ميشيل حنا الحاج: الصراع بين دهاء بوتين ودهاء أردوغان والفائز فيه حلب الشرقية محررة من المعارضة

آخر تحديث 2016-12-04 00:00:00 - المصدر: راي اليوم

ميشيل حنا الحاج

هذا مشروع لسيناريو محتمل، لكنه سيناريو يبدو وكأنه يلامس الواقع والحقيقة.

 فالرئيس التركي اردوغان استطاع أن يستخدم ذكاءه في استدراج دول الخليج لاشعال تمرد مسلح في سوريا، مستخدما في اقناعهم، الضرب على الوتر الحساس لديهم، وهو احباط مشروع الهلال الشيعي المزمع انشاؤه، كما صوره لهم، انطلاقا من ايران مرورا بالعراق وصولا الى سوريا وربما لبنان أيضا. ولمزيد من التشجيع، وعدهم بفتح حدوده على مصراعيها، لتمكين تلك الدول وخاصة السعودية، من تمرير السلاح والأموال للمتمردين، لتعزيز قدرتهم على النجاح في مهمتهم الساعية لاسقاط النظام السوري ورئيسه، تمهيدا لتحقيق هدف اضافي وهو نشر الوهابية في سوريا. وهكذا نجح أردوعانردوغن في تجديد المواجهة بين السعودية وايران في حرب بالوكالة على الأراضي السورية.

ولكن أمرا ما فاجأ أردوغان، وهو أن الولايات المتحدة، رغم ملاحظتها أن تلك الحرب اللامعقولة التي نشبت هناك، قد تحولت تدريجيا في خضم نيرانها المشتعلة، الى آلة لتفريخ الارهابيين…وجدت فيها الوضع الملائم لتنفيذ مشروعها القديم الجديد، وهو الشرق الأوسط الجديد لكن بثوب جديد، عبر تقديم الدعم لتحقيق أمنية شعب في الاستقلال هو الشعب الكردي، لكنه يفرز في النتيجة اقتطاع أجزاء واسعة من أراضي سوريا والعراق وايران وتركيا، دون أن تتهم الولايات المتحدة بأنها تجزىء دولا الى ولايات، خلافا للقوانين الدولية، ودون رغبة شعوبها. فشروع الحليف الأميركي بتنفيذ هذا المشروع، يتناقض مع الاستراتيجية الأردوغانية المعادية للأكراد، وخصوصا أكراد سوريا المؤازرين لل بي كي كي PKK- أكراد تركيا.

وهنا تفتق الدهاء الأردوغاني، كما يقول واضعو السيناريو، عن خطة تضطر الولايات المتحدة لوضع مشروعها ذاك جانبا ولو لفترة من الزمن، نتيجة نشوب خطر طارىء على حليفها الرئيسي في حلف شمال الأطلسي: أنه الحليف التركي الذي بات فجأة يواجه الخطر الروسي، العدو اللدود للولايات المتحدة ولحلف شمال الأطلسي، نتيجة قيام الطائرات التركية باسقاط طائرة روسية بذريعة كونها قد اخترقت الأجواء التركية، مما أغضب روسيا ودفعها لاعلان عدائها لتركيا، ومعاقبتها بأنواع شتة من العقوبات مع التهديد بمزيد منها.

لكن الولايات المتحدة لم تلق بالا للخطر المزعوم، واكتفت بتقديم الدعم المعنوي واللفظي لتركيا، دون ظهور أي احتمال لدى الأميركيين، للتوقف أو التروي في مشروعهم ذاك. بل العكس تماما قد حصل، اذ كشفت الولايات المتحدة عن تبلور مشروع كانت تعمل عليه بصمت، وهو تدريب وتسليح جيش سوريا الدمقراطي المكون في غالبيته من الأكراد، مما شكل بادرة على تعزيز توجهها نحو تقديم الدعم للأكراد…العدو التاريخي لتركيا كما يراهم أردوغان.

وهكذا توجب على الرئيس التركي أن يرد الصاع صاعين للأميركيين، خصوصا بعد شعوره بوجود مخطط انقلابي ضده، اعتقد أن مخططه هو عدوه القديم فتح الله غولان، لكن بمؤازرة أميركية.  فبادر الى الاعتذار لروسيا عما بدر من تركيا لدى اسقاط احدى طائراتها. بل وخطى خطوة أخرى وصفها واضعو السيناريو، باتفاق سري غامض بين أردوغان وبوتين للتنسيق فيما بينهما مستقبلا.

وأعتقد أردوغان أنه يستخدم دهاءه ومكره للتلاعب على بوتين الموصوف أيضا بالثعلب الروسي، لاغاظة واستفزاز حلفائه في الولايات المتحدة وجيرانه في الاتحاد الأوروبي، في الوقت الذي كان فيه الرئيس بوتين أيضا، يستخدم أردوغان لتوسيع الشرخ بين تركيا وحلف شمال الأطلسي، خصوصا وأن الرئيس التركي قد واجه الآن فعلا الانقلاب العسكري المتوقع، فشعر بعده بمدى الخطر الذي يتهدده من حلفائه وجيرانه.

ولكن أردوغان أراد استثمار علاقته الطيبة مع الرئيس بوتين. فلدى شروع جيش سوريا الدمقراطي الأميركي في قيادته، وبالتعاون مع قوات الحماية الكردية، بعملية تحرير شمال سوريا من تواجد الدولة الاسلامية، ونجحوا فعلا بتحرير العديد من القرى شملت مدينة منبج الاستراتيجية، طلب أردوغان من الرئيس بوتين أن يوافقه على الشروع بعملية مقابلة هي عملية درع الفرات، بذريعة أنه سيقاتل الدولة الاسلامية في ظاهر الأمر، لكنه على أرض الواقع، يسعى لمقاتلة عدو مشترك بينهما، هو جيش سوريا الدمقراطي الموالي والمدعوم من الولايات المتحدة التي صورها أردوغان بأنها العدو المشترك بينهما.

ويرجح أن الرئيس بوتين كان يدرك بأن أردوغان يراوغه ويضمر غير ما يبطن. فهو لا يريد مقاتلة الدولة الاسلامية، أو حتى جيش سوريا الدمقراطي فحسب، بل يريد تحقيق المنطقة العازلة التي طالما طالب أردوغان الولايات المتحدة بالسماح له بتحقيقها. لكن بوتين تظاهر بالغباء فمنحه موافقة صامتة محدودة على الشروع بعملية درع الفرات، لكن مقابل وعد مقابل من أردوغان، بالتوقف عن تقديم الدعم للمعارضة المسلحة المتواجدة في شرق حلب.

ووافق أردوغان على مطلب بوتين، وشرع فعلا بعملية درع الفرات، فحرر جرابلس من مقاتلي الدولة الاسلامية، وتقدمت قواته تحت راية الجيش السوري الحر على امتداد الحدود السورية التركية، الى أن وصلت الى مدينة الباب، معلنا أن عملية درع الفرات لن تتوقف قبل تحرير مدينة الباب ومغادرة قوات الحماية الكردية لمدينة منبج التي احتاجت القوات الكردية، لقتال طويل لتحريرها والهيمنة عليها. وهنا تدخلت الحكومة السورية لتحذر تركيا من محاولة السيطرة على الباب، مؤكدة بدعم روسي سري، بأن تحرير الباب من مقاتلي الدولة الاسلامية، مهمة القوات السورية وليست مهمة أية قوات أخرى. وجاء الكشف عن الموقف السوري المدعوم من روسيا الاتحادية، عندما كانت القوات السورية قد نجحت بتحرير قرابة نصف مساحة شرق حلب من مقاتلي المعارضة، وبات تحرير ما تبقى منها قاب قوسين أو أدنى.

وفي وقت اكتشف فيه الرئيس التركي أن قوة الحماية الكردية تمول وتسلح من قبل الحكومة السورية، أدرك أيضا على وجه يقيني، أن حليفه بوتين كان أكثر دهاء مما توقع، لكونه على أرض الواقع أكثر رفضا من الولايات المتحدة لتأسيس منطقة عازلة بعمق أربعين كيلومترا داخل الأراضي السورية وعلى امتداد الحدود السورية التركية، وبالتالي سيتوجب عليه الانسحاب عاجلا أو آجلا من الأراضي السورية ووضع حد لعملية درع الفرات.

ولكن هل كانت تلك هي نهاية السيناريو كما توقعه البعض، أم كانت هناك ثمة مفاجأة اخرى قد تكون غير متوقعة.  ففي نهاية كل مسرحية، (وفي كل سيناريو أيضا)، وقبل أن ينزل الستار الأخير، لا بد من وجود مفاجئة ما تشكل الضربة الأخيرة التي تبقي المشاهد، سواء في المسرح أو في دار للسينما، متذكرا للرواية التي شاهدها للتو. وهذا ما يسمى في عالم المسرح، بالنهاية الكبرى أوThe Grand Finales) ).

ففي هذا السيناريو أيضا، كما تصوره البعض، كانت هناك النهاية الكبرى غير المتوقعة. فالرئيس الداهية أردوغان، كان مدركا في قرارة نفسه، لمدى دهاء الرئيس بوتين واحتمال كونه يخادعه كما هو يحاول خداعه. فقد أدرك أردوغان بأنه في نهايلة المطاف، قد لا يحظى بما يريده من منطقة عازلة واسعة، ولكنه في أدنى الحالات، سوف يحظى نتيجة عملية درع الفرات، والتهديد بتحرير الرقة بقوات تركية اذا تدخلت  قوة الحماية الكردية في تحريرها، اضافة الى التهديد بالتدخل في معركة الموصل اذا دخلت قوات الحشد الشعبي العراقي الى “تل اعفر” ذات الأكثرية التركمانية…سوف يحظى بتعزيز شعبيته على الصعيد التركي الداخلي، لاستكمال مشروعه لبسط هيمنته سيطرة تامة على مقدرات الأمور في تركيا، والتي بدأ بتعزيزها اثر محاولة الانقلاب الفاشلة، ويسعى الآن لتكريسها دستوريا، فتصبح مقدرات الأمور التركية كلها بيد رئيس الدولة الذي سيكون أيضا رئيس الحزب الحاكم، والذي سيسعى لاحقا لاجراء تعديل دستوري آخر ينهي النص الدستوري الأتاتوركي بوجوب فصل الدين عن الدولة، وبالتالي تتقدم تركيا خطوة الى الأمام في مرحلة التحول الى دولة دينية اسلامية، خلافا لرغبات أتاتورك، بل ولبعض أحزاب المعارضة التركية التي باتت تخشى الاعتقال، وأن تلقى المصير الذي لاقاه أنصار فتح الله غولن، المنافس الأكبر لرجب طيب أردوغان، وذلك كله ربما تهيئة لتحقيق مزيد من الطموح الأردوغاني الذي قد لا يكون له حدود.

فتلك اذن قد تكون النتيجة او النهاية الكبرى في فصول المأساة الدموية في سوريا، والنهاية ما قبل الأخيرة في معاناة مقبلة للشعب التركي نتيجة مساعي الرئيس أردوغان لتحقيق طموحه الذي قد لا يكون له حدود.

مستشار في المركز الأوروبي العربي لمكافحة الارهاب – برلين.