الكاتب / حامد عبد الحسين الجبوري
قبل سقوط الاتحاد السوفيتي كان هناك قطبين يترأسان العالم، وكان التنافس ما بينهما في تزايد لإزاحة القطب المنافس والاخذ بزمام قيادة العالم، لكن وبفعل الحرب الباردة التي أدت الى سقوط الاتحاد السوفيتي في التسعينيات وفوز الولايات المتحدة الامريكية بأحادية القطب العالمي، وعلى الرغم من فوز الولايات المتحدة بإدارة العالم، إلا ان هناك محاولات كانت ولا تزال تبحث عن ايجاد قطبية منافسة للولايات المتحدة.
بريكس
هو تكتل سياسي اقتصادي، ترجع جذور انشاءه الى عام 2006، عندما اجتمع وزراء خارجية الدول الاربعة (البرازيل، روسيا، الهند، الصين) في نيويورك على اثر اجتماع للجمعية العامة للأمم المتحدة، وكان يطلق على هذه الدول بريك BRIC ” “، ولكن بعد انضمام جنوب افريقيا الى هذه الدول في عام 2010، اصبحت تسميته ” BRICS”، هذه التسميه جاءت من الاحرف الاولى لأسماء الدول المكونة لهذا التكتل وهي كل من البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب افريقيا.
يمتلك تكتل بريكس امكانات بشرية ومادية كبيرة، تؤهله ليبرز كقطب عالمي منافس لقطبية الولايات المتحدة الامريكية، بل ويحتل الصدارة في قيادة العالم، ويجعل الولايات المتحدة الامريكية في المرتبة الثانية ولربما اكثر من الثانية في حال بروز تكتل او دول اخرى، كما استطاعت امريكا من ازاحة الارض التي لا تغيب عنها الشمس” “بريطانيا ” آنذاك القيادة، إذ تشكل مساحة ارض تكتل بريكس اكثر من ربع مساحة العالم و اكثر من 40% من عدد سكانه، وان حجم الناتج المحلي الاجمالي لبريكس يشكل اكثر من ربع الناتج المحلي الاجمالي العالمي، ويمتلك اكثر من 40% من حجم انتاج مصادر الطاقة العالمي، اضافة الى 15% من حجم التجارة الخارجية، وان اعضاءه تمتلك اكبر احتياطي نقدي في العالم باستثناء جنوب افريقيا.
كما يتمتع هذا التكتل بمناخ استثماري جيد بحيث استطاع ان يكون حاضنة للاستثمارات الاجنبية، هذا ما كشف عنه تقرير الاستثمار العالمي لعام 2015 عندما شكلت الاقتصادات النامية نصف عدد العشرة الاوائل المستفيدين من الاستثمار الاجنبي المباشر في العالم، وهم الصين وهونغ كونغ (الصين) وسنغافورة والبرازيل والهند. ويضم تكتل بريكس اكثر من 20% من الاستثمارات العالمية بعد ان كانت 6% قبل عشر سنوات، ويمثل مستثمر مهم بالنسبة للدول الاخرى، اذ يشكل 9% من مجموع الاستثمار العالمي، مقابل 1 في المائة قبل عشر سنوات.
هذا ما دفع العديد من الخبراء الاقتصاديين ان يتوقعوا ان هذا التكتل سيحتل الصادرة في قيادة العالم واحداث التوازن في اغلب المجالات وخصوصاً المالية والاقتصادية والسياسية ما بين عام 2030 وبين 2050.
فهو تكتل مُضاد ومناوئ للقطبية الامريكية التي تستأثر بإدارة العالم حالياً، يهدف الى انشاء نظام عالمي جديد قائم على التوازن الاقتصادي الدولي، وانهاء سياسة القطب الواحد وهيمنة الولايات المتحدة على السياسات النقدية والمالية العالمية التي تدار من قبل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي على اساس التصويت الذي تتحدد نسبه بناءاً على حصة المساهمة لكل بلد في راس مال الصندوق والبنك الدوليين، وبما ان الولايات المتحدة الامريكية هي اكبر المساهمين في رأسمال كل منهما، فهي تملك حصة الاسد في التصويت على قرارات الصندوق والبنك الدوليان -حيث تمتلك نسبة 17.08% من حق التصويت في الاول و16% من حق التصويت في الثاني- وبالتالي فان اي قرار او سياسة عالمية تتخذ في هذين المؤسستين لم يخرجا الى الواقع ما لم توافق الولايات المتحدة على ذلك القرار او تلك السياسة، وهذا ما يعني انها صاحبة الهيمنة على العالم.
كما يهتم في تحقيق تكامل اقتصادي وجيوسياسي بين الدول الخمس المنضوية في عضويته، وتنمية البنى التحتية في بلدان المجموعة والبلدان النامية، وتحقيق آليات مساهمة فعالة بين الدول الخمس في وقت الأزمات والتدهورات الاقتصادية بدل اللجوء إلى المؤسسات الغربية. ويسعى الى إيجاد طريقة فعالة لمنح وتبادل القروض بين دول المجموعة بشكل لا يؤثر ولا يحدث أي خلل اقتصادي لأي من دول المجموعة رغم مساعدة الدولة المتضررة. إلى جانب تعزيز شبكة الأمان الاقتصادي العالمية بالنسبة لتلك البلدان وتجنيبها ضغوط الاقتراض من المؤسسات الغربية وتكبيلها بالفوائد.
بديلان للبنك والصندوق الدوليان
احد الخطوات المهمة التي لجأ تكتل بريكس لإنشائها في القمة السادسة له في 15يوليو 2014 هي مصرف مالي دولي برأس مال مبدئي قدره 100 مليار دولار ويستهدف الاستثمار في البنى التحتية للدول الاعضاء والدول النامية، واصبح موقعه في شنغهاي الصينية بعد ان عارضت الهند على موقعه، وكان من المقرر تسميته ” بنك التنمية لدول بريكس” إلا انه سُمي بـ” بنك التنمية الجديد” ليكن بإمكان الدول الاخرى المشاركة برأس المال، وباشر عمله في منح القروض للدول الاعضاء وكان قدرها 811 مليون دولار في مجال الطاقة المتجددة، وهو يقابل البنك الدولي.
وتم التوقيع على اتفاقية بناء احتياطات مالية طارئة قدرها 100 مليار دولار باسم صندوق بريكس، الذي يكفل للدول الاعضاء توفير الدولار في حال واجهت احدى الدول الاعضاء مشاكل في السيولة الدولارية، ويكون بمثابة صمام الأمان الذي يمكِّن دول المجموعة من مواجهة تقلبات أسواق المال والعملات، وهو يقابل صندوق النقد الدولي.
ان الهدف منهما هو حث البنك الدولي وصندوق النقد الدولي على التحرك قدماً في اجراء اصلاحات الحصص التصويتية فيهما، فبنك التنمية الجديد يعمل على النهوض بواقع البنى التحتية للدول الاعضاء والدول النامية، في حين يعزز صندوق احتياطيات الطوارئ (صندوق بريكس) قدرة البنوك المركزية على مواجهة السياسات السلبية التي قد تمارسها المؤسسات الدولية ضد الدول الاعضاء لبريكس، ولهذا وغيره تقول رئيسة البرازيل السابقة روسيف التي تترأس البريكس بعد الهند، ان بنك بريكس وصندوق الاحتياطيات خطوتان مهمتان لإعادة تشكيل البنيان المالي العالمي.
ومما تجدر الاشارة اليه هو مادام هذا التكتل يسعى ليحتل دوراً مهماً على المستوى العالمي، فضلاً عن قيادة العالم، وخصوصاً في مجاليً الاقتصاد والسياسة، فإن هناك تأثيراً بلا شك سواء كان سلبيا أم ايجابيا وبشكل مباشر أم غير مباشر، سينعكس على العالم برمته والدول العربية لا تستثنى من ذلك التأثير وهذا ما نلاحظه عندما دعت الهند لإنشاء صندوق خاص بإعادة اعمار سوريا. ومن المتوقع ان يكون ذلك التأثير ايجابيا اكثر مما هو سلبيا لسببين:
الأول- في ظل حالة الصراع على ادارة العالم تكون هناك حالة من التنافس ما بين القطبين على ادارة العالم، فالقطب المسيطر على العالم حالياً -الولايات المتحدة الامريكية- يسعى للحفاظ على هذه السيطرة من خلال تغيير سياساته وخططه المتبناة في ظل عدم وجود المنافس، الى سياسات وخطط اخرى توائم مرحلة التنافس، أي التحول من الرأسمالية المنفلتة كما يسميها الاقتصادي العراقي فؤاد قاسم الامير، الى الرأسمالية المعتدلة، من اجل عدم خروج السيطرة العالمية من تحت يدها.
والثاني- في حال تبوء بريكس قيادة العالم، فان اهدافه التي وُضع من اجلها هي خير دليل على ان الاثار التي ستترك تكون ايجابية، إذ هو يسعى لتفادي سلبيات السياسات الاقتصادية والمالية الدولية التي تنشأ من المؤسسات الدولية والعمل على اصلاحها بشكل حقيقي لتحقيق التوازن الاقتصادي الدولي. ففي خطوة لتفادي مخاطر الاعتماد على الدولار كعملة رئيسة لتسوية المعاملات الدولية، دخلت الصين بعد الازمة المالية لعام 2008، في اجراء تسويات التجارة البينية مع جيرانها في المحيط الاقليمي على اساس العملات المحلية، والتمهيد لدخول عملتها ضمن العملات الدولية وهذا ما حصل بالفعل في 1 اكتوبر 2016 عندما اضاف صندوق النقد الدولي اليوان الصين الى سلة عملات حقوق السحب الخاصة إلى جانب العملات الأربع المدرجة من قبل – وهي الدولار الأمريكي واليورو والين الياباني والجنيه الاسترليني.
ومن المتوقع ان يشرع هذا التكتل في تكوين الكثير من المؤسسات التي تهتم بالشؤون العالمية وخصوصاً الطاقة والامن والمناخ، لزيادة دوره واهميته على المستوى العالمي وازاحة السيطرة الغربية على العالم شيئاً فشيئاً، وعلى الراغم من كل الايجابيات التي يمكن ان توائم ما يصبوا الى تحقيقه تكتل بريكس إلا ان هناك بعض التحديات التي تواجهه كالإرهاب والهجرة الدولية والاهم من ذلك هو نزاع الغرب من اجل عدم التفريط في القيادة العالمية.
المصدر / مركز الفرات للتنمية والدراسات الاستراتجية
مرتبط