العراق / زهراء جبار الكناني
نازحو العراق وانعدام الامن الإنساني
تائهون ومعذبون داخل وطنهم
كم هو شاق طريق النزوح في كل خطوة يخطوها المرء يصبح اسمه نازحا يسير وفي قلبه حزن دفين كأنه يحمل الوطن في حقيبة غربته سالكا طرقا وعرة برفقة الكثير من البؤساء أمثاله. تدخل رمال الصحراء وكثبانها في عينيه ولا يبكي، كل ما في الأمر أنه تذكر تربة مدينته الخصبة وأنه لم يدخل يوما تراب الغربة إلى عينيه وهو في وطنه!
ما فائدة الحزن والمكوث فوق أرض خصبة وهو يرى عرق قلبك الذي صبه على ترابها، ليجني تلك الثمار وتكون حصرا لقاتليه وهي نفس تلك الارض الخصبة التي ابتلعت كمًا هائلًا من جثث ذويه واصدقائه وجعلت من دمائهم سمادا.
اختاروا طريق النزوح رغما عنهم، فساروا في ظلمة الليل بحثا عن ملاذ امن يتأبطون بالصبر بعدما نزع الرعب من قلوبهم الأمل، فتحولت حياتهم الى شبه بركان ينذر بالانفجار من ضغوط نفسية بسبب ما مروا به، هناك من استطاع تخطي معاناته ومنهم ما زال يصارع الخوف الذي استكان بداخله.
ومهما ارتشفنا من الم سيكون اقل بكثير من سيل الألم الذي اكتسح النازحين فالتهجير والنزوح هو مأساة إنسانية كارثية بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى وأبعاد ومشاكل نفسية وصحية في طياتها لا تنتهي.
الناجون من الموت
لقد أطبق الصمت على فمه ولا لغة له إلا في نظرات عينيه الفارغتين اللتين تبدوان كأنهما تنظران الى شيء يراه وحده فهو لم يعرف بأي دم وقَّع القتلة جرائمهم، ما زال يذكر سيل الدماء التي أغرقت البيت بأكمله، هو لم يعرف شيئا ولا حتى بأي معجزة نجى من بين فكي الموت ليقيم بين فكي الحياة من نزوح وإرهاب وموت لا ينتهي وراح يتطلع الى سكون الأشياء بعد الموت وصخب الدمار في صمته ودموع الناجين في خرسهم النهائي لما مر عليهم.
الشاب نديم عيسى أحد النازحين من الموصل قال: ان اكتب عن جرحي احتاج الى ان ألملم كل طاقاتي المتبقية وبكل ما أوتيت من قوة حتى اكبح دمعي فالجرح عميق كنت قد خرجت خارج المدينة للعمل لان أسواق مدينتنا أصبحت مقفرة لما نمر به من حرب داخلية في الأزقة والأسواق.
في ذلك المساء عدت ولم اسمع سوى صوت صفير الرياح العاتية، أحسست بوقع خطب هرولت نحو بيتنا مسرعا دلفت الى بيتنا الذي بان كأنه مهجورا منذ سنوات خلت,فغاصت قدماي ببركة من الدماء ترجلت على مهل فاغر الفم وانا اتطلع الى جثث اخوتي ووالداي وقد فصلت رؤوسهم عن اجسادهم , احسست بأن يد ربتت على كتفي كأنها تنتشلني من حالة الصدمة التي اصابتني حينما جثوت على ركبتاي كأن انتظر احد يفصل رأسي عن جسدي حتى التحق بأسرتي فما معنى بقائي من بعدهم, لو اني ما خرجت في صبيحة ذلك اليوم لكنت معهم, لماذا نجوت من رمق الموت لأعيش وحيدا من دونهم.
ضياع الأمل
مها عبد العالي 35 سنة نازحة من ديالى لاذت بصمت طويل وراحت تسرد ما قاسته بهدوء تام وكأن الوجع الذي تكبته بداخلها أنساها ما قاسته فقالت: لذنا بالفرار حينما اقترب الموت منا نعم فقد توغلت قوات داعش التكفيرية الى البيوت السكنية لقتل الرجال وسبي النساء فكان لابد لنا من ترك بيوتنا ولا استطيع وصف الرعب الذي لازمنا في طريق النجاة كنت حامل بأول طفل لي بعد زواج دام 9 سنوات وكنت احرص على طفلي اكثر من نفسي خشيت ان اخسره ابتدأت رحلتنا بالصعود الى حافلة مكشوفة كنا ننتفض خوفا وبردا انا وزوجي وأسرته والكثير من العوائل وصلنا الى البراري فقرروا ترك الحافلة والسير حفاظا على حياتنا بقينا نسير وانا أتألم ولا يسعني حتى الصراخ او الكلام حتى لا يقتفي احد اثرنا فبقى الصمت ملاذي الوحيد لأخفي وجعي , لم استطع تحمل مشقة رحلة الهلع التي قاسيناها اكملت مها حديثها وهي تحاول اخفاء دموعها افقت في مخيم اللاجئين احسست اني احتضر وسألت بصوت واهن ماذا حصل؟.
وجاءني الجواب فقدت الوعي اثناء السير واجهضت الجنين بعدما اصابك نزيف مباغت استطعت بعدها ان ادخل المشفى حين وصولنا الى كربلاء تلقيت العلاج اللازم لكن بعد فوات الاوان فقد بات املي بالحمل مرة ثانية شبه مستحيل وذلك لما قاسيته بالمخيم.
لم تكن مها فقط من خسرت طفلها الذي لم يبصر النور بعد، منتهى متاني فاضل 53 سنة نازحة من الفلوجة فقد تركت خلفها ام البنين وهي في العاشرة من عمرها بعدما انتزعها والدها بالقوة من امها تاركا لها زين العابدين 17 سنة و حسين13 سنة تخلى عنها لانها شيعية ولانه سني قرر المكوث مع زوجتيه السنيتين رافضا ترك املاكه واعماله.
قالت منتهى: لم يستجب لتوسلاتي باعطائي ابنتي ولم يكتف بهذا فحسب بل طلقني واجبرني على الرحيل حتى لا اسبب له الاذى ببقائي لم يكن امامنا سوى طريق مدينة كربلاء المقدسة ما من الم استطيع ان اصف به حالي في تلك الايام التي قاسيتها مكثنا في مدينة الزائرين سبعة اشهر ثم انتقلنا إلى الأحياء السكنية لمواصلة حياتنا تركوا اولادي التعليم فعمل زين العابدين اجيرا في اعمال البناء وحسين بائع سمك وابنتي لم ارها منذ عامين ما اشعر به الان ان حياتي انتهت قالتها بيأس ختمت حديثها اتمنى ان احصل على كرفان لأسكن به لأني لا استطيع دفع إيجار البيت وقد تراكمت الديون واصبح وضعي النفسي يزداد سوءا لما مررت به.
مأساة نفسية
الباحثة الاجتماعية نضال مهدي مسعود ترى انه: في حياة كل شخص تمر ظروف معينة لربما البعض منها تترك في نفس المرء اثرا سلبيا او حتى ايجابي ونشهد اليوم في ما يمر به البلد من اجتياز الارهاب الى مدننا مما خلف دمار مادي ونفسي ألا وهو النزوح الذي بسببه نجد الكثير من النساء وحتى الرجال يعانون من التهجير القسري من مدنهم التي عاشوا بها, تاركين عملهم وممتلكاتهم ومنهم من خسروا حتى الانفس فقد شهد الكثير من النازحين مصرع ذويهم وهم يحتضرون اثناء رحلة النزوح.
واضافت من خلال زيارتي لمخيمات النازحين وبعض الكرفانات وجدت الكثير من النساء والرجال وحتى الاطفال قد اصابتهم حالات اكتئاب وانطواء ولا استطيع التكهن بالغيب فلربما استطيع القول ان البعض سيتجاوزون مخاوفهن ان استطعنا مد يد العون لهم ومساعدتهم, فقد سعيت جاهدة ليس فقط لحل الازمات النفسية بل حتى مساندة بعض النسوة في الامور المادية والمسائل القانونية للواتي خسرن أطفالهن في حق الحضانة , وهناك الكثير من المشاكل النفسية التي يعانون منها النازحين لا يسعنا ذكرها.
النزوح بالأرقام
رئيس لجنة الهجرة والمهجرين في محافظة كربلاء المقدسة ليلى فليح قالت: منذ عام 2015 الى عام 2016 استقبلت محافظة كربلاء المقدسة ما يقارب13691 عائلة نازحة وتم تسجيل بياناتهم وفق الشروط وهناك عوائل منحت لهم مبالغ ماليه قدرها مليون دينار وتم تسليم البعض كرفانات وكل ما يلزم حتى اننا قمنا بتشييد مدارس من الكرفانات لمواصلة دراستهم, اما اليوم قد شهدنا تحرير الكثير من المناطق حيث تم تطبيق القرار بترحيل النازحين الى المناطق المحررة وقد تم إعادة ما يقارب 600 عائلة الى مواقع سكناهم.
المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية
مرتبط