الحرة حدث
بقلم..هادي حسن
دخلت شوارع العاصمة العراقية بغداد على خط الأزمة المشتعلة بين السعودية وإيران، لتنطلق من جنباتها حملة دعائية معادية للمملكة والأسرة الحاكمة السعودية عبر صور ولافتات تحمل هجمات لفظية مسيئة غير مسبوقة، في وقت تشهد فيه بالأساس العلاقات العراقية السعودية أجواء مشحونة، على خلفية مطالبة بغداد باستبدال سفير الرياض لديها إثر تصريحاته ضد فصائل شيعية.
تلك الحملة المسيئة للرياض، والتي قوبلت حتى الآن بالصمت الرسمي من قبل السعودية والعراق، اعتبرتها وسائل إعلام سعودية «حملة إيرانية منظمة قامت بها ميليشيات تابعة لها في بغداد»، متهمة في الوقت نفسه ميليشيات الحشد الشعبي (فصائل شيعية) بالوقوف وراءها.
وتشهد شوارع بغداد حملة دعائية كبيرة من خلال نصب صور بأحجام كبيرة تحمل اسم «الشجرة الـ….» تسيء للمملكة العربية السعودية. وفيما اكتفت القوات الأمنية بالقول إن «مضمون اللافتات لا يعنينا»، أعرب قيادي في «اتحاد القوى» السنية عن رفضه لها. ففي شوارع «فلسطين» و»البلديات» و»مدينة الصدر» و»الكرادة» و»اليرموك» و»المنصور» و»البياع» و»الحرية» في بغداد، وضعت لافتات وصور بأحجام تصل إلى ثلاثة أمتار، تسيء بمضمونها إلى السعودية وتصف الأسرة الحاكمة بالوصف الذي سبق وأطلقه المرشد الأعلى الإيراني، علي خامنئي، على آل سعود في كلمة له الأسبوع قبل الماضي، على خلفية مصرع حجاج إيرانيين خلال موسم الحج العام الماضي ومنع حجاج بلاده من هذه الفريضة هذا العام، فيما تلقي الرياض باللائمة على طهران في التسبب بذلك، وأنها تسعى «لتسييس الحج وتحويله لشعارات تخالف تعاليم الإسلام وتخل بأمن الحج والحجيج».
وقال شهود عيان من المواطنين في تلك المناطق في العاصمة العراقية إنهم شاهدوا مجاميع من الشباب يستقلون سيارات نقل كبيرة وهم يعملون على نصب هذه الصور في شوارع العاصمة، في ظل وجود القوات الأمنية من مرابطات الشرطة (نجدة الشرطة)، ونقاط التفتيش المشتركة (الجيش والشرطة دون تحرك).
وحول الجهة التي قامت بوضع الصور، وهل ممكن أن تسمح الحكومة العراقية بالإساءة إلى دول الجوار، قال الضابط هيثم شغاتي، الرائد في الفرقة 11 في الجيش العراقي: «وردتنا معلومات عن نية أشخاص في وضع لافتات في بعض شوارع العاصمة ضمن نطاق مسؤوليتنا التي تبدأ من جانب الكرخ وانتهاء بمنطقة التاجي شمالي العاصمة، وعند سؤال هؤلاء الأشخاص قالوا إنهم حصلوا على موافقة من جهات أمنية (رفض الكشف عنها) بنصب تلك الصور واللافتات».
وعن مضمونها المسيء للسعودية، قال شغاتي: «ليست لدينا صلاحية أن نحاسب عن مثل هذه الأمور، وعملنا يقتصر على التأكد من الحصول على موافقات من أي خرق يحدث في أي شارع أو منطقة تحت مسؤوليتنا الأمنية».
انتشار اللافتات والصور المسيئة للسعودية في شوارع العاصمة بغداد، سؤال يجيب عليه القـــيادي في «اتحاد القوى» السنية، ظافر العاني، الذي أعرب عن استغرابه للحادثة.
وقال إنه «بعد الافتتاح الرسمي للسفارة السعودية في بغداد ومباشرة سفيرها أول مهامه بعد قطيعة لسنوات طويلة خرجت مظاهرات كبرى قادتها بعض الأحزاب العراقية المرتبطة بإيران، ردا على تصريحات للسفير قيل إنها تخدش العراق وهو ذبيح واستدعي السفير إلى الخارجية العراقية احتجاجا وطالبت القوى السياسية بطرده وغلق السفارة».
وأضاف أن «إيران تريد العراق بلا أي شراكة مع أحد، حتى وإن قبلت شريكا ثانويا، فإنها سترفض أي تواجد عربي فيه، وتعرقل في نفس الوقت أي محاولة تبلور الهوية العربية فيه»، متسائلا باستنكار: «لماذا تتصرف طهران في بغداد هكذا؟».
وطلبت وزارة الخارجية العراقية من نظيرتها السعودية نهاية الشهر الماضي استبدال سفيرها لدى بغداد، ثامر السبهان، على خلفية اتهام الأخير لـ»ميليشيات عراقية مرتبطة بإيران بالوقوف وراء مخطط لاغتياله خلال تواجده في العراق».
وعقّب السفير السعودي على هذا الطلب بالقول إنه «جاء بضغوط إيرانية، وحتى تتجنب حكومة بغداد الإحراج بعد التهديدات التي تلقيتها بالقتل من ميليشيات موالية للحكومة العراقية».
وفي نيسان/أبريل 2015 عيّنت السعودية السبهان سفيرا لدى العراق، وذلك لأول مرة منذ أن انقطعت العلاقات بين البلدين عام 1991 عقب الغزو العراقي للكويت.
وطيلة الفترة الماضية التزمت السلطات السعودية الصمت حيال تلك الحملة المنتشرة في شوارع بغداد، غير أن قناة العربية الإخبارية التابعة لها قالت إن تلك الصور واللافتات المسيئة «حملة إيرانية منظمة على المملكة انتقلت إلى شوارع بغداد عبر ميليشيات مرتبطة بطهران».
وأضافت في تقرير لها عبر موقعها الإلكتروني أن «اللافتات حملت شتائم ورسوماً مهينة تحت اسم الأنشطة الإعلامية التابعة للحشد الشعبي»، مشيرة إلى أن «الحملة على السعودية هي جزء من معركة بدأها مرشد إيران علي خامنئي»، في إشارة إلى تصريحاته المسيئة للأسرة الحاكمة السعودية.
ولفتت القناة السعودية إلى أن «إيران شهدت في السابق مثل هذا النوع من الحملات ضد الدول العربية ومنها مصر حينما انتشرت لافتات في شوارع طهران تحمل صور خالد الإسلامبولي قاتل الرئيس المصري أنور السادات، غير أن هذه هي المرة الأولى التي تنقل فيها مثل تلك الحملات إلى العالم العربي عبر بغداد».
وانتقدت القناة الحكومة العراقية التي «لم تتدخل لوقف الحملة بل بقيت صامتة مع أن العلاقات العربية لم تشهد هذا النوع من الحملات حتى في أسوأ أوقاتها في عهد صدام حسين طوال 23 عاما حيث لم ترفع ولا مرة صور تهاجم السعودية».
يشار إلى أن العلاقات السعودية العراقية شهدت قطيعة في عهد الرئيس الراحل صدام حسين عقب قراره باجتياح الكويت عام 1990، وعادت تدريجيا عقب الإطاحة به عام 2003، ولكن لم يرتق الأمر إلى إعادة فتح السفارات إلا نهاية العام الماضي.
وتلتزم الحكومة في بغداد الصمت حيال تلك الحملة، فيما لم يتسن الحصول على تعقيب من مصادر رسمية عراقية لرفضها التعليق لحساسية الموقف.
وتعتبر إيران حليفا رئيسيا لحكومة حيدر العبادي الذي يعتمد عليها في تقديم الدعم اللوجستي والعسكري في حربها ضد تنظيم «الدولة الإسلامية».
وشهدت السعودية خلال الفترة الماضية هجوما «لفظيا» غير مسبوق، من قبل قادة إيران، جدد خلاله كل من الرئيس الإيراني حسن روحاني والمرشد الأعلى الإيراني،على خامنئي، اتهامهما للسعودية بمنع حجاج بلادهم من أداء الفريضة هذا العام.
بدورها، حملت الرياض، طهران، مسؤولية منع مواطنيها من أداء الحج هذا العام، وقالت وزارة الحج والعمرة السعودية، إن وفد منظمة الحج والزيارة الإيرانية، رفض التوقيع على محضر إنهاء ترتيبات حج الإيرانيين لهذا العام، مؤكدة «رفض المملكة القاطع لتسيس شعيرة الحج أو المتاجرة بالدين».
وتشهد العلاقات بين السعودية وإيران، أزمة حادة، عقب إعلان الرياض في 3 يناير/كانون الثاني الماضي، قطع علاقاتها الدبلوماسية مع الأخيرة، على خلفية الاعتداءات التي تعرضت لها سفارة المملكة، في طهران، وقنصليتها في مدينة مشهد، شمالي إيران، وإضرام النار فيهما، احتجاجاً على إعدام نمر باقر النمر رجل الدين السعودي (شيعي)، مع 46 مداناً بالانتماء لـ»التنظيمات الإرهابية».