لا أعلم هل هي صدمة كبيرة، تعرض لها المجتمع الناصري بالأمس، عندما نقلت مواقع التواصل الاجتماعي، خبر الاعتداء على مديرة مدرسة، أثناء تأديتها عملها الرسمي، من قبل ضابط في أجهزة الأمن الحكومية؟ أم أنها رسالة تنبئنا بأننا وصلنا لمرحلة الانحطاط الأخلاقي المجتمعي، الذي ولّد كل هذه المآسي، والجرائم الأخلاقية والتربوية؟
أعظم المهن وأرفع الوظائف، هي مهنة ووظيفة التعليم وتربية الأجيال، فمن خلال هذه المؤسسات التعليمية تصنع الطاقات، وتخرج الكفاءات، ويُرسم المستقبل، ويبنى الوطن، فللمعلم مكانة لايملكها غيره، ولم يبالغ الشاعر حين قال: "كاد المعلم أن يكون رسولا".
الاعتداء على الكوادر التدريسية، وأمام التلاميذ؛ سينهي نظرة التلميذ لذلك المعلم، بأنه ملهم ومثل أعلى، يقوده نحو النجاح، والبناء الخُلقي والتربوي والتعليمي.
حادثة الاعتداء على مديرة المدرسة، تنبهنا للحال التي وصلنا إليها في العراق، حالة التردي الاجتماعي، وهي عيّنة من حوادث كثيرة، يمتلأ فيها مجتمعنا، الغريب في هذه القضية، أن المعتدي ضابط أمن برتبة كبيرة، ويفترض به أن يكون هو المدافع عن أمن المواطنين، والراعي الأول للقانون.
لكن الذي حصل هو العكس، حيث تم توظيف رتبته ومنصبه، للاعتداء على القانون والناس، وأساء للمؤسسة الأمنية التي ينتمي لها، فضلاً عن كل ذلك، فهو قد خرج عن كل الضوابط الأخلاقية والعشائرية والعرفية، التي تستنكر اعتداء الرجل على المرأة.
هذه الحادثة حملت معها رسالة لنا، أن المشكلة في العراق الآن، هي تردي في كافة مفاصل حياتنا اليومية، سواء الثقافية أو السياسية أو الدينية أو العشائرية، فهي قد حَملت معها تعدياً على القانون والأعراف العشائرية، وتعدياً وخروجاً عن متبنيات هذه البيئة المجتمعية، التي بدأت تتهاوى نحو الانحطاط في جميع مفاصل الحياة.
الشعب العراقي بصورة عامة، مرَ خلال الفترة الماضية وإلى الآن، بمرحلة انتقالية، تلت مرحلة سابقة كانت بمثابة سجن مظلم، وفجأة وجد الشعب نفسه، وسط حرية لم يعهدها من قبل، مما جعله غير قادر على التعامل معها بشكل إيجابي، فأساء استخدامها، فشهدنا كل هذا التردي الثقافي، والاجتماعي والسياسي والديني، وإذا ما أردنا تدارك أنفسنا، فعلينا أن نبدأ بتغيير وإصلاح هذا الوضع، وهذا أيضاً يبدأ من المؤسسة التعليمة، التي تم الإساءة إليها اليوم.