Sat, 05 Nov 2016 09:54:31
حمزة مصطفى
بعد العاصفة الترابية التي انعشت امال داعش بالموصل من منطلق ان الله بعث هذه العاصفة الشبيهة بعاصفة معركة الاحزاب في صدر الاسلام ومن ثم نزول المطر الذي غسل غبار العاصفة واصبحت سماء الموصل زرقاء صافية لم يكن متوقعا من زعيم تنظيم داعش الارهابي ابو بكرالبغدادي اكثر من هذا الخطاب الذي هو بكل تاكيد الخطاب الاخير له وهو يرى بام عينينه ما زعم انها "دولة خلافة" تتهاوى تحت وابل ضربات القوات العراقية.صحيح ان الجيش العراقي ثأر لكرامته بعد ما عدت هزيمة له فيما عرف بنكسة حزيران العراقية عام 2014 لكن الامر لم يقف عند حدود الانتقام من قبل الجيش العراقي وهو امر مشروع حتى بالسياقات العسكرية وسبق للجيش المصري ان فعله حين ثار بحرب تشرين عام 1973 لهزيمته في حزيران عام 1067 لكن المسالة على صعيد العراق تعدت ذلك بحدود لجهة ما كان يعد حواضن مؤيدة لداعش في المحافظات الغربية.
فمن يتامل خطاب البغدادي الذي دعا فيه اتباعه الى البقاء في الموصل والموت فيها من منطلق ان البقاء فيها حتى لو ادى الى موتهم جميعا هو اهون بكثير من خروج سيسبب لهم هزيمة منكرة. ان تامل ذلك يكفي وحده دليلا على شعوره المسبق بالهزيمة ولكنه اراد معالجة الهزيمة المادية لعناصره بهزيمة اقسى وهي الهزيمة المعنوية من خلال دعوتهم لعدم الانسحاب وهو ما يعني ان ماجهزه داخل الموصل من قوات تعد بنحو اكثر من فرقتين خصوصا ان مقاتلي داعش كانوا قد اخرجوا عوائلهم من داخل الموصل وهو مايعني شعورهم المسبق بالهزيمة. ولذلك جاءت دعوة البغدادي للبقاء تحمل طابعا انتقاميا مرتين .. مرة من الدواعش الذين وان اخرجوا عوائلهم فانه يتوجب عليهم هم مواجهة الموت في الموصل وعدم الانسحاب لان الانسحاب في كثير من الاحيان وفي معظم الحروب في حال اختلال موازين القوى يعد موقفا ايجابيا حتى لو خسر الطرف المنسحب الحرب حيث يمكنه بعد فترة اعادة بناء قواته من جديد. ومرة اخرى من اهالي الموصل الذين بات يرى البغدادي انهم "خذلوه" حين لم يبايبعوه او يقفوا الى جانبه وحتى من بايعه او اوحى له انه يفف الى جانبه فان الايام اثبتت انه كان مجبرا وان اول فرصة سنحت له بعد دخول الجيش او وصوله على الاقل عند اطراف الموصل انقلبت الاية وهو مابات يلمسه البغدادي بنفسه.
اذن لا غرابة في ان يعبر البغدادي عن هذا الموقف الذي يعتبر خطاب هزيمة مذل بكل المعاني والمقاييس مع شعور فارغ بالغطرسة لانه ومن خلال دعوته للموت في الموصل لايزال يوهم نفسه ان ما يقوله بمكن ان يجد له اذانا صاغية وهو امر بات مستحيلا. المسالة الاخرى بالغة الاهمية على صعيد خطاب البغدادي وهزيمته المسبقة في الموصل هي العلاقة الملتبسة اصلا بين داعش والقاعدة. فمن المعروف ان داعش وان كانت وليدا شرعيا للقاعدة او نسخة اكثر قذارة منها لكن زعيم القاعدة ايمن الظواهري يرى ان داعش ابن عاق للقاعدة بل وغير معترف به بسبب اختلاف منهج كل منهما لاسيما على صعيد الالويات او مايعرف في ادبياتهما المشتركة .. العدو القريب والعدو البعيد.
وبرغم ان القاعدة تفتخر بمنجزها المتمثل في احداث الحادي عشر من ايلول عام 2001 فان داعش تفتخر بما تعتبره المنجز الاهم وهو اعلان "الدولة الاسلامية" بعد احتلال اراض شاسعة من سوريا والعراق والتي اختزلت باسم "داعش". ومن المعروف ان القاعدة لم تعترف بهذه "الدولة" المزعومة لاسيما بعد ان بدات تحصد مؤيدين لها هنا وهناك قبل ان يغير العراقيون جيشا وحشدا شعبيا وشعائريا وتاييدا جماهيريا المعادلة تماما ويبداون بقضم الاراضي التي احتلتها داعش واخرها الموصل حيث المعركة الاخيرة. ومع المعركة الاخيرة جاء الخطاب الاخير للبغدادي الذي فيه دعوة صريحة للانتقام مما كان يعده حاضنته ضد الروافض وهم السنة واذا به يدعو للانتقام منهم لانهم باتوا راس النفيضة في القتال ضده.
ومن لايزال يؤمن بـ"دولة العراق الاسلامية" من ساكني الفنادق فان عليهم التوجه بالنداء لابي بكر البغدادي بان يمدد اقاماتهم بتلك الفنادق من خلال البحث عن ذريعة اخرى بعد ان سقطت كل اوراق التوت ولم يعد ما يمكن الدفاع عنه.