في كواليس القرار الدولي:نتنياهو ضغط وهدد، وبوتين حاول التأجيل، ومجلس الأمن أصر على التصويت

آخر تحديث 2016-12-28 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين

قبل عدة ساعات، اتصل مسؤول رفيع من وزارة الخارجية في القدس، بالسفير النيوزيلندي، جونثان كار، وحذره من امكانية قيام اسرائيل بإغلاق سفارتها في ويلنغتون في حال تم تمرير القرار. وسجل كار الملاحظة أمامه، ونقلها الى حكومته، ولكن مع بزوغ الفجر في نيويورك، فهمت اسرائيل ان الخطوة تواصل التقدم.

المحادثة الهاتفية بين نتنياهو ومكولي كانت محاولة شبه أخيرة لمنع التصويت، أو على الأقل، تأجيله واكتساب بعض الوقت. ووصف دبلوماسيون غربيون اطلعوا على التفاصيل، المحادثة بأنها كانت صعبة ومتوترة جدا، ووجه نتنياهو خلالها الى نظيره النيوزيلندي، تهديدات شديدة اللهجة، ربما غير مسبوقة في تاريخ العلاقات بين اسرائيل ودولة غربية. وقال نتنياهو له: "هذا قرار مشين، اطلب عدم دعمكم له وعدم دفعه. اذا واصلتم دفع القرار، سنعتبر ذلك بمثابة اعلان حرب علينا. ستكون لذلك أبعاد. سنعيد سفيرنا الى القدس". فرد مكولي عليه: "هذا القرار يتفق مع سياستنا وسنواصل دفعه".

قبل شهر من ذلك فقط، زار وزير الخارجية النيوزيلندي اسرائيل، والتقى بنتنياهو يختلف تماما – شخص لطيف، ودود، وموفور بالدفء. وعرض نتنياهو امام الوزير الضيف شريط الشرائح الذي سبق واستخدمه كخلفية لمحادثاته مع وسائل الاعلام الاسرائيلية، وشرح للوزير الضيف كيف تكسب اسرائيل اصدقاء جدد في افريقيا وامريكا اللاتينية.

وقال الدبلوماسيون الغربيون ان مكولي، الذي انشغل بشكل متواصل خلال العامين الأخيرين، في المسألة الاسرائيلية – الفلسطينية في مجلس الأمن، تحدث في حينه مع نتنياهو عن مشروع القرار الذي كانت تريد بلاده تقديمه، والذي كان اكثر معتدلا من القرار الذي صودق عليه في نهاية الاسبوع الماضي.

وقد دعا مشروع القرار النيوزيلندي الى تجميد البناء الاسرائيلي في المستوطنات، لكنه دعا ايضا، الى تجميد الخطوات الفلسطينية في الأمم المتحدة وفي المحكمة الدولية في لاهاي، واجراء مفاوضات مباشرة بين الطرفين، من دون شروط مسبقة. لكن نتنياهو رفض الاقتراح. ولو كان الأمر بيد نتنياهو لما تم بتاتا التطرق الى المسألة الفلسطينية خلال اللقاء مع مكولي. فقد كانت رسالته هي ذات الرسالة التي يكررها على الملأ خلال الأسابيع الأخيرة: "العالم لم يعد معنيا بالمسألة الفلسطينية، الغالبية المباشرة ضد اسرائيل في الأمم المتحدة اصبحت طي الماضي". وقال دبلوماسي غربي هذا الاسبوع ان "التصويت يوم الجمعة اثبت عكس ذلك، وأظهر بأن تقييم نتنياهو كان خاطئا".

بريطانيا ساعدت في صياغة القرار

وتكشف محادثات مع دبلوماسيين غربيين واسرائيليين، تفاصيل كثيرة ومثيرة حول ما حدث وراء الكواليس في الأمم المتحدة، بين ساعات بعد ظهر الخميس – حين اعلنت مصر عن انسحابها من مشروع القرار- وصباح يوم الجمعة، حين اعلنت نيوزيلندا والسنغال وماليزيا وفنزويلا، الشريكة في مشروع القرار، بأنها ستواصل دفعه نحو التصويت.

وقال الدبلوماسيون انه منذ اللحظة التي تراجعت فيها مصر، بدأ في ساعات مساء الخميس الضغط من قبل دول اخرى على نيوزيلندا والسنغال وماليزيا وفنزويلا، لكي تواصل دفع القرار. وكان الفلسطينيون اول من ضغطوا، وانضمت اليهم بعض دول الخليج وبريطانيا. وقال الدبلوماسيون ان بريطانيا توجهت الى نيوزيلاندا وشجعتها على مواصلة دفع مشروع القرار حتى بدون الدعم المصري.

وقد بدأ النشاط البريطاني قبل عدة ايام من ذلك. وحسب ادعاء الدبلوماسيين الاسرائيليين فقد وصلت معلومات الى وزارة الخارجية في القدس تشير الى قيام رجال قانون ودبلوماسيين بريطانيين بالعمل مع الفلسطينيين على صياغة مشروع القانون، قبل قيام مصر بتوزيعه مساء يوم الاربعاء، على اعضاء مجلس الامن. وقالوا ان البريطانيين فعلوا ذلك سرا ومن دون اطلاع اسرائيل.

ويسود الاشتباه في القدس بأن البريطانيين عملوا طوال تلك الأيام من قبل الامريكيين من اجل السماح لإدارة اوباما بالتأكد من ان نص القرار يتفق مع مواقفه، والتدخل بشكل شخصي في صياغته. وقال دبلوماسي اسرائيلي رفيع: "نحن نجيد قراءة قرارات مجلس الأمن. هذا ليس نصا صاغه الفلسطينيون او مصر، وانما قوة عظمى". وقال السفير الاسرائيلي لدى واشنطن، رون دريمر، خلال لقاءات مع وسائل اعلام امريكية، امس الاول، ان اسرائيل تملك ادلة على وقوف ادارة اوباما وراء القرار وصياغته. وليس من الواضح ما الذي قصده.

ويؤكد الدبلوماسيون الغربيون بشكل جزئي اقوال الدبلوماسيين الاسرائيليين. ويدعون ان بريطانيا قامت فعلا بدور رئيسي في صياغة مشروع القرار وعملت على تعديله مع الفلسطينيين. ومع ذلك، اكدوا، انهم لا يملكون أدلة على وقوف الادارة الامريكية وراء الخطوة كلها. وقال احد الدبلوماسيين ان "البريطانيين ساعدوا على تليين نص القرار لكي يتفق مع السقف الامريكي، ويتم تمريره من دون استخدام الفيتو".

موسكو حاولت مساعدة نتنياهو

محادثة نتنياهو مع وزير الخارجية النيوزيلندي لم تضع حدا لمحاولات منع التصويت مساء الجمعة. وقبل عدة ساعات من التصويت اتصل نتنياهو بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وطلب مساعدته. قبل يوم من ذلك فقط كانت اسرائيل قد استجابت لطلب روسي وتغيبت عن التصويت في الهيئة العامة على مشروع قرار التحقيق في جرائم الحرب في سورية.

ليس من الواضح ما حدث خلال المحادثة بين نتنياهو وبوتين، لكن قبل ساعة من التصويت في مجلس الامن، حدثت دراما في مقر الامم المتحدة في نيويورك. ففي الوقت الذي اعد فيه سفراء الدول الاعضاء في مجلس الأمن خطاباتهم تمهيدا للتصويت العلني طلب السفير الروسي فيتالي تشوركين اجراء مشاورات مغلقة.

وقال دبلوماسي غربي ان تشوركين اصاب مندوبي الدول الـ14 بالصدمة، حين اقترح تأجيل التصويت الى ما بعد عيد الميلاد. وادعى تشوركين انه لم يتم اجراء ما يكفي من النقاش حول نص القرار، واعرب عن استغرابه لتسرع بعض الدول للتصويت عليه. وقد اكد نائب السفير الروسي لدى اسرائيل، الكسي دروبينين، هذا الأمر لإذاعة الجيش الاسرائيلي، امس.

وقال دروبينين انه "كانت لدى روسيا تحفظات على القرار، وكان ممثلنا في نيويورك هو الوحيد الذي طلب مواصلة مناقشة القرار. يجب ان نأخذ في الاعتبار ان ادارة جديدة ستكون في واشنطن بعد عدة اسابيع. بالنسبة لنا كان يجب اخذ ذلك في الاعتبار. طريقة طرح مشروع القرار لم تعجبنا، المشكلة لم تكمن في المضمون وانما في التوقيت وحقيقة ان القرار يتطرق فقط الى مسألة واحدة من جملة الامور الجوهرية للصراع".

لكنه لم يتم الاصغاء لملاحظات تشوركين، فقد رفض غالبية الحضور موقفه وطالبوا بمواصلة التصويت حسب التخطيط. وقال دبلوماسي غربي ان السفير الروسي فهم بأنه لن يتمكن من تجنيد غالبية مؤيدة لموقفه، فتراجع ولخص النقاش بمقولة ساخرة تميزه: "لم أر في حياتي ابدا مثل هذا العدد الكبير من الناس الذين يرغبون بتبني طفل يتيم بهذه السرعة". وانتهت الجلسة، ودخل السفراء الى القاعة وصوتوا على القرار.

هآرتس