حيدر الجراح يكتب: المنهج النبوي في الاعتدال

آخر تحديث 2016-12-31 00:00:00 - المصدر: مقالات عراقية

في كل حياته المباركة شدد الرسول الكريم محمد (صلى الله عليه واله وسلم) على الاعتدال في جميع مايتعلق بحياة المسلم، عبادات او معاملات.. ولا يعني التأكيد والتشديد على كلمة الاعتدال وحدها، بل تشمل جميع ماينطبق عليها ويشير اليها.. وربما يمكن للحادثة التالية ان تلقي الضوء على سعة هذه الكلمة ودلالاتها المتنوعة، والتي قاربها صلى الله عليه واله وسلم وجعلها مساوية لسنته.. وهي قصة الثلاثة الذين سألوا عن عبادة الرسول، صلى الله عليه واله وسلم فلما علموا ذلك كأنّهم تقالّوها‍! فقال أحدهم: أمّا أنا فأصوم ولا أفطر، وقال الآخر: أمّا أنا فأصّلي الليل أبدًا، وقال الآخر: لا أتزوجّ النساء، فقال صلى الله عليه واله وسلم: " أأنتم الذين قلتم كذا وكذا ؟؟ أمَا والله إني أخشاكم لله وأتقاكم له، لكنيّ أصوم وأفطر، وأصلّي وأرقد، وأتزوج النّساء، فمن رغب عن سنّتي فليس منِّي". او يمكننا ايضا تأمل دعاء النبي صلى الله عليه واله وسلم: (اللهم أصلح لي ديني الذي هو عصمة أمري وأصلح لي دنياي التي فيها معاشي، وأصلح لي آخرتي التي إليها معادي، واجعل الحياة زيادة لي في كل خير، واجعل الموت راحة لي من كل شر). وهذا الدعاء المبارك جمع معاني الاعتدال بجميع دلالاته، الحياتية والاخروية، الروحية والمادية. ولعل معاني تلك الكلمة (الاعتدال) في العربية تشي بهذا التنوع المتعدد لها في كل حركة يقوم بها الفرد المسلم في حياته، لأجل معاشه ولأجل اخرته.. فالاعتدال توسط حال بين حالين في كم أو كيف، وكل ما تناسب فقد اعتدل، وكل ما أقمته فقد عدلته وعدلته، والعدول: هم الخيار. ومن معاني العدل والاعتدال في القاموس المحيط: الحكم بالعدل، والاستقامة، والتقويم، والتسوية، والمماثلة، والموازنة، والتزكية، والمساواة، والإنصاف، والتوسط. وفقا لهذه المعاني والدلالات يمكننا العثور على الكثير من المظاهر للاعتدال في النهج النبوي والتي حث عليها المسلمين للالتزام بها: في العبادات – في المأكل والمشرب – في الأخلاق – في الدين والدنيا. وهذه المظاهر يمكن ان تندرج فيها الكثير من المعاني: ضرورة الدعوة الى الله وإعلاء كلمته بإعطاء النماذج الصالحة للآخرين ونبذ العنف. ضمان حرية التفكير والنقاش والملاحظة. تقوم السنة الإلهية على الاختلاف بين البشر والمجتمعات والثقافات والأديان، وانه يجب على المسلم إدراك هذه الاختلافات والتعامل مع الآخر والتحاور معه. خصوصية العلاقة بين الفرد وربه. الاسلام يساوى بين كافة الافراد بغض النظر عن الاختلاف في اللون والعرق والجنس. التأكيد على الشورى بين المسلمين وعلى التعاون لتحقيق المصالح المشتركة. أهمية الامر بالمعروف والنهى عن المنكر، ذلك لان العلاقة بين الاعتدال وبين اصلاح المجتمع تتمحور حول قضية مسئولية الفرد. تلك المعاني للاعتدال نجدها في يومنا هذا قد غابت عن وعي الكثير من المسلمين بسبب الأحزاب والحركات التي ادعت الوصل بالإسلام، وانها تمثله وتحاول تطبيقه على ارض الواقع للمجتمعات المسلمة.. لكنها عملت على إحلال كل نقيض لقيم الاعتدال ومعانيه.. من تلك النقائض: الغلو الذي هو مجاوزة الحد.. والإفراط: وهو تجاوز القدر في الأمور. والتفريط: وهو بمعنى التقصير. والجفاء: خلاف البر والصلة. والظلم: وهو مجاوزة الحق. ما الذي يمكننا عمله في معرض استذكار قيم الاعتدال ومعانيه في كل ذكرى للمولد النبوي الشريف، ونحن الذين خاطبنا القران الكريم باتخاذ الرسول (صلى الله عليه واله وسلم) اسوة وقدوة حسنة؟ الاستقامة في المواقف والسلوك.. مراعاة التوازن والاتزان والعدل.. قبول الاخر المختلف واحترام الاختلاف. التأكيد على القيم الإنسانية والسماوية المشتركة بين المسلمين وبين غيرهم. تعزيز دور المؤسسات الدينية والثقافية ومؤسسات المجتمع المدني. * مركز الامام الشيرازي للدراسات والبحوث