هل ستأكل الحرب رواتب العراقيين ؟

آخر تحديث 2016-10-03 00:00:00 - المصدر: NEN عراق

قيمة رواتب الموظفين تصل في 2016 إلى 45 مليار دولار، بينما المتوقع ألا تستحصل الدولة من بيع النفط والاقتراض أكثر من 25 منها.

 

تحفل وسائل التواصل الاجتماعي برسائل الرهبة من مخاوف تقليص أعداد الموظفين، وإجبار شريحة كبيرة منهم للتقاعد أو الاستقالة، إذ لجأ بعضهم إلى البحث عن أبواب رزق جديدة في مشاريع صغيرة تعتمد على بيع مدخراتهم، فيما فضل البعض منهم الهجرة إلى الخارج بعد بيع بيوتهم واستثمارها في بيئة “آمنة” وفقا للمقولة المأثورة “رأس المال جبان” وواقع الدولة العراقية لا مجال للاستثمار فيه.
وينفي الدكتور مظهر محمد صالح المستشار الاقتصادي لرئيس الوزراء بصفته خبيرا اقتصاديا، أن تمس رواتب الموظفين بموجب قانون موازنة 2016.
لكن الدكتور هيثم الجبوري، عضو اللجنة المالية قال إن قيمة رواتب الموظفين تصل إلى 45 مليار دولار، والمتوقع من بيع النفط العراقي لن يصل إلى أكثر من 15 مليار دولار بما فيه تصدير النفط من إقليم كردستان، يضاف إليها مبالغ إضافية من القروض الخارجية وسندات الاقتراض الداخلية لن تصل إلى أكثر من عشرة مليارات دولار، وبالتالي فان الأزمة تبقى قائمة.
وكان وزير المال العراقي هوشيار زيباري قد أشار في مقابلة صحفية الى ان “عام 2016 سيكون عاما صعبا للعراق، وقال إن “عام 2015 كان صعبا، وتوقعاتنا في وزارة المالية تشير إلى أن هذا العام سيكون أصعب، لكن ليس العام كله، فقد يرتفع سعر النفط في شهر أيلول من هذا العام، مشيرا الى أن 90 في المئة من اقتصاد العراق يعتمد على النفط، لذا أجرينا حساباتنا لكي نعلم ما الذي سنفعله”.
وأوضح زيباري “في العام الماضي، نجحنا في توزيع الرواتب، لكن هذا العام ووفقا للتقديرات المتوفرة لدي، فإننا قد نتعرض إلى إشكالية في شهر نيسان/ابريل المقبل وقد لا نتمكن من توزيع رواتب الموظفين لذلك الشهر، وهذا واقع ويجب أن يعرفه الناس”.
ويرد الجبوري على هذه التصريحات بقوله “هذه حقيقة على الجميع إدراكها، وهناك عدة حلول قدمت من قبل مجلس النواب الى الحكومة لتفادي نسبة العجز الكبيرة المتوقعة في صرف رواتب الموظفين، أبرزها تفعيل القطاع الخاص، وبيع أملاك الدولة من العقارات والسيارات والعمل على نقل المخزن المالي المتواجد في منازل المواطنين والمقدر بحدود 25 مليار دولار الى البنوك من اجل تدوير العملة العراقية من قبل الدولة، لكن تبقى هذه الحلول بحاجة الى إجراءات حكومية مهمة للغاية لتدارك الأزمة”.
من جانبه، يرفض الدكتور مظهر محمد صالح أي حديث عن مساس موازنة 2016 برواتب الموظفين، وقال “الاقتصاد العراقي يشهد حربين، حرب النفط والحرب على داعش لذلك ظهرت موازنة 2016 بصورتها التقشفية وليس موازنة عجز أو إفلاس لان مثل هكذا وصف لا يتطابق مع الواقع”.
ويقول إن “أي حديث عن المساس برواتب الموظفين يقع ضمن أجواء الشائعات التي تطلق حينما يحرز العراق نصرا على داعش وما يجري من انتصارات كبيرة في صلاح الدين ومن ثم في الانبار، يؤكد أن الحديث عن المساس برواتب الموظفين خلال عام 2016 مجرد شائعات مغرضة” على حد قوله.
ويؤكد ان “التقشف مطلوب في مواجهة ضرورات اقتصادية مهمة وتفعيل الاقتصاد العراقي لا يكون بتقليص العجز من خلال تقليل الرواتب بل في بلورة آليات فعالة لتنشيط قطاعات إنتاجية مهمة للنهوض بالقطاع الخاص وهناك نية لتشكيل مجلس السوق لمحاكاة الانتقال عام 2030 الى اقتصاد السوق واعتبار عام 2017 البداية الحقيقية لفتح بوابة هذا الانتقال”.

خلفيات معقدة وحلول عاجلة

في المقابل يرى الدكتور ليث شبر رئيس المركز الإنمائي للطاقة والمياه، أن المشكلة مركبة ومعقدة ومتراكمة سواء اقتصاديا أو وظيفياً، وقال لـ”نقاش” انه منذ ثمانينات القرن الماضي والاقتصاد العراقي مبني على انتاج النفط وبيعه ويوما بعد يوم فقد العراق موقعه المتميز في الانتاج الزراعي ولم يستطع ان يطور صناعاته او حتى موارد اقتصادية اخرى مثل السياحة في مجالاتها كافة ولم يتغير الحال بعد 2003 اذ بقيت البلاد أحادية الاقتصاد خاصة مع ارتفاع اسعار النفط ما جعلها تعتمد على هذا المصدر بما يعادل 95 بالمئة من ميزانيتها”.
منوها الى ان الحكومات المتعاقبة قد أضافت تضخما جديدا للدولة بسبب زيادة الملاكات والعقود من دون الحاجة الحقيقية لأسباب انتخابية ولعدم قدرة هذه الحكومات توفير فرص عمل حقيقية من خلال سياسة اقتصادية تتناسب والواقع الذي يضمن مستقبلا مدروسا يتجاوز الأزمات ما جعل الدولة عبارة عن مستهلك عملاق ومنتج ضئيل يقارب الصفر.
وعد شبر هذا البون الشاسع “بين الاستهلاك والإنتاج هو في حقيقته أعراض مصاحبة لموت المجتمعات واحتضارها”.
واصفا عراق اليوم بأنه “دولة خاوية على مستوى التخطيط بسبب عدم الاعتماد على فلسفة اقتصادية تقود البلاد وعلى مستوى الإيرادات بسبب اعتمادنا على النفط في موازناتنا وبسبب التضخم الوظيفي ولذلك سيكون من الصعب جدا النهوض بهذه الأعباء المالية الكبرى خاصة مع موازنة تشغيلية عالية جدا لا تغطيها الواردات النفطية”.
هذا الواقع المثير للتساؤلات عند شريحة الموظفين، الأكبر في نوعها، بحاجة الى حلول عاجلة، تجدها الدكتورة سلام سميسم لا تتطابق مع معايير حقوق الإنسان، وقالت يمكن للحكومة “تقليص عدد الموظفين بحكم كونها تمثل رب العمل المتعاقد مع العاملين ولكن تبقى هنالك قوانين العمل وضوابط حقوق الإنسان في احقية كل فرد في الحصول على عمل، ولو ان هذا الجانب غير مفعل في العراق”.
موضحة “للدلالة على ذلك أورد ان من حق كل فرد أن يقاضي دائرته التي يعمل فيها إذا ما تأخر دفع أجرته الشهرية ولكننا الآن نجد ان الرواتب تتأخر بصورة دائمة ولعموم الموظفين ولا اعتراض من لدن احد لا المنظمات الإنسانية ولا مفوضية حقوق الإنسان ولا حتى الموظفين أنفسهم، وعلى سبيل المثال ان الراتب اذا صرف في أربعين يوما بدلا من ثلاثين، تكون الدولة قد دفعت تسع رواتب في العام الواحد بدل اثني عشرة راتبا”.
ويؤكد ماجد ابو كلل، ‏رئيس الهيئة الإدارية‏ لدى ‏مركز ذر للتنمية‏ على أن “الحلول لن تكون سريعة و لن تكون سهلة، على الحكومة اليوم ضغط النفقات وترشيدها بداية وعليها إيقاف تهريب العملة الصعبة من خلال مزاد الحوالة الخارجية للبنك المركزي العراقي ووضع نظام جديد يمنع هذا التهريب كما عليها أن تبادر الى تنشيط الاقتصاد الخاص العراقي من خلال منع استيراد المنتجات الأجنبية بشكل تدريجي والمهمة الأصعب هي معالجة ظاهرة الفساد المستشري في دوائر الدولة”.
وشدد على ان هناك واجبا وطنيا يقع على عاتق النخب المدنية يجب ان تقوم به وكلما سارعت الى انجازه في وقت مبكّر كان أفضل.
وأوضح “يتمثل هذا الواجب في إعداد مستلزمات التغيير الإيجابي الذي يمكن أن يساعد النخب المدنية في النجاح في إنقاذ العراق من خلال تغيير حاله وهذا ممكن ومتوقع في حالة استثمار تغير قناعات الشارع العراقي وفي حالة نضج النخب المدنية سياسيا وتنظيم حراكها على المستوى الوطني والدولي بحيث تطور مشروعها الاحتجاجي الحالي الى مشروع يمتلك رؤية سياسية متكاملة تعتمد المبادرة وتجعل من مصالح العراق العليا هدف تسعى إليه”.
وعن رد فعل المجتمع المدني العراقي، يؤكد ابو كلل أن مؤسسات المجتمع المدني والناشطين المدنيين في العراق خلال الفترة الماضية قد اثبتوا قدرتهم على تنظيم الاحتجاجات والتظاهرات والاستمرار بها لإيصال الصوت المدني غير المتحزب وغير المحسوب على طائفة أو عرق معين”.
ويجد فشل الأحزاب السياسية (الطائفية) الحاكمة قد ادى بالعراق الى الأزمات المتتالية وعلى مختلف الصعد والمستويات دفع القوى المدنية من ناشطين ومؤسسات الى التصدي والظهور بشكل علني وواضح لقيادة الشارع المحتج وبالتالي دفع عدد من الناشطين المدنين الثمن من خلال تعرضهم إلى التهديد والاعتقال وحتى الخطف والقتل.
وأضاف ان “الحقيقة المؤلمة التي لا بد من الاعتراف بها هي ان النخب المدنية التي خرجت في الاحتجاجات والتظاهرات والتي كتبت وتكتب لتشخيص حالات الفساد وأسبابه والفشل في الأداء الذي تتصف به اجهزة الحكومة المختلفة، هذه النخب لا تملك مشروعا إصلاحيا متكاملا يمكنها في حالة فتح القنوات المطلوبة لتنفيذ رؤيتها على سبيل الافتراض من قيادة العراق الى بر الأمان و تغيير حالة الفشل الى حالة من النجاح”.
وعبر عن قناعته بأن “هذه النخب المدنية ستفشل حالها حال اي جهة او حزب يتمكن من الوصول الى السلطة في العراق بسبب المنظومة التشريعية والإدارية والسياسية السائدة حاليا”.
العائلات العراقية تبحث اليوم عن حلول سريعة لأوضاعها المعيشية في ضوء هذه المتغيرات، وهذه المشكلة التي تكبر أثناء التعاطي مع حاجات الحياة اليومية ما بين فواتير الجامعات الأهلية وخطوط نقل الطلاب وأجور مولدة الكهرباء والقيمة الباهظة للعلاج في المستشفيات الأهلية وبطاقات الاشتراك في خدمة الانترنت والموبايل، ناهيك عن الارتفاع المتوقع للمواد الغذائية، فالدولة غير قادرة على ضبط أسعار السوق في ضوء الموازنة التقشفية وهو ما سيجعل الأوضاع اكثر صعوبة.

المصدر / ميدل ايست أونلاين