اكثرنا مارس لعبة(الحجنجلي بجنجلي) الجميلة في طفولته.
عندما كنا صغاراً،نلتم بالشارع من بنات وأولاد،فيصل عددنا الى عشرة أو أكثر، فنشكل حلقة دائرية،ثم يقوم احدنا يردد هذه الأنشودة الشعبية:
(حجنجلي بجنجلي صعديت فوق الجبلي ،ولگيت قبة قبتين،صحت يعمي يحسين ،هذا مقام السلطان شيل رجلك يا عمران)،فحين تصل الكلمة الأخيرة على واحد منا يرفع رجله،وهكذا تدور على بقية الآخرين، فهي عملية تسقيط وخروج من اللعبة،الى ان يبقى واحد، يكون هو الفائز.
اليوم التسوية الوطنية،صارت مثل هذه اللعبة،كل رفع من صيصته وعقيرته،وينادي بالتسوية وفق مزاجه وهواه،ويسقّط بالآخرين ليكون هو صاحب التسوية،وفي مقام السلطان.
الطامة الكبرى،ان هؤلاء داخل التحالف ،ففي الوقت الذي اتفقوا فيه على مبادرة التسوية،وصوتوا لها،يخرجون في وسائل الإعلام ويشككون بها؟!وليس في هذا الأمر مفاجأة فقد عودونا على نفاقهم وزدواجيتهم.
عندك مثلاً،رئيس وزرائنا السابق،حجي نوري،قال:لا تسوية مع من تسبب في أزمة الأعتصامات،وجاء بالأرهاب،ولا تسوية مع من يرفضهم مكونهم السنّي!
لا لا حجي نوري"احنا ابختك"،هو من الذي تسبب في الأزمات غيرك؟! كنت عنود،ومتغطرس،ومستبد،لم ترجع الى التحالف الذي جاء بك الى السلطة لتشاوره وتشركه في أمرك،ولم تستمع الى توحيهات وارشادات المرجعية الدينية،فكانت نتيجة افعالك خراب ودمار العراق،حتى سلمته لداعش بسبب قياداتك الأمنية المتخاذلة والخائنة!
انا اقول لك يا حجي،انت لماذا ترفض هذه التسوية؟لأن مبادئها تحتوي على شروط- لا تخدم توجهاتك السياسية،ولا توجهات بعض قادة الحشد،الذين تحالفت معهم لأغراض سياسية وانتخابية،فأنت تحلم بالرجوع للواجهة الرئاسية،او على الأقل ليبقى اسم المختار يراودك.
ازدواجية اخرى ظهرت من العبادي والسيد الصدر،فالأثنين يعلمون بها جيداً،الأول قد اطلع عليها تماماً بكل حروفها، والثاني ابدى موافقته لها من خلال ممثل الامين العام للأمم المتحدة عندما زاره بالنجف،وكلاهما علموا بأن التسوية شاملة،وسياسية ومجتمعية،فلماذا هذا التغابي؟!مع العلم ان التسوية المجتمعية التي تبناها الطرفين،هي من خصوصية وعمل الحكومة،سوى تحققت التسوية الوطنية أم لا،وأنما التسوية السياسية هي تفعيل اجراءات الحكومة في المصالحة المجتمعية،من خلال الزامها بأتفاقات وتشريعات وقوانين يتفق عليها.
كما ان لجنة المصالحة الوطنية في مجلس الوزراء،اعتبرت التسوية الوطنية ،التي طرحت مؤخراً،تختلف عن المبادرات السياسية السابقة،بأربع ركائز هي: احتوائها على مبادئ وأسس،وعنصر الضمانات،وخطة تنفيذية من خمس مراحل،ووجود شراكة تامة مع بعثة الأمم المتحدة.
التسوية التاريخية،أو المبادرة الوطنية للسلم وبناء الدولة،تسوية سياسية، ومجتمعية،ووطنية،وتاريخية،تشمل جميع المكونات العرقية والدينية والمجتمعية،هدفها عراق موحد فدرالي،خالي من العنف والتبعية، وتحقق التعايش السلمي،وتحتاج الى توفير بيئة مناسبة،وأرضية صلبة لتفعيلها،وليس لعبة اطفال"حجنجلي بجنحلي"هذه لي،وهذه لك،وننتظر من الذي يفوز بها.
اقول:ينبغي للتحالف الوطني،ان يجمع أمره،ويوحد رأيه في شأن التسوية، لكي تنجز مع الآخرين،فهي خيار العراقيين الوحيد لحفظ دمائهم.