أنقرة تهتزّ والعلاقة بين تركيا وروسيا ثابتة

آخر تحديث 2016-12-21 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين

هزّت عملية اغتيال السفير الروسي في العاصمة التركية أندريه كارلوف والذي نفّذها عنصر أمن تركي سابق الرأي العالم العلمي، ودفعت المتابعين لطرح العديد من الأسئلة حول أسباب هذه العملية والنتائج المترتبة عنها، خاصة على العلاقات الثنائية بين أنقرة وموسكو.

لحظات بعد قيام الطنطاش باغتيال كارلوف

تمكّن عنصر أمن تركي سابق من دخول معرضٍ فنّي في مدينة أنقرة، كان يحضره السفير الروسي أندريه كارلوف، وحين كان الدبلوماسي الروسي يلقي كلمة في الحضور، بادر الشاب التركي لإطلاق النار عليه من الخلف.

على إثر ذلك وبعد ساعات قليلة، أعلنت الخارجية الروسية وفاة الدبلوماسي الذي شغل مهمّة من الأكثر حساسية في الوقت الراهن.


يبلغ القاتل من العمر 22 عاماً

أمّا القاتل، فيُدعى مولود ميرت الطنطاش، من مواليد عام 1994 في محافظة إيدن التركية، وقد عمل لمدّة تزيد عن أربع سنوات في صفوف الأمن التركي، وتحديداً في مكافحة الشغب. وانتهت الواقعة باشتباكٍ أدّى إلى مقتل الطنطاش.وقد انتشر مقطع فيديو يظهر فيه الطنطاش وهو يقول "لا تنسوا سوريا، لا تنسوا حلب"، في دلالة واضحة على خلفية العملية التي نفّذها، وقد أثار الفيديو موجة تعليقات كبيرة على وسائل التواصل الاجتماعي. وأوقفت الأجهزة الأمنية خال منفّذ الهجوم "حسن ف" وهو يعمل في موقع مسؤول بإحدى المدارس الخاصة التابعة لمنظمة فتح الله غولن بحسب وكالة الأناضول، كما أشارت الداخلية التركية إلى أنّ هناك أدلة تشير إلى تورّط جماعة غولن في اغتيال السفير كارلوف.


الأسباب

أردوغان: السبب الأساسي الذي يقف خلف اغتيال كارلوف هو التحريض

الرئيس التركي رجب طيب إردوغان قال بعد أن بادر إلى شجب اغتيال السفير الروسي في أنقرة، إنّ السبب الأساسي الذي أدى لاغتيال كارلوف هو التحريض.

وقد ذكّر أحد الناشطين على موقع فيسبوك بسلسلة تصريحات كان قد أطلقها الرئيس التركي في الفترة الماضية قد تُفهم في سياق التحريض ضد روسيا، وذلك حين كانت العلاقة بين البلدين قد بلغت درجة خطيرة من التأزّم.

حينها قال إردوغان إنّ "الذين يقدّمون الدعم للأسد يشتركون معه في جرائمه"، وأضاف أنّ "روسيا ليست سوى دولة محتلّة لسوريا". وتابع الرئيس التركي قائلاً إنه " يجب محاسبة روسيا على المذابح التي ترتكبها بحق الشعب السوري"، لينهي هجومه بقوله إنّ "روسيا شريكة في قتل 400 ألف ضحية في روسيا".

وفي حديث للميادين نت قالت المتخصصة بالشأن التركي الدكتورة هدى رزق إنّ أنصار إردوغان ينقسمون إلى ثلاثة أقسم: القسم الأول هم رجال الأعمال الذين تضرّروا من تراجع العلاقات مع روسيا إثر إسقاط طائرة حربية روسية بالقرب من الحدود التركية في تشرين الثاني/ نوفمبر من العام الماضي. هؤلاء بقوا يحاولون دفع الرئيس التركي لإصلاح الوضع مع موسكو في أقرب وقت.

القسم الثاني، وبحسب رزق "هم الإخوانيون الذين يعتبرون أنّ ما يحصل في سوريا ليس إلا استهدافاً للطائفة السنّية. في هذا الإطار، تشير رزق إلى أنّ 63% من مناصري إردوغان يعتبرون تنظيم داعش حركة سنّية تدافع عن الطائفة السنّية".

وفي السياق نفسه، تلفت رزق إلى أنّ جريدة "ينّي شفق" المقرّبة من الحكومة التركية كانت لا تزال تحرّض بشدّة ضد روسيا في الأيام القليلة الأخيرة، بالرغم من تحسن العلاقات بين موسكو وأنقرة وتعاون الطرفين لإنهاء الأزمة في مدينة حلب.

أما القسم الثالث، فهم العلمانيّون القريبون من الغرب، والذين يشجعون أيضاً المسؤولين الأتراك على الابتعاد عن روسيا.

وترجّح رزق أنّ يكون منفذ الهجوم الذي أودى بحياة السفير الروسي مرتبطاً بإحدى الجماعات المتطرفة التابعة لأجهزة مخابرات عربيّة، ذلك أنّ ما حصل في حلب مؤخّراً يصعب على السعودية وقطر تقبّله بسرعة بحسب رأيها.

ورأت رزق أنّ الاغتيال يمكن أن يحمل رسالة غربية قاسية إلى موسكو على خلفيّة التطوّرات السورية مؤخّراً.

وتستبعد رزق أن تكون الاستخبارات التركية خلف العمليّة، أولاً بسبب سيطرة إردوغان عليها بشكل كامل، ثانياً لخطورة الخوض في مثل هذه المغامرات مع دولة عظمى كروسيا، وما يمكن أن ينتج عن هذا الأمر فيما لو تكشّفت حقيقة تورّط السلطة في أنقرة في مثل هكذا اعتداء.

وترى المتخصصة في الشأن التركي أنّ ما حصل سيسمح لإردوغان بالقول لكلّ من الرّوس والإيرانيين أنّ التوجّه المتطرّف في بلاده يزداد قوّةً، وهو لا يستطيع أن ينهي المفاوضات القادمة في العاصمة الكازاخستانية دون تحقيق مكاسب حقيقية في الملف السوري أو في الملف الكردي على الأقلّ.


لمحة عن كارلوف

كارلوف هو من ألمع الرجال الدبلوماسيين في السلك الدبلوماسي الروسي

وُلد السفير أندريه كارلوف في 4 شباط/ فبراير 1954. وفي العام 1976 تخرّج من كلّية العلاقات الاقتصادية الدولية في معهد العلاقات الدولية التابعة لوزارة الخارجية السوفياتية.عام 1992، أنهى كارلوف دراسته في الأكاديمية الدبلوماسية لدى الخارجية الروسية، ومنذ 1976 عمل ضمن السلك الدبلوماسي الروسي، حيث شغل حتى عام 2008 مناصب عدّة في الجهاز المركزي لخارجية بلاده، داخل روسيا وخارجها.كان سفيراً لروسيا لدى كوريا الشمالية بين 2001 و2006، ونائب مدير قسم القنصليات في وزارة الخارجية الروسية بين 2007 و2009، ثم مديراً لهذا القسم بين 2009 و2013. ومنذ 12 تموز/ يوليو 2013، شغل منصب السفير الروسي في تركيا.


تقلّبات في العلاقات التركية – الروسية

عَرفت العلاقات بين تركيا وروسيا تقلّبات حقيقية في السنوات القليلة الماضية.قبل انطلاق الأزمة السورية، كان الحُكم في تركيا يطبّق سياسة صفر مشاكل مع كل الدول بما فيها جارتها الشمالية، وتمّتعت كلّ من أنقرة وموسكو بعلاقات اقتصادية وسياسية جيّدة جدّاً. وقّع الجانبان العديد من الاتفاقات التجارية، وبلغ عدد السوّاح الروس الذين يزورون المدن التركية بشكل منتظم 8 ملايين سائح.مع بدء الأزمة في سوريا، بدأ التباعد السياسي بين الطرفين يظهر إلى العلن. دعمت أنقرة المعارضة السياسية والعسكرية لدمشق، فيما آثرت موسكو الوقوف إلى جانب حليفها السوري التاريخي، حتى بلغ الأمر إلى تدخل سلاح الجو الروسي مباشرة بقصف مقارّ الجماعات المسلّحة في مختلف المحافظات السورية.بقي الخلاف بين تركيا وروسيا في المرحلة الأولى من الأزمة السورية على صعيد التصريحات الإعلامية فقط، حتى اقترب البيت الأبيض من قرار ضرب الجيش السوري ردّاً على ما اتّهمه به من استخدام السلاح الكيميائي ضد المعارضة المسلّحة في الغوطة الشرقية لدمشق.أدّى المقترح الروسي، بقيام السلطات السورية بتسليم ما لديها من سلاح كيميائي للأمم المتحدة مقابل تخلّي الرئيس باراك أوباما عن فكرة التدخل العسكري في سوريا، إلى إبطال مشروع هزيمة الجيش السوري عسكرياً، وهو ما كانت تراهن عليه بوضوح أنقرة والعديد من العواصم العربية.عام 2014 وقعت أزمة شبه جزيرة القرم، التي قامت روسيا بضمّها إلى أراضيها بعد استفتاء سكّانها على ذلك، حينها لم تجارِ تركيا الدول الغربية في الموقف الحاسم سلبيّاً ممّا فعلته روسيا، لكنّ العلاقة كانت قد بدأت تسوء بين البلدين.في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015، أسقط سلاح الجو التركي مقاتلة روسية من طراز سوخوي اقتربت من الحدود التركية، وقيل إنّها دخلتها لمدة 17 ثانية، فبادر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الذي كان يحضر أحد المؤتمرات الدولية إلى التصريح بأنّ إسقاط الطائرة الروسية هو غدر وطعنة في ظهر روسيا، مشدّداً على أنّ الحادثة ستترك خلفها تداعيات قاسية على العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا.هذا ما حدث بالفعل، فقد اتّخذ بوتين سلسلة قرارات كان لها تأثير سلبي كبير على الاقتصادي التركي، كالتوقف عن استيراد بلاده منتوجات زراعية تركية وتوقف السوّاح الروس عن زيارة تركيا.
لم يطل الأمر حتى بدأت الضغوط على الرئيس التركي من أجل إصلاح العلاقات مع روسيا، وهذا ما بدأ إردوغان يمهّد له بعد أشهر من تراجع العلاقات.أتت محاولة الانقلاب في 15 تمّوز/ يوليو من العام الحالي لتدفع إردوغان إلى تسريع حلّ الأزمة بينه وبين الرئيس الروسي، خاصة بعد أن تحدثت أنباء عن رغبة غربية برحيل إردوغان عن السلطة في تركيا وتأخر المسؤولين الغربيين عن زيارة أنقرة. كما قيل أنّ دوراً روسياً ما ساعد أردوغان على التعامل مع الانقلاب بعد تحديد تحرّكات مشبوهة أجرتها قوّات بحرية تركية شريكة في محاولة الانقلاب.وبعد اعتذار إردوغان عن إسقاط طائرة السوخي الروسية، بدأت المياه تعود إلى مجاريها بين البلدين الجارين، وسط تصريحات قادة أتراك بأنّ ما حصل مجرّد غيمة صيف وانقضت. كما بدأ الحديث عن تنسيق سياسي بين موسكو وأنقرة خاصة على مستوى وزراء الخارجية، لتتكلّل جهود الطرفين في تسوية حلب التي قضت بإخراج المسلّحين المحاصرين مع عوائلهم داخل الجزء الشرقي من المدينة، مقابل إخراج مدنيين ومصابين من بلدتَيْ الفوعة وكفريا المحاصرتِيْن من قبل الجماعات المسلّحة في ريف إدلب.


مستقبل العلاقات التركية – الروسية بعد الاغتيال

وعن مستقبل العلاقات الثنائية بين تركيا وروسيا، يقول الزميل في الميادين نت المتخصص بالشأن الروسي محمد سيف الدين إنّ التصريحات التركية والروسية التي تلت عمليّة الاغتيال تظهر أنّ الجانبيْن متنبّهان إلى محاولة إعاقة تقدّم العلاقات بينهما. ويشير سيف الدين إلى أنّ هذه العلاقات بدأت بالتعافي إلى حد كبير خاصة بعد أن بدأ العمل بمشروع السيل التركي مؤخّراً، وهو ما يعكس عودة العلاقات إلى مستويات مهمّة جدا بين الطرفين.كما أنّ التنسيق بين موسكو وأنقرة بشأن حلب، والتغيير الذي طرأ على السلوك الأمني التركي بخصوص سوريا وذلك بسبب العلاقات مع روسيا بحسب رأيه، كان من أبرز مؤشرات تقدّم التنسيق بين البلدين الجارين.وبشأن الرد الروسي على عملية الاغتيال التي استهدفت أحد أهم رجالها الدبلوماسيين، رأى سيف الدين أنّ نتائج التحقيق الذي سيشارك فيه بفاعلية محققون روس، هي من ستحدد كيفيّة الرد الروسي، فإذا أشارت الأدلّة إلى دولةٍ ما تقف وراء الجريمة شيء، وإذا كان الأمر من تخطيط جماعة متطرّفة فهذا شيء آخر.وإذا ما تبيّنت صحّة الاحتمال الثاني، فهذا سيؤدي حتماً بحسب سيف الدين، إلى تصعيد العمل العسكري والأمني الروسي ضد كل الجماعات التي تعتبرها موسكو إرهابية، وإلى مزيد من التعاون بين أنقرة وموسكو بهذا الخصوص.وإذا ما قارنّا بين ردّة فعل روسيا بعد إسقاط طائرة السوخوي (سلسلة عقوبات اقتصادية) وتلك التي تلت اغتيال سفيرها في تركيا، فإنّ عاملاً جوهريّاً يفسّر هذا الاختلاف الواضح بين الحالتين بحسب سيف الدين، الذي ذكّر بأنّ إسقاط الطائرة كان يمثل سياسة رسمية تركية واضحة في لحظة كانت العلاقات بين موسكو وأنقرة تحكمها الكثير من السلبية، أمّا اغتيال السفير الروسي فلا تتحمل مسؤوليته المباشرة الحكومة التركية، وهو يأتي في لحظة يزداد فيها التعاون الروسي – التركي في مختلف المجالات. يتابع سيف الدين "هذا ما عكسه الاتصال السريع الذي أجراه إردوغان ببوتين بعد عملية الاغتيال مباشرة"، وقد أكد الرئيس التركي بعد إجراء اتصال هاتفي بنظيره الروسي أنّ من اغتال السفير الروسي يريد الإضرار بالعلاقات بين أنقرة وموسكو وأنّ هذا الهدف لن يتحقق.واستضافت موسكو الثلاثاء اجتماعاً ضمّ وزراء الخارجية ووزراء الدفاع لكلّ من روسيا وتركيا وإيران، مما يؤكد أنّ اغتيال كارلوف لم يؤثر على العلاقات الثنائية بين روسيا وتركيا، وقد أكّد البيان الصادر عن وزراء الخارجية المجتمعين على وحدة أراضي سوريا.


اغتيال عدة سفراء في السنوات الماضية

شهدت السنوات الماضية عدّة عمليات اغتيال طالت سفراء لعدّة دول شرقية وغربية.في 28 آذار/ مارس 2003، قُتل السفير السعودي محمد أحمد رشيد في مدينة أبيدجان عاصمة ساحل العاج الاقتصادية.في 27 تمّوز/ يوليو 2005، تم الإعلان عن إعدام  السفير الجزائري علي بلعروسي في العاصمة العراقية بغداد بعد اختطافه هو والملحق الدبلوماسي عزالدين بلقاضي.في 2 تمّوز/ يوليو من العام نفسه، اختُطف سفير مصر في العراق إيهاب الشريف وتم الإعلان عن إعدامه بعد خمسة أيام، ولم يتم العثور على جثّته.في 20 أيلول/ سبتمبر 2008، لقي سفير التشيك في باكستان إيفو جدياريك، مصرعه جرّاء تفجير استهدف فندق "ماريوت" في إسلام آباد.في 11 أيلول/ سبتمبر 2012، قُتل سفير الولايات المتحدة في ليبيا كريستوفر ستيفن إلى جانب ثلاثة موظفين من القنصلية الأميركية جرّاء هجوم على البعثة الدبلوماسية الأميركية في مدينة بنغازي.في 27 آذار/ مارس 2015، قُتل 24 شخصاً على الأقلّ، بينهم السفير السويسري في الصومال في هجوم على فندق في العاصمة مقديشو.


لا شك أنّ اغتيال السفير الروسي في تركيا سيُشكل علامة فارقة في مسلسل إحدى أهم الحروب في العصر الحديث، وهو دليلٌ على ترابط ملفات المنطقة الساخنة. ملفّات يمكن أن ينتج عنها فصولٌ جديدة من العنف في أية لحظة.

المصدر: الميادين نت