خمين (إيران) (أ ف ب) - بين تلال في وسط ايران، تتخفى نقوش ورسوم في جدران الكهوف والصخور تعود الى الاف السنوات، وقد تكون من الاقدم في العالم، وهي تثير فضول عالم اثار ايراني وامله بالكشف عن اسرارها، مستفيدا من انفتاح بلده الاخير على الغرب.
يتسلق محمد ناصريفرد احدى التلال المطلة على مشهد صحراوي أخاذ في منطقة خمين وسط ايران، وحين يصل القمة يشير بعصاه الى القرون المنقوشة على صخرة، وتعود الى اربعة الاف عام.
يجول محمد هذه المنطقة مع مراسلي وكالة فرانس برس، ويتعقب بين المسالك الصغيرة المتعرجة عشرات النقوش التي تصور صيادين وحيوانات ورقصات قبلية، وهي كلها تعود الى الاف السنين، وبعضها اقدم من الآخر.
في العام 2008، وصل الى المنطقة هولنديان مولعان بالاثار، وجابا الموقع مع محمد ناصريفرد، وقدروا ان بعض النقوش تعود الى اربعين الف عام، وان صح ذلك فانها ستكون من اقدم النقوش في العالم.
لكن تقدير عمر هذه الاعمال الفنية الضاربة في القدم يفوق تقنيات العلماء الايرانيين.
ويقول محمد ناصريفرد "لقد حرمتنا العقوبات من التقنيات اللازمة، نأمل الآن ان تتحسن الاوضاع وان نحصل على التقنيات التي تتيح لنا الحصول على معلومات موثوقة حول هذه النقوش".
وقد حالت العقوبات الدولية المفروضة على ايران بسبب برنامجها الدولي دون استفادة العلماء الايرانيين من خبرات زملائهم الاجانب، ومن التقنيات الحديثة والاموال اللازمة لاتمام الابحاث.
وفي كانون الثاني/يناير الماضي رفع جزء من هذه العقوبات بعد التوصل الى اتفاق بين طهران والدول الكبرى في تموز/يوليو 2015 حول برنامجها النووي.
اضافة الى كل ذلك، لم تكن الفنون القديمة تلقى اهتماما كبيرا في ايران، اذ ان اي موضوع مماثل من حقبة ما قبل الاسلام كان محل جدل.
لذا فإن تصميم محمد ناصريفرد فقط هو ما مكنه من الكشف عن خمسين الف نقش صخري بعدما قطع 700 الف كيلومتر في طول بلده وعرضها.
- العثور على كنز -
اصبح محمد شغوفا بالنقوش الصخرية القديمة بعدما قرأ مقالا في مجلة المانية، وبدأ رحلته البحثية في ايران، وهو ما زال يذكر بتأثر اكتشافه الاول هناك في تلال خمين عام 2002.
ويقول "كنت شديد الحماسة، كنت كمن وقع على كنز".
ومنذ ذلك الحين توالت اكتشافات هذا الاستاذ الجامعي ووثقتها مؤسسة "برادشاو" في سويسرا المتخصصة في النقوش الاثرية، وجذبت بذلك اهتماما دوليا من الخبراء.
وتقول جنفييف فون بتزينغر المتخصصة في الكهوف القديمة في حديث لوكالة فرانس برس ان عمل محمد "مهم جدا، لقد كانت هناك ثغرات بدأت الآن تغطى".
وهي ترى ان هذه النقوش التي كشفها العالم الايراني يمكن ان تكون اوائل النقوش البشرية بعدما خرج الانسان من قارة افريقيا وانتشر في الارض.
ويعزز ذلك نظرية ان البشر الاوائل كان لديهم تراث فني مشترك في افريقيا، وهو ما يفسر وجود نقوش متشابهة في مناطق مختلفة من العالم في التاريخ القديم للبشرية، من اميركا الى جنوب افريقيا مرورا باسبانيا.
وتضيف فون بتزينغر "يمكن ان تكون ايران حلقة مهمة من هذه السلسلة، انها منطقة استراتيجية لهجرة البشر سواء الى الشرق او الى الغرب".
- وسائل مكلفة -
ما زالت تقنيات مثل التأريخ باليورانيوم غير متوفرة في ايران، وهي طريقة افضل من التأريخ بالكربون، وهي طرق لا بد منها في التعامل مع الاثار القديمة.
ويتطلب العمل الجاد ايضا وجود بحوث اثرية معمقة مترافقة، لفهم السياق التاريخي للاثر او النقش.
وهذه الطرق مكلفة جدا بحسب العالمة السويسرية، وتقول "ينبغي ان يكون ناصريفرد قادرا على الوصول الى كبرى المختبرات العالمية".
في جنوب افريقيا، عثر على رسوم مشابهة لما عثر عليه في ايران، وهي تصور خواريف بقرون ضخمة.
ويقول بيتر روبنسون من مؤسسة "برادشاو" السويسرية "لا نعلم لماذا كان البشر الاوائل يختارون نقشا معينا، نعثر عليه في امكنة متباعدة جدا من العالم".