رضوان العسكري يكتب: التسوية بين استشعار الخطر والصراع السياسي

آخر تحديث 2016-12-24 00:00:00 - المصدر: كتابات

كثيرأً من العراقيين نجدهم اليوم يخضون بعض الصراعات، كالسياسية والأمنية والإقتصادية فيما بينهم، لكن أغلبهم كان غافلاً عن أحداث الفترة ما بين (2003و 2005)، غاب هذا التوجه بعد الاحتلال مباشرةً، لإنشغال الاغلب في ترتيب وضعه الاجتماعي والاقتصادي بعد التغيير.

فلم يدرك الغالبية العظمى الصراعات التي تدور في اروقة السياسة، وكيف إستغل الاحتلال انشغال الشعب في ترتيب اوضاعة المجتمعية، محاولاً فرض بعض الارادات بالقوة والحيلة، في الكثير من القضايا، من أهمها فيتوا "الاكراد" و"الدستور"، وكيف جاء بلجنة لكتابة الدستور، وهي عبارة: عن مكتب محاماة امريكي، لإعادة صياغة الدستور المؤقت، ليكون دستور دائمي للبلاد، بحسب اهوائهم وتطلعاتهم، محاولين إستغفال الشعب بحجة الاتحرير والبناء.

فإصطدموا بجدار صلب، لا يمكنهم عبوره إطلاقاً، وهو جدار "المرجعية الدينية" في النجف، فلولا تصدي "المرجعية" في ذلك الوقت لمشروعهم الخبيث الذي غاب عن اذهان الكثير، كما يتحدث عن ذلك الامر (غسان سلامة) :المبعوث الاممي للعراق، في حديث متلفز له على قناة BBC)) عند زيارته للمرجع الاعلى (السيد السيستاني) محملاً اياه رسالة الى سلطة الاحتلال، موضحةً فيها الموقف من الدستور، وآلية كتابته! وكيف دعت المرجعية الى مظاهرات حاشدة (ببغداد) في ساحة الفردوس، بوقت قياسي لآلاف المتظاهرين، متصف شباط 2004، للتعبير عن رفضها لمشروع الاحتلال، وهو موضوع طويل لا يسع المجال لذكره.

لسارت الاوضاع بمنحى آخر، فكان موقف للمرجعية الدينية من اهم القضايا التي دعت الاحتلال الى مراجعة حساباته، لواقع الجديد لم يضعوه بحساباتهم. فهناك امور كثيرة يحوكها الاحتلال في الخفاء، لجعل الوضع يسير حسب مخططاتهم، كان أغلبها غائباً عن تصورات الشارع العراقي.

 

اما اليوم فهناك الكثير من يشغله الشأن العراقي، فاستشعر وجوده وإنتمائة، وبدأ ينظر للامور بعين بصيرة وتركيز دقيق، لمعرفة مسارات العملية السياسية، وادارك حيثياتها وطرق التفكير في ايدلوجياتها، وهناك من ينظر للامور بعين واحدة، عين الحزبية والانتماء، بعيداً كل البعد عن المصلحة العامة للبلد، فيحاول الوقوف بوجهه اي مشروع يطرح على الساحة السياسية، بدون معرفة مبادئه العامة وحيثياته، فهو يفكر بعقليه الآخر لا بعقليته، إذ لا يمتلك ادنى فكرة عن الموضوع الذي يروج له، مجرد اطاعة اهواء غيرة لا اكثر، أما الأخير فهو لا يميز بين الناقة والجمل، يرقص على قرع الطبول، لأجل الصراخ والضوضاء، يبكي مع المتباكين ويهلل مع المهللين، لا يعي ما يقول ولا يدرك لما يفعل.

 

الدخول في السياسة شيء جميل وحضاري، يسهم في بناء البلد، لأنه يشخص الاخطاء ويحدد وجهته ومسير سياسته، ليبقى السياسي متحذراً يقضاً لا يتحدث حسب أهوائه ورغباته.

اليوم بعض السياسيين يغازل الشارع، يتلاعب بعواطفه ومشاعره، فتجده يخوض بين الطائفية والعنصرية، لأجل مكاسب انتخابية وحزبية، يحاول كسب الشارع، فيسير مع ما يريده الشارع، لا مع مصلحة البلد، فالشارع لا يدرك كل ما يدور في كواليس السياسة، ولم يتجرأ امثال أولائك الانتهازيين لبيان الحقيقة للناس، خوفهم من ردت الفعل.

اما البعض الآخر فيطرح الامور كما هي، بصورتها الحقيقية، مضحياً بما يملك من مكاسب سياسية، بالإضافة الى فقدانه الشارع، فيكون هدفاً سهلاً للنيل منه، معتقداً انه الطريق الصحيح في العمل السياسي، لكي لا يصطدم الناس بالمستقبل بالامور المخفية، في دهاليز السياسة المظلمة خلف الابواب المغلقة، والتي لا يمكن الاطلاع عليها الا بعد فوات الاوان، وهذا ما لمسناه في مشروع التسوية، فمنهم من تنصل عن عهوده واتفاقاته، ومنهم من بقي ثابتاً على مواقفه ورؤياه السياسية التي تبناها، محاولاً اقناع العامة في تحديد طريقهم، للسير في البلد نحو البناء الصحيح، لا نحو المجهول.