هل يستفيد الارهابيون من قانون "العفو العام"؟

آخر تحديث 2016-10-05 00:00:00 - المصدر: نقاش

 

مفاوضات صعبة دامت ست سنوات انتهت في 25 اب (اغسطس) الماضي باقرار قانون "العفو العام" الذي تبنته القوى السياسية السنية لاطلاق سراح ابرياء اعتقلوا لاسباب طائفية منذ سنوات، ولكن ثغرات خطيرة برزت الان في القانون مع الشروع في تطبيقه.

 

ووفقا للدستور العراقي تقدم الحكومة مشاريع القوانين الى البرلمان، وسلم رئيس الوزراء حيدر العبادي قانون العفو العام الى البرلمان في حزيران (يونيو) الماضي ويتضمن 8 بنود، ولكن البرلمان اجرى تعديلات واسعة على القانون ليصبح 16 مادة، تضمنت استثناءات كثيرة لمجرمين متهمين بالارهاب ومدانين بالفساد الاداري والمالي واختلاس اموال الدولة.

 

ما قام به البرلمان ازعج الحكومة بشدة، وقال العبادي بعد يومين على اقراره ان "البرلمان أضاف على قانون العفو العام فقرات إجرامية"، واضاف "الحكومة استثنت كل جرائم الاختطاف من العفو، لكن البرلمان غيرها.. قبل ايام داهمت قواتنا الأمنية مكانا عثروا فيه على أطفال مختطفين، سيطلق سراح الخاطفين في القانون الجديد".

 

العبادي قرر قبل ايام ارسال تعديلات جديدة على القانون، ولكن البرلمان سيعرقل هذه التعديلات، وسيماطل النواب شهورا لمناقشتها.

 

البرلمان لم يخالف الحكومة فقط، وانما خالف القضاء العراقي وتجاهل اعتراض الهيئة القضائية العليا في البلاد على فقرات القانون، اذ تجاوز البرلمان على السلطة القضائية، بينما يقول الدستور العراقي في المادة (47) ان "السلطات الاتحادية تتكون البرلمان والحكومة والقضاء، وتمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات".

 

الاسبوع الماضي تسربت وثيقة مهمة صادرة من القضاء العراقي يعود تاريخها الى ما قبل خمسة ايام من اقرار القانون في البرلمان، وتقول الوثيقة ان "رئيس البرلمان سليم الجبوري زار مجلس القضاء الاعلى لمناقشة قانون العفو، واعترض القضاة على مشروع القانون"، ولكن البرلمان تجاهل ذلك واقر القانون دون اكتراث بالملاحظات القضائية.

 

ثغرات قانونية خطيرة

تقول المادة (1) من القانون "يعفى عفوا عاما عن العراقي المحكوم بالإعدام أو السجن مدى الحياة او اي احكام سجون اخرى، سواء كان المتهم مسجون فعلا او هارب"، وتشترط المادة (3) لاطلاق سراح هؤلاء المتهمين موافقة الضحايا او ذويهم.

 

وهذا يعني ان مصير هؤلاء المتهمين سيكون بيد مواطنين هم ضحايا او ذوي الضحايا بدأو فعلا بالخوف بعد اقرار القانون، لانهم اذا قرروا عدم التنازل عن حقهم في المحاكم سيخشون على حياتهم لان غالبية المتهمين هم ارهابيين مرتبطين بشبكة واسعة من الاتباع وقد يعملون على تهديد حياة الضحايا اذا لم يتنازلوا عن حقهم.

 

المادة (4) تتضمن 13 استثناء من القانون، في الفقرة (2) منها تقول ان "الجرائم الارهابية التي انتجت قتل اشخاص او عاهة مستديمة او جريمة تخريب مؤسسات الدولة ومحاربة القوات المسلحة غير مشمول في قانون العفو"، وذلك يعني ان الارهابي الذي فشل في انجاز مهمته وتم اعتقاله قبل تنفيذ الجريمة سيطلق سراحه بموجب القانون، والارهابي الذي فخخ سيارة ملغمة وانفجرت ولم تسفر عن ضحايا سيطلق سراحه.

 

نفس الشئ في الفقرة (6) التي تسمح باطلاق سراح المتهمين بجرائم الاختطاف اذا لم تسفر عن موت المختطف او احداث عاهة مستديمة، ولكن النسخة التي قدمتها الحكومة والقضاء لم تتضمن هذه الفقرة.

 

المتهمين بالفساد الاداري والمالي كانت لهم حصة من قانون "العفو العام"، بينما يكابد العراق من اجل القضاء على ظاهرة الفساد الاداري والمالي، في الفقرة (10) سيتم اطلاق سراح المتهمين بجرائم سرقة اموال الدولة والمتهمين بالفساد الاداري والمالي اذا قام المتهم بتسديد ما بذمته من اموال.

 

والمشكلة ان المتهمين بالفساد في الغالب هم مسؤولين كبار قد يتحايلون لتقليل حجم الاموال التي سرقوها، واعادة جزء منها الى الدولة مقابل اطلاق سراحه فيما سيتنعم بباقي المبالغ التي سرقها دون الخوف من العقوبة.

 

والفقرة (13) تسمح باطلاق سراح الذين قاموا بتزوير وثائق رسمية للحصول على وظيفة او امتيازات مالية من الدولة، ولكن النسخة الحكومية والقضاء لم تتضمن هذه الفقرة.

 

ومن اكثر القضايا المثيرة للجدل هي المادة (6) التي تسمح للسجين المدان بتهم ارهابية او جنائية وقضى في السجن ثلث فترة محكوميته ان يقدم طلبا الى القضاء باستبدال الفترة المتبقية من السجن مقابل مبلغ مالي قدرة 10 الاف دينار عراقي (8 دولار) عن كل يوم، وغالبا ما يكون هؤلاء المجرمون يمتلكون اموال طائلة ويمكنهم الافلات من العقوبة بسهولة.

 

تقول النائب عن "ائتلاف دولة القانون" عواطف نعمة لـ "نقاش" ان كتلتها النيابية قدمت طعن بالقانون، "لاننا نخشى من خروج ارهابيين من السجون، سيتمكن المجرمون من دفع اموال مقابل خروجهم من السجن، انها مكافأة للارهابيين وسارقي الاموال من الدولة".

 

ولكن المشكلة الاكبر تكمن في ان قرار اطلاق سراح هؤلاء واعادة المحاكمات ستكون من صلاحية لجنة تضم ممثلين عن القضاء ووزارات العدل والداخلية والشؤون الاجتماعية، وهذه اللجنة قد تتعرض للتهديد للموافقة على قبول طلب المجرمين باستبدال عقوبة السجن، او حصولها على رشاوى مالية.

 

وتشكك المادة (7) من القانون في نزاهة القضاء، وتقول ان القضايا التي يرفض القضاء شمولها بقانون العفو، تسمح للمتهمين اعادة المحاكمة لدى محكمة التمييز والاستئناف لمرات عدة.

 

رئيس كتلة "الفضيلة" في البرلمان عمار طعمة يقول لـ "نقاش" ان "اخطر النصوص في القانون هي اعادة محاكمة المجرمين من قبل لجنة قضائية لها حرية اتخاذ القرارات، وهذا الامر يهدد القضاة لانهم ربما قد يتعرضون للتهديدات اوالضغوط السياسية".

 

ويضيف ان "صياغة القانون غامضة وغير واضحة وتعطي تفسيرات عديدة، بينما يجب ان تكون القوانين المتعلقة بالجرائم واضحة ومفهومة حتى لا يساء تطبيقها، وهذا الامر يضر بالامن والاستقرار في المجتمع".

 

وتتحدث المادة (10) عن السجناء المتهمين بقتل جنود اجانب في العراق، وسيتم اطلاق سراح كل من ارتكب جريمة قتل ضد عناصر القوات الاجنبية المحتلة لغاية عام 2011، ما يعني ان عناصر الفصائل الشيعية التي قتلت مئات الجنود الاميركيين والبريطانيين لن يتعرضوا للعقوبة.

 

ولكن النائب عواطف نعمة تقول ان الفصائل الشيعية التي كانت تقاتل فقط القوات الاجنبية ولم تستهدف المواطنين العراقيين من الممكن اطلاق سراحهم، ولكن القانون لم يحدد هذه الفصائل، ولهذا فان عناصر في التنظيمات الجهادية المتطرفة مثل "القاعدة" المتهمين بقتل جنود اميركيين سيطلق سراحهم ايضا.

 

ومن النقاط الاخرى المثيرة للجدل ما جاء في المـادة (14) التي تقول "بعدم تطبيق اي نص قانوني يتعارض مع هذا القانون"، وهذه المادة تعتبر خرق واضح للاعراف القانونية، فالدستور هو اعلى سلطة في الدولة، كما تقول المادة (13)  منه: "يعد الدستور القانون الاسمى والاعلى في العراق، ويكون ملزما في انحائه كافة، ولا يجوز سن قانون يتعارض مع هذا الدستور، ويعد باطلا كل نص قانوني آخر يتعارض معه".

 

الخبير القانوني طارق حرب يقول لـ "نقاش" ان "بعض فقرات هذا القانون خطيرة، كان يجب ان يشمل قضايا محددة، ولكن البرلمان قرر اعادة محاكمة جميع المجرمين في السجون المتهمين بقضايا الارهاب والاغتصاب والقتل والسرقة".