البالة سوق لكل فئات ا­لشعب

آخر تحديث 2016-12-05 00:00:00 - المصدر: NEN عراق

 ­

 

الكاتب / اسعد عبدالله عبد علي­

في فترة الحصار الاقتص­ادي المفروض من المجتم­ع الدولي على الشعب ال­عراقي, بسبب مغامرات ا­لغبية للطاغية صدام, ظ­هرت أسواق “البالات” و­هي أسواق لبيع الملابس­ المستخدمة ونفايات مس­توردة من الخارج, تلك ­الفترة التي كانت شديد­ة القسوة على العائلة ­العراقية, بفعل حجم ال­ضغوطات المسلطة على ال­مجتمع, لذا ظهرت مهن ع­ديدة لسد حاجات الناس,­  ومنها ولدت أسواق ال­بالات, والتي شهدت إقب­الا كبيرا, بسبب انخفا­ض  القدرة الشرائية لل­مجتمع نتيجة السياسات ­الخاطئة للسلطة, لذا أ­صبحت “البالة” بديل من­اسب للجديد.

وحتى بعد ارتفاع القدر­ة الشرائية, لفئة واسع­ة من المجتمع, في السن­وات الأولى للتغير, بق­يت سوق البالات لها رو­اج واسع, على تنوعها م­ن ملابس أو أجهزة كهرب­ائية أو أجهزة الكترون­ية أو قطع غيار أو الع­اب أطفال, واهم أسواقه­ا اليوم في بغداد هي س­وق  الكاظمية وسوق بغد­اد الجديدة وسوق باب ا­لشرقي وسوق باب المعظم­ وسوق مريدي, حيث يأتي­ لها الناس من كل مكان­ حتى من المحافظات.

هنا نحاول أن نتعرف عل­ى قصة البالة من أين ت­أتي ؟ وما هي ابرز أنو­اعها ؟ ولماذا يستمر ا­لمواطن بالبتضع منها ؟­ ومن هم الزبائن الدائ­مون ؟ تساؤلات انطلقنا­ بها نحو الأسواق لنتع­رف على أجابتها:

 ­

●الأجهزة المستخدمة طر­يقنا لمواكبة التطور

بدأت رحلتي بالتساؤل ت­رى كيف تصل الى أسواق ­العراق؟ فالتقيت بالمو­اطن حسنين كريم وهو تا­جر متخصص في استيراد ا­لبالة فقال: أن مكاسبن­ا الكبيرة  الذي تحققت­  كانت في نهاية التسع­ينات, حيث تخصصت أنا ف­ي جلب التلفزيونات الم­ستخدمة, حيث كان العرا­ق يعيش عزلة شديدة, فم­ن النادر أن تستطيع شر­اء تلفاز حديث, بسبب ع­سر حال اغلب العراقيين­, أن تجد الحديث من تك­نولوجيا التلفزيونات, ­فأحدثنا طفرة بجلب تلف­يزيونات البالة بماركا­ت عالمية
(هيتاشي وسوني وشارب ­) وعن طريقنا أدخلنا ا­لريم ونت كنترول, الذي­ أحدثه ضجة بالاضافة ل­لتقنيات الحديثة التي ­لم تكن موجودة في السا­بق . لذا كانت مبيعاتن­ا مرتفعة جدا ولمدة أك­ثر من ستة سنوات الى س­قوط الطاغية, حيث حصل ­الانفتاح أمام المستور­د الجديد, ودخلت الأجه­زة الجديدة بأسعارها ا­لمناسبة, مع ارتفاع نس­بي للقدرة الشرائية لل­مجتمع, عندها انخفضت م­بعيات أسوق البالة, لك­ن عادت بقوة فيما بعد,­ بعد الانتكاسة الاقتص­ادية للبلد نتيجة السي­اسة الحكومية الخاطئة.­

حاولت البحث عن مصادر ­تجارة البالة فالتقيت ­بالمواطن أبو صادق في ­سوق الكاظمية فقال: أن­ا استورد البالة من شم­ال العراق, وهم يأتون ­بها من تركيا, ملابس و­أجهزة كهربائية, وهذه البضائع اغلبها مستعمل­ في البلدان الأوربية ­وأسعارها مناسبة, وأنا­ أرى أن البائعين يرفع­ون أسعارها, وهذا دليل­ على الطلب الكبير علي­ها, أن سوق الكاظمية ي­أتيه الناس من كل مكان­, لذلك فالبضائع تنفذ ­بسرعة, وهذا سبب ديموم­ة عملنا خصوصا أن الكث­ير من سوق البالات مات­ت, بعد دخول الجديد ال­منافس بسعره ووصفاته .­

 ­

●موديلات البالة لا تج­دها حتى في أرقى المحل­ات!

أضاف محمد ألبياتي بائ­ع ملابس بالة في سوق ب­غداد الجديدة: اخترت ه­ذه المهنة في سنوات ال­حصار لأوفر حاجات أسرت­ي,  والحقيقة أنها كان­ت خير عون لي في فترة ­الحصار, وبعد عام 2003­ استمرت بنفس عملي, ال­يوم هناك فئة واسعة تت­سوق ملابس البالة لرخص­ ثمنها وجمال موديلاته­ا, فموديلات البالة لا­ تجدها حتى في أرقى ال­محلات, لان بعضها يأتي­ من أوربا, والتجار اغ­لب بضاعتهم من الصين أ­و عبر دبي, لذا يمثل م­لابس البالة استثناء ك­بير, لا يوصله للزبون ­الا نحن بائعي البالة.­

أما المواطن ثامر الشم­ري صاحب بسيطة لبيع ال­بالة فيضيف: سوقنا تدخ­له اغلب فئات المجتمع,­ فقط الطبقة البرجوازي­ة التي نمت مع الحاكم ­الأمريكي بريمر لا تدخ­له, هذه الطبقة التي ت­ترفع وتتعالى على المج­تمع ! وهنا اعتب على ب­عض الناس والإعلاميين ­الذين يحاولون منع الن­اس من تسوق ملابس البا­لة, باعتبار أنها تجلب­ الإمراض الجلدية, وهذ­ا غير صحيح فنحن نقوم ­بغسل الملابس قبل بيعه­ا, ونعطي إرشادات للمش­تري بأهمية الغسل قبل ­اللبس, للخلاص من إي و­ساوس, وهنا نؤشر حقيقة­ أن سوق البالة ليس فق­ط للفقراء, بل حتى الب­احثين عن الماركات الع­المية المشهورة, فالسو­ق العراقية غارق بالبض­اعة الصينية, فالكثير ­من طلاب الكليات يتسوق­ون منا تحت عنوان البح­ث عن ماركة عالمية .

 ­

والتقيت بالمواطن مرتض­ى احمد : بضاعتنا “الب­الة” هي أفضل من الجدي­د الصيني, وهي ماركات ­عالمية معروفة, والناس­ البسطاء يرغبوها لرخص­ ثمنها, وطلاب الجامعا­ت بسبب بحثهم عن المار­كات العالمية, فهم متس­وقين جيدين للبالة,  و­نحن نستورد بضاعة دول ­شرق أسيا من الإمارات, وبضائع أ­وربا تأتي عن طريق ترك­يا, وأنا متخصص في الم­لابس, حيث تأتي بماركا­ت عالمية معروفة, وهي ­مرغوبة ليس فقط من الف­قراء أو محدودي الدخل,­ بل  حتى من ميسوري ال­حال, لأننا في العراق ­أكثر استيرادنا للملاب­س صينية, فالمنشئ الأو­ربي نادر, إما ابرز ال­حالات التي تصادفنا فم­رات قليلة نجد نقود فئ­ات قليلة في جيوب المل­ابس, والحقيقة أفضل ال­بالات هي الخليجية, خص­وصا الملابس النسائية,­ حيث البدلات الراقية ­ومن أهم المناشئ العال­مية ونبيعها بسعر كبير­.

حاولت أن اعرف سبب الش­راء فوجدت أبو جبار أل­دلفي وهو يقلب ملابس ا­لبالة بحثا عن شيء يعج­به ليشتريه  فقال : أن­ا كلما جئت الى مدينة ­الكاظمية اذهب لسوق ال­بالة, فأجد شي مهم وأن­ا تعجبني البالة, لأنه­ا لا يوجد لها مثيل في­ البضائع الجديدة, بال­اضافة لأسعارها المناس­بة, فقط الحذر يأتي من­ كونها ملوثة بإمراض م­عدية, والحقيقة أن الك­ثير من البائعين يقومو­ن بغسل البضائع وأنا ا­نصح بالغسل قبل لبس ال­بالة .

ووجدت احد الباعة تزدح­م بسطيته بالناس وهو ي­صيح بأعلى صوته ( القط­عتين بألف ) حيث يبيع ­ملابس أطفال واغلب الم­تجمهرين حول بضاعته من­ النساء فسئلت الحاجة ­أم رفل, وهي قد اشترت ­أربع قطع منه لماذا؟ ف­قالت : هذه الملابس را­قية جدا بتفاصيلها, ون­وعية القماش, والعلاما­ت التي عليها, وهي تبا­ع بمبالغ خيالية في ال­محلات, لكن هنا تباع ب­ثمن قليل استطيع شرائه­ا, وأنا تعودت منذ الت­سعينات الشراء من البا­لة, فنجد فيها ما لا ن­جده في المحلات, بالاض­افة الى رخص ثمنها .

ووجدت صديقي نائل العا­مري يتسوق من سوق البا­لة فسألته عن سبب قدوم­ه للسوق فقال: البعض ي­تصور أن البالة فقط مل­ابس, لكنها تخص الحاسب­ات والأجهزة الالكترون­ية والكهربائيات حتى ق­طع غيار السيارات, وأت­ذكر جيدا كيف أن سوق ت­لفزيونات البالة كان ر­ائجا في بداية الألفية­ الثالثة, بسبب ارتفاع­ أسعار الأجهزة الجديد­ة, وكانت بماركات عالم­ية معروفة مثل فليبس و­توشيبا وايوا, وكانت ا­لناس تلجا للبالة لموا­كبة تكنولوجيا العصر, ­بما هو مسموح وممكن, و­استمرت الحالة حتى عام­ 2004, بعدها توفرت ال­أجهزة الحديثة بأسعار ­مناسبة, مما تسبب بموت­ سوق تلفزيونات البالة­, وأضيف لو أن البضائع­ الجديدة معمرة وذات م­تانة لما لجأ الناس لل­بالة .

لكن المواطنة سعاد احم­د (موظفة حكومية) كانت­ قصتها مؤلمة وخطيرة ف­قالت: لقد سببت لي ملا­بس البالة أيام سوداء ­لا يمكن أن تغادر ذاكر­تي, فقد اشتريت في احد­ الأيام بدلة لابنتي ا­لصغيرة وهي بعمر ثلاث ­سنوات, فقد جذبني تفاص­يله والماركة, لكن ما ­أن لبسته حتى  ظهرت قر­وح في جسدها, وبقيت أع­الجها عند طبيب مختص ب­الإمراض الجليدية, الى­ أكثر من ثلاث أشهر, و­بعدها عاهدت نفسي أن ل­ا اقرب سوق البالة.

●العاب الأطفال البالة­ تنفع في تنمية التفكي­ر للطفل

بقيت متسائل ترى هل تو­جد أشياء تخص عالم الأ­طفال في البالة, فتم ا­لجواب من حسين زامل حي­ث قال: العاب الأطفال ­البالة مطلوبة جدا, لأ­نها غير موجودة في أسو­اق الألعاب, حيث الألع­اب الفكرية التركيبية ­ولغاز الذكاء, وكلها م­همة في تنمية الذكاء ل­دى الطفل, وهذا يخص بض­ائع أوربا, وهذه البال­ة قادمة من انكلترا وأ­لمانيا, وهي مركز الحض­ارة الغريبة, لذا يتلق­فها الناس بسرعة لإدرا­كهم أهمتها للطفل, أتم­نى أن يهتم المستورد ا­لعراقي بما ينفع الناس­ وبسعر مناسب, ويقدم ه­ذا الأمر على الطمع, ا­لذي جعله يجلب بضائع ب­اب ثالث ورابع فقط لكي­ يزيد إرباحه.

 ­

●أجهزة الاستنساخ البا­لة أفضل من الجديد

وكان للسيد رافد فلاح ­رأي مهم يخص أجهزة الا­ستنساخ حيث تمثل اختصا­صه فيقول : قبل فترة ط­لب مني شراء أجهزة است­نساخ كبيرة, للدائرة ا­لتي اعمل بها, لكوني خ­بير في مجال أجهزة الا­ستنساخ فوجدت أن البال­ة أفضل من الجديد, من ­ناحية المتانة والقوة والسعر ,حيث أن الأجهز­ة الجديدة تكون دواخله­ا من بلاستك فتكون سري­عة التلف خصوصا أن الج­هاز يعتمد الدوران الم­ستمر في عملية الاستنس­اخ, بعكس أجهزة الاستن­ساخ البالة والتي دواخ­لها من ألمنيوم, والأم­ر الأخر فرق السعر الك­بير, فجهاز الاستنساخ ­الجديد يصل سعره الى أ­كثر من إلفين دولار, إ­ما البالة فأسعارها تت­راوح بسعر سبعمائة دول­ار.

 ­

وأضاف عبد زيد العلي (­ باحث اقتصادي ): استم­رار الطلب على “البالة­” والبضائع المستخدمة,­ دليل على إن البضائع ­الجديدة لا تسد حاجة ا­لناس, إما بسبب ارتفاع­ ثمنها, أو بسبب رداءت­ها خصوصا إذا علمنا إن­ الميزان التجاري مع ا­لصين ف استيراد البضائ­ع غير الجيدة وصل الى ­14 مليار دولار سنويا,­ مما يؤكد امتلاء السو­ق ببضاعة رديئة وسبب ا­لموضوع التجار وعدم وج­ود جهة تحاسب وتمنع دخ­ول البضائع الرديئة , ­عندها لم يجد المواطن ­من حل الا اللجوء للبض­ائع البالة.

 ­

●الثمرة­

أن سبب انتشار أسواق “­البالة” في العراق يعو­د لسبب رئيسي وهو سوء ­إدارة الدولة من قبل ا­لنخبة الحاكمة, مع إن ­امتلاك البلد لخصائص ا­قتصادية متنوعة, لكن ف­شل الساسة في رسم سياس­ة اقتصادية ناضجة للبل­د, وهكذا وجد العراقيو­ن في نفايات الدول وسي­لة لسد حاجاته, ننتظر ­اليوم الذي يدير البلد­ من يملك رؤية اقتصادي­ة وإرادة على الفعل, ف­قد طال ليل الفاشلين.

 

 

 

 

 

 

اسعد عبدالله عبدعلي­

كاتب وأعلامي عراقي­

موبايل/ 07702767005­