هل يعود المالكي الى الحكم من جديد؟

آخر تحديث 2016-09-29 00:00:00 - المصدر: نقاش

 

الاسبوع الماضي ظهر وزير المالية هوشار زيباري في مؤتمر صحافي بعد ساعات على اقالته من منصبه في البرلمان، وقال ان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي يسعى الى اسقاط الحكومة العراقية عبر اقالة الوزراء لأسباب سياسية وليست مهنية.

 

زيباري هو ثاني وزير في الحكومة يقيله البرلمان خلال شهر واحد بعد وزير الدفاع خالد العبيدي، وتقود الحملة التي تجري لإقالة الوزراء كتلة نيابية جديدة سمت نفسها "جبهة الاصلاح" وتقول انها تسعى لتحقيق اصلاحات سياسية، ولكنها في الواقع تتبع اوامر المالكي الذي لا يمتلك أي منصب رسمي منذ أن خسر السلطة، لكنه ما زال يمتلك القوة والتأثير في العملية السياسية.

 

وعلى الرغم من فوز رئيس "ائتلاف دولة القانون" نوري المالكي في الانتخابات التشريعية التي جرت عام 2014 وحصل على المرتبة الاولى بحيازته (95) مقعدا نيابيا الا انه خسر البقاء في ولاية ثالثة كرئيس للوزراء.

 

واختارت الكتل السياسية زميله في حزب "الدعوة" حيدر العبادي كرئيس للوزراء، لكن المالكي اعترض بشدة وقال في كلمة تلفزيونية مشهورة بعد ثلاث ساعات من اختيار العبادي رئيسا للحكومة العراقية الخامسة يوم 12 اب (اغسطس) 2014 ان "اختيار العبادي خرق خطير للدستور، وسنصحح الخطأ حتما".

 

ومنذ ذلك الوقت يوجه المالكي انتقادات شديدة الى الحكومة، ويطلق تصريحات استفزازية ضد السياسيين السنّة والكرد، وبسبب ذلك انهارت كتلة "التحالف الوطني" التي تضم جميع الأحزاب الشيعية وتعرضت لانقسامات شديدة بين فريقين الاول مع المالكي والاخر ضده.

 

ولا يمتلك المالكي منصبا سياسيا رسميا مؤثرا، وهو الان نائب رئيس الجمهورية بلا صلاحيات بعدما  ألغيت منصب نواب رئيس الجمهورية، ولكنه ما زال يمتلك ثلاثة عناصر قوة يستخدمها للعودة الى الحكم، كتلة برلمانية كبيرة، تأييد الفصائل الشيعية، وعلاقته الوثيقة مع ايران.

 

كتلة نيابية متماسكة

في نيسان (ابريل) الماضي أعلن نحو 100 نائب تشكيل كتلة جديدة في البرلمان سميت باسم "جبهة الإصلاح" وهم نواب شيعة ضمن حزب "الدعوة" الذي يتزعمه المالكي وآخرون من أحزاب شيعية مثل "الفضيلة" و"بدر"، ونواب سنة انشقوا عن "تحالف القوى العراقية" السنية، بالإضافة الى نواب مستقلين اخرين.

 

الخلافات الداخلية بين الاحزاب العراقية الكردية والسنّية والشيعية خلقت فوضى في البرلمان، واستغل المالكي هذه الخلافات لتشكيل كتلة جديدة، وعلى الرغم من ان هذه الكتلة تشكل ثلث أعضاء البرلمان، الا ان الثلثين الآخرين لا يستطيعان الوقوف بوجه الكتلة الجديدة لأنهم منشغلون بخلافاتهم مع بعضهم.

 

أول قرار نجحت فيه هذه الكتلة هو طرد رئيس البرلمان سليم الجبوري من منصبه، ولكن الجبوري تمكن من العودة بعد وساطة مع المالكي، واقناع المحكمة الاتحادية بان الجلسة التي تم فيها التصويت لإبعاده من منصبه غير قانونية.

 

وازداد نشاط كتلة "جبهة الاصلاح" وبدأوا بالاعتراض على القوانين التي تطرح في البرلمان وتعطلت بسبب ذلك العديد من القوانين، بعد ذلك أطلقوا حملة جديدة ضد الحكومة عبر المطالبة باستجواب الوزراء وحتى رئيس الوزراء حيدر العبادي.

 

ثلاثة نواب معروفون بولائهم للمالكي تحركوا نحو الوزراء، وهم عالية نصيف التي كانت وراء إقالة وزير الدفاع خالد العبيدي الشهر الماضي، وهيثم الجبوري الذي كان وراء إقالة وزير المالية هوشيار زيباري، إضافة الى النائب حنان الفتلاوي التي تدافع عن المالكي في كل مناسبة وتسعى إلى استجواب العبادي.

 

تبين خلال الاسبوعين الماضيين ان رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي هو من يحرك هذه الكتلة الجديدة، رئيس البرلمان سليم الجبوري ذهب الى المالكي من اجل الحفاظ على منصبه، كما ان زيباري فعل الشيء نفسه، ولكن المالكي على ما يبدو لم يوافق على بقاء زيباري، وأيد اقالته لان زيباري ينتمي الى "الحزب الديمقراطي الكردستاني" بزعامة مسعود بارزاني، والعلاقة بين المالكي وبارزاني متوترة منذ سنوات كما هو معروف.

 

قال المالكي في بيان للرد على كلام زيباري: "اقبل الشتائم التي أتعرض لها ما دام الوزراء والمسؤولون الفاسدون تتم اقالتهم في البرلمان".

 

ولكن المفارقة ان المالكي عندما كان رئيسا للوزراء لثماني سنوات (2006-2014) عمل على إضعاف البرلمان، ورفض عشرات الطلبات من البرلمان لاستجواب وزراء متهمين بالفساد في حكومته، كما انه رفض الذهاب الى البرلمان واتهم النواب بالعمل على تعطيل الحكومة، ولكنه اليوم يؤيد البرلمان وينتقد الحكومة.

 

"جبهة الاصلاح" لن تتوقف عند حد إقالة العبيدي وزيباري، وتستعد لاستجواب مسؤولين آخرين كما تقول النائب عن الجبهة عالية نصيف، وتقول ان "البرلمان سيستمر في استجواب المسؤولين الفاسدين، وفي الايام المقبلة سنطلب حضور وزير الخارجية ابراهيم الجعفري ووزير الزراعة فلاح اللهيبي، ووزيرة الصحة عديلة حمود".

 

بينما اعلن عضو لجنة النزاهة النيابية عادل نوري ان النائبين حنان الفتلاوي وهيثم الجبوري يستعدان لاستجواب رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال الأسابيع القليلة المقبلة.

 

ولكن نواباً آخرين بدأوا ينتقدون حملة الاستجواب داخل البرلمان، وقالوا بان أهدافاً سياسية وشخصية تقف وراءها وليس ملاحقة الفساد الاداري والمالي، ويقول النائب عن كتلة "المواطن" حسن خلاطي لـ "نقاش" ان "الاستجوابات باتت تعتبر استهدافا سياسيا لتعطيل العمل الحكومي".

 

ايران والفصائل الشيعية

سعى المالكي منذ ان كان في الحكم على تقوية علاقته مع الفصائل الشيعية وخصوصا "عصائب اهل الحق"، وبعد هجوم "داعش" على العراق وظهور العشرات من الفصائل الشيعية الاخرى بعد تشكيل "الحشد الشعبي"، سعى ايضا الى تعزيز علاقته معها وخصوصا تلك المدعومة من إيران مثل منظمة "بدر" و"كتائب حزب الله" و"النجباء" و"عصائب اهل الحق" و"كتائب التيار الرسالي".

 

ويحرص المالكي على الحضور للاحتفالات التي تقيمها هذه الفصائل ويقوم بالدفاع عنها بقوة، كما انه بات يمتلك شعبية لدى مقاتلي "الحشد الشعبي"، بينما ينتقد هؤلاء المقاتلون رئيس الوزراء الحالي حيدر العبادي ويتهمونه بالضعف والعمل مع القوات الأميركية وعدم اهتمامه بقوات "الحشد الشعبي".

 

كما ان المالكي سعى الى تقوية علاقته مع ايران عندما حاولت الكتل السياسية التحقيق مع المالكي بخصوص صفقات فساد اداري ومالي اثناء فترة حكمه، والتقى مع المرشد الايراني علي خامنئي في اب (اغسطس) عام 2015 ليحصل على دعم كامل.

 

خامنئي اشاد بمواقف المالكي المؤيدة لمحور "المقاومة" في سورية والعراق، واعتبرها مواقف وطنية  واسلامية"، وبعد عودته الى العراق جرى استقبال حافل للمالكي في مطار بغداد من أعضاء حزبه.

 

هل يعود المالكي الى السلطة؟                                                   

هذه العوامل أصبحت ابرز ادوات قوة المالكي للمشاركة في الانتخابات المقبلة، وبدأ فعلا مفاوضات سرية لعقد تحالفات مع الفصائل الشيعية في الانتخابات للاستفادة من الشعبية والقوة التي حصلت عليها الفصائل المسلحة خلال الشهور الماضية.

 

كما ان هذه الفصائل تسعى الى شخصية سياسية معروفة للدخول في عالم السياسة لانها لا تمتلك خبرة فيها، بعد نجاح المالكي بإضفاء نوع من الكاريزما على شخصيته ساعدته بالحصول على صلاحيات ونفوذ سياسي كبير خلال سنوات حكمه.

 

ولكنه يواجه منذ سنوات تهمة التفرد بالحكم وتجاهل البرلمان واتخاذ القرارات السياسية والأمنية المهمة فرديا، وانتشار الفساد الاداري والمالي في الدولة، والاستحواذ على العديد من المناصب السياسية والهيئات المستقلة.

 

وخلال 8 سنوات من الحكم استغل المالكي السلطة وتجاهل البرلمان، وقام بطرد من يشاء من الوزراء وتعيين بدلاء عنهم من أعضاء حزبه، كما انه اختار قادة الجيش والشرطة من الموالين له، كما ان هجوم "داعش" على العراق وانهيار القوات الامنية العراقية جرت في عهده.

 

ويقول المحلل السياسي زياد احمد لـ "نقاش" ان "عودة المالكي الى الحكم صعبة، وحتى لو فاز في الانتخابات المقبلة فانه لن يضمن منصب رئيس الوزراء، لانه في الانتخابات الاخيرة فاز في المرتبة الاولى ولم يتمكن من البقاء في السلطة بسبب الفيتو الأميركي ضده".

 

ولكن الاوضاع في العراق والشرق الاوسط تغيرت كثيرا خلال العامين الماضيين، وكل الاحتمالات واردة بما فيها عودة المالكي الى السلطة، كما يقول احمد.

 

يسعى المالكي منذ اشهر الى إصلاح علاقته مع بعض الأحزاب السنية مثل "الحزب الاسلامي" الذي يتزعمه رئيس البرلمان سليم الجبوري، وأحزاب كردية مثل "الاتحاد الوطني الكردستاني" بزعامة جلال طالباني، مستغلا الخلافات الداخلية، ولكن الاخطاء والكوارث التي حصلت خلال سنوات حكمه ما زال العراقيون يتذكرونها جيدا.