شهاب آل جنيح
التسوية المجتمعية، هذه هي رؤية رئيس الحكومة حيدر العبادي، لحل مشاكل العراق، حيث ذكرها العبادي في مؤتمر صحفي من قبل، وبالأمس يبدو أن السيد الصدر هو الآخر مؤمن بها، لكن، هل فعلاً هذه المشاكل والتحديات والمعاناة، التي مر بها العراق سببها المجتمع، أم هي تراكمات لفشل قيادات وأحزاب سياسية كبيرة، مؤثرة في وسطها المناطقي أو المذهبي؟
نحن كمواطنين كل مايهمنا هو مستقبلنا ومستقبل العراق، بالتالي أيّ تسوية من شأنها أن تنهي معاناتنا، فهي مرادنا، بشرط أن لانسير في الطريق، ونحن مغمضي الأعين، وفاقدي الذاكرة، إذ يجب أن ننظر لكل مشروع يطرح فنحلله منطقياً، وبعيداً عن العاطفة أو التبعية، وبالتالي لانسير كما تسير القطيع خلف راعيها، ليس لها من أمرها شيء.
هذه التسوية المجتمعية التي ظهرت للواجهة، ما هو مبتغاها؟ وما هي أطرافها؟ إذا كانت غايتها الخلاص من هذا الوضع وهذا الدمار والإرهاب؛ فيجب أن تتحاور مع من لديه قابلية، للتأثير في قرار الطرف أو المكون الذي ينتمي إليه، أما مع من هذه التسوية؟ فهل هي مع المواطن الفقير، الذي لايملك حول ولاقوة من أمره؟ وهل المواطن هو من صنع هذه المشاحنات والخلافات الطائفية؟
المجتمع العراقي متوالف مع بعضه البعض، وأغلب هذه النكبات، سببها الطائفية التي تولت بعض القيادات السياسية إشعالها في البلاد، وليس من الصحيح، الزج بالشعب في هذه الصراعات وجعله طرفاً فيها، هذا المجتمع أنجب عثمان العبيدي السني، الذي أنقذ سبعة زوار شيعة من الغرق، حتى استشهد هو، من أجل الحفاظ على حياة أخوته في الوطن.
تلك السيدة العراقية أم قصي، التي آوت أبناء الجنوب وحفظتهم من كيد الإرهاب، هي من هذا المجتمع، وتلك المرأة من البصرة، التي ضحت بأربعة من أبنائها؛ فداء لشرف العراقيات من المحافظات التي أحتلها الإرهاب، وذاك الأب الذي فقد أربعة من ولده في ميادين الحرب؛ دفاعاً عن أخوته في الانبار وصلاح الدين، كل هؤلاء وغيرهم، هم من هذا المجتمع؛ فهل يحتاج هؤلاء لتسوية مجتمعية؟!
إذن لاشك ولاريب، أن المجتمع العراقي متآلف فيما بينه، ولم تكن الأزمة يوماً أزمة مجتمعية، بقدر كونها عمليات تراكمية لأخطاء قيادات ونخب سياسية، وقد استغلتها دول خارجية، من أجل إفشال الدولة العراقية.
متبنيّ هذه التحركات والتصريحات، التي تلمّح للتسوية المجتمعية، أما أنهم يعلمون أن لا وجود لخلاف مجتمعي، لكن يستخدمون هذه التسمية، لغرض عدم إعلان موقفهم الصريح من التسوية الوطنية، لأنها محسوبة على أطراف سياسية أخرى، وإذا نجحت في مسعاها؛ فهذا يشكل خطراً عليهم، وتفوقاً لمتبني تلك المبادرة، أو أنهم قليلي خبرة في السياسة، وغير مدركين لحقائقها.