعل، اما بسبب طبيعة القوانين الضريبية او بسبب الفساد الذي يؤدي الى شيوع ظاهرة التهرب من تسديد الالتزامات الضريبية تحت حجج شتى، وفي هذا السياق بإمكان الحكومة تفعيل الضرائب وتحقيق ايرادات جيدة كما هو الحال في اغلب بلدان العالم من خلال توعية المواطن بأهمية دفع الضرائب وهذه التوعية يجب ان تقترن بإجراءات مشجعة من جانب وصارمة من جانب اخر.. ولعل من الاجراءات التي يمكن اللجوء اليها هي خفض نسبة الضريبة وهذا الاجراء يمكن ان يعمل باتجاهين: الاول هو تشجيع المواطن على  تبييض ذمته الضريبية فنحقق بذلك ايرادات جيدة للخزينة ، اما الثاني فهو الاسهام في محاربة الفساد لان ارتفاع نسب الضرائب يدفع المكلف الى البحث عن سبل للتهرب من خلال الرشوة لهذا الموظف او ذاك المعني ، والمعلومات تشير ان ما يدخل في جيوب الفاسدين هو اكثر بكثير من حجم الاموال الداخلة الى
الخزينة العامة.
اعتقد ان مثل  هذه الرؤى والأفكار التي يطرحها العديد من خبراء الاقتصاد وهم يبحثون عن حلول ومعالجات حقيقية لتحسين واقع الاقتصاد العراقي يمكن ان تسهم في معالجة الواقع الاقتصادي ، لان جميع الاجراءات التي اتخذتها الحكومة المتمثلة بإعداد موازنة تقشفية خلال هذا العام والعام المقبل كان هدفها تجاوز مرحلة الخطر الاقتصادي الذي كان محدقا بالعراق منذ النصف الثاني من عام 2014 ، كما يبدو ان موازنة 2017 ستكون موازنة سلام بعد ان يتم الانتهاء من «داعش» تماما قبل نهاية هذا العام -ان شاء الله- وهنا ستتحول النفقات الحربية وهي ليست قليلة الى الاعمار وتوفير الخدمات، لاسيما في المناطق
المحررة . وقد نجحت الحكومة فعلا في اجراءاتها للخروج من عنق الزجاجة على الرغم من ان التحديات مازالت كبيرة وهذه التحديات ستتفاقم اكثر ان لم يتم البحث عن حلول ومعالجات لها تمتد لفترات زمنية قصيرة ومتوسطة وهذه واحدة من مدخلات خطة التنمية الوطنية المزمع اعدادها للسنوات 2018-2022.

المصدر / الصباح

شارك هذا الموضوع: