يخوض إقليم كردستان العراق حربا ضد تنظيم الدولة الإسلامية داعش، وتمكنت قوات البيشمركة الكردية من بسط سيطرتها على مساحات يعتبرها قادة الإقليم مهمة لحماية أمنه.
الحرب على التنظيم جاءت موازية لحرب داخلية باردة استمرت أكثر من عام، بين الحزب الديموقراطي الكردستاني بزعامة رئيس الإقليم مسعود بارزاني، وحركة التغيير التي يقودها نوشيروان مصطفى.
ويبدو أن معطيات الواقع الجديد، خاصة بعد أن شارفت الحرب ضد داعش على نهايتها حسب الحكومة العراقية، قد انعكست على الخريطة السياسية للإقليم، حيث شهد الأسبوع الماضي اجتماعا هو الأول من نوعه بين القطبين السياسيين في مدينة السليمانية من دون وساطة طرف ثالث.
وجاء الاجتماع بعد دعوة أطلقها بارزاني حث فيها الأحزاب الكردية على عقد حوار لإيجاد حل للأزمة السياسية التي تعصف بالإقليم.
ويهدد الواقع السياسي الحالي بالعودة إلى أصعب مرحلة مر بها الإقليم منذ منتصف التسعينيات وحتى 2003، عندما أنتجت الحرب الداخلية حكومتين للإقليم، واحدة في أربيل تحت إدارة الحزب الديموقراطي وأخرى في السليمانية بإدارة الاتحاد الوطني الكردستاني بزعامة الرئيس العراقي السابق جلال طالباني.
ولم يعقد قياديو "التغيير و"الديموقراطي الكردستاني" مؤتمرا صحافيا، ولم ترشح أي معلومات عن نتائج اجتماع السليمانية، لكن الكاتب والصحافي الكردي خالد سليمان يرى في حديث لموقع "الحرة" أن المستقبل يميل "أكثر إلى المناطقية بسبب استفحال الأزمات الاقتصادية والمالية، بالإضافة إلى توجه الحكومة المحلية نحو آليات المركزية السياسية ".
في المقابل، يعرب النائب الكردي عن الحزب الديموقراطي أوميد خوشناو في اتصال مع موقع "الحرة" عن تفاؤله في إمكانية حل الخلافات داخل الإقليم، على أساس أن الأطراف الكردية " تتعامل بجدية" مع المبادرة التي أطلقها زعيم الحزب بارزاني، حسب قوله.
ويعتقد خوشناو أن "التغيرات التي تشهدها المنطقة بالإضافة إلى الحرب على داعش والخلافات مع بغداد تتطلب توحيدا في الصفوف والمواقف ورؤية مشتركة للقضايا".
لكن الأمر لا يقتصر على العوامل الخارجية، بل يمتد إلى أزمة تتصل بخلاف حول الرؤية المطروحة لطبيعة النظام السياسي الكردي وكيفية إدارته، حسب رأي النائب عن حركة التغيير رابوون معروف.
ويذهب معروف إلى أن إدارة الإقليم لا يمكنها الاستمرار بشكلها الحالي، مضيفا أن الخلافات بين "التغيير" و"الديموقراطي" هي خلافات حقيقية "بين مقترحين ورؤيتين نحو إدارة النظام السياسي في إقليم كردستان".
ويرى معروف أن دعوة بارزاني "تنقصها آليات عملية لحلحلة أزمة الرئاسات الثلاث، رئاسة الإقليم والحكومة والبرلمان".
خلاف العوائد النفطية والنظام السياسي
ويرتبط الواقع السياسي الراهن في الإقليم، حسب مراقبين، تاريخيا بخارطة خلافات تعود إلى ستينيات القرن الماضي، والتي شهدت انشقاق طالباني عن ملا مصطفى بارزاني وظهور الانقسام بين منطقة بادينان المعقل التقليدي للحزب الديموقراطي، ومنطقة سوران التي يهيمن عليها الاتحاد الوطني الكردستاني.
لكن "الصراعات لم تعد مناطقية أوآيديولوجية، بل حول المواقع وعوائد النفط والنظام السياسي"، يشير المحلل السياسي كمال جوماني.
وفي آب/ أغسطس 2013 انتهت الولاية الثانية لرئيس الإقليم مسعود بارزاني، ولكنها مددت لعامين باتفاق تم توقيعه بين الحزبين الرئيسيين الديمقراطي والاتحاد.
أحزاب المعارضة ومنها "التغيير" عارضت الاتفاق، وعدته "خرقا فاضحا للدستور".
التوتر يمتد إلى الشارع الكردي
ومع تصاعد حدة الخلافات بين "التغيير" و"الديموقراطي، انعكست الأزمة على الشارع الكردي، وأخذت الهوة بالاتساع بين أربيل والسليمانية التي شهدت مظاهرات شعبية في تشرين الأول/أكتوبر 2015، أضرمت خلالها النيران في مقرات تابعة للحزب الديموقراطي.
واتهم الحزب الديمقراطي حركة "التغيير" بأعمال الشغب وإعداد "مخططات تخريبية" وإحداث "الفوضى".
ودخلت الأزمة في كردستان منعطفا جديدا، عندما منعت السلطات في أربيل رئيس برلمان إقليم كردستان العراق يوسف محمد الذي ينتمي إلى كتلة التغيير من دخول المدينة حيث مقر البرلمان، وتبعه قرار بطرد وزراء الحركة من الحكومة.
سؤال المستقبل الكردي: الوحدة أو المزيد من الانقسام؟
وفي ظل استمرار الخلافات، تتنوع الرؤى للمستقبل السياسي للإقليم، فالنائب خوشناو يعتبر أن "الصراعات والمشاكل التي ستواجهنا هي عملية مخاض لولادة كيان كردي" جديد.
ويرى معروف أن الأحزاب الكردية "إذا لم تستطع التغلب على الأزمات، وإيجاد آلية لإدارة اختلافاتهم، فإن الإقليم سيواجه أزمات أعمق وسيناريوهات أكثر سوءا"، من ضمنها "ابتعاد السليمانية عن أربيل أكثر".
ويستبعد الكاتب سليمان سيناريو العودة إلى نظام الإدارتين من دون قرار من الاتحاد الوطني الكردستاني لأنه هو من " يسيطر على الأجهزة الأمنية والقوة العسكرية في السليمانية وليس حركة التغيير".
لكن ذلك لم يمنع سليمان من التأكيد بأن " واقع الإقليم منقسم سياسيا بطبيعة الحال".
وإذا لم تصل الحوارات الراهنة بين الحزب الديموقراطي وحركة التغيير إلى نتائج إيجابية، فإن "جولة أخرى من العنف اللفظي والإعلامي سنشهدها بين الحزبين ما قد يعمق الأزمة"، حسب سليمان.
ويعتقد المحلل السياسي جوماني أن المصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة بين الحزبين الأساسيين (الاتحاد والديموقراطي) ستدفعهما إلى "عقد اتفاق ومن ثم التنازل قليلا لحركة التغيير، وربما سيعلنان عن بعض الإصلاحات لإقناع الناس".
لكن جوماني يرى أن التحدي الأساسي يتمثل في مرحلة ما بعد هذه الاجتماعات وتطبيع الأوضاع السياسية بين الطرفين.
ويقول جوماني إن "حركة التغيير والأحزاب الأخرى تريد انتخابات نزيهة وتغييرا في السلطة، وإذا لم يقبل الديموقراطي والاتحاد بهذا، فإن المشاكل ستتفاقم".
وما يزيد المشهد السياسي في الإقليم تعقيدا هو تعطل البرلمان لأكثر من عام، إلى جانب رئيس انتهت ولايته منذ آب/ أغسطس 2015.
وهذا الواقع السياسي انعكس على الجوانب الاقتصادية، إذ يعاني الإقليم من أزمة مالية خانقة، جعلت الحكومة عاجزة عن دفع رواتب موظفيها، بالتوازي مع تكاليف الحرب على داعش التي أرهقت ميزانية الإقليم.
المصدر: موقع الحرة