ما بعد أحداث الكرك ليس كما قبلها

آخر تحديث 2017-01-02 00:00:00 - المصدر: قناة الميادين

أصبح من الضروري الآن وليس غداً الوقوف في خندق العراق وسوريا وحلفائهما لأنهم من يقومون بمحاربة الإرهاب على نحو جدي وليس بطريقة المشاغلة السياسية المرسومة مسبقاً ولا خيار للأردن من أجل أمنه واستقراره وكرامة شعبه إلا هذا الخيار.

لم يستطع الأردن الرسمي الفرز بين من هو الإرهابي ومن هو المعارض السياسي

إن أبرز حدث قبل نهاية عام 2016 مرّ على الأردن وجعلنا نقف على قدم واحدة، هو الغزوة الإرهابية على قلعة الكرك التاريخية وما نتج عنها من خسائر بشرية في صفوف الأجهزة الأمنية من درك وشرطة ومدنيين وما ترسخ من فقدان للثقة بين المواطن وتصريحات الجهات الرسمية الأردنية غير الموفقة إن لم أقل إنها كانت عبارة عن زيت يصبّ على نار القلق الشعبي الموقدة نتيجة لعجز الحكومات المتعاقبة عن مواجهة تحديات الخطر ومصادره اقتصادياً وسياسياً واجتماعياً.  ولعلّ المثير في كل ما جرى من أحداث هو دور المواطن الأردني في كشف خلايا الخطر أو القيام بإلقاء القبض على فاعليها فمثلاً عملية مكتب مخابرات البقعة والذي ذهب ضحيتها خمسة من رجال المكتب والذي قام بها فرد واحد وبشكل لا يمكن تصديق حدوثه مكاناً وزماناً، وبقاء المجرم حراً طليقاً وغير بعيد عن المكان لولا اشتباه أحد المواطنين به ومن ثم إلقاء القبض عليه مع الغياب الكلي لموقف واضح وصريح ومقنع من الجهات الرسمية عبر تصريحاتها المتناقضة حول الحدث. وهذا ما حصل أيضاً في غزوة إربد وغزوة الركبان وعملية اغتيال الشهيد ناهض حتر أمام قصر العدل وغزوة قريفلا/الكرك وحتى عزوة الشوبك قبل يومين من الآن. فالقاسم المشترك لاكتشاف كل هذه الغزوات هو المواطن العربي الأردني وحسّه الأمني وقناعته بحقة بالأمن والاستقرار فكان يقوم بإبلاغ الجهات المختصة كركن مختص في مواجهة الأزمات قبل حصولها. فبرزت المشكلة في تنفيذ المواجهة لتلك الأخطار فمنها ما كان بالاستخفاف بالتبليغ كما حصل في إربد وفي اغتيال ناهض حتر، ومنها ما كان مفاجئاً رغم توفر المعلومات كما حصل في الركبان والكرك، فكانت نتائجه خسائر باهظة تحطم المعنويات وتمسخر مؤسسات الدولة. ولعل أخطر طريقة للتعامل مع هذه المخاطر هو الإعلام الرسمي الأردني والإعلام الرديف من قنوات وإذاعات خاصة جوهر وجودها البحث عن الربح المادي، حيث أجمعت على تكرار الرواية الرسمية باعتبار هذه العمليات الإرهابية فعلاً منفرداً وليس لها أبعاد أو من تنفيذ ثلة خارجة على القانون لإخفاء أي فعل منظم للقوى الإرهابية رغم إعلان داعش عن مسؤوليته عن تلك الجرائم وتسخيف الهبّة الوطنية للمواطنين في مساعدة القوى الأمنية للدفاع عن أمنهم واستقرارهم واعتبارها تصرفاً غير مسؤول لتدمير معنويات الحركة الشعبية الفطرية الصاعدة في مواجهة الإرهاب وأدواته، ولكون الإعلام الأردني المرئي والمقروء والمسموع لازال مستمراً في سياسة التجييش الطائفي والمذهبي وتوظيفه في خدمة السياسات الحكومية وتحالفاتها في المنطقة والإقليم انطلاقاً من مقولة "الهلال الشيعي" وانتهاءاً بتصريحات وزير الخارجية ناصر جودة ورئيس هيئة الأركان محمود فريحات حول خطر الحشد الشعبي العراقي على الاستقرار المنشود في المنطقة حسب المشروع الأميركي الصهيوني الرجعي العربي.  كل ما سبق يضعنا أمام استنتاجات خطرة لا بدّ من معالجة أسبابها قبل أن تقع "الفاس في الراس" ونقول هذا ما جنيناه بأيدينا عبر سياسات عاجزة عن قراءة الواقع وتطوراته، حيث إننا فتحنا أبواب جهنم على بلدنا ومجتمعنا وبفعل فاعل من صنعنا ومن نتاج سياساتنا القاصرة. ولعلّ أهمّ الاستنتاجات وأخطرها هي:ـ التحالف التاريخي بين النظام السياسي وجماعة الإخوان المسلمين غير المرخصة رسمياً دون الالتفات للتغيير الحاصل في برامجها ووظيفتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية وتسليمها مقاليد الأمور في دوائر وزارة التربية والتعليم وفي كل مؤسسات وزارة الأوقاف من الإفتاء حتى أئمة المساجد ووعاظها. مما نتج عنه تربية أجيال كاملة مؤيدة لفكرتها بأخونة الغالبية الساحقة من أبناء المجتمع الأردني اخترقت من خلالها غالبية مؤسسات الدولة مع محاولات تطهيرها من الخطيئة السياسية كما حصل في هبة نيسان/ أبريل عام 1989، وهبّة الخبز في عام 1996 والتي كان مركزها محافظات الجنوب وخاصة محافظة الكرك وتحميل المسؤولية للقوى القومية واليسارية من أجل شيطنة دورها في الدفاع عن حقوق الشعب الأردني ومطالبه بالحياة الحرة الكريمة. وهذا ما ورد في خطاب الملك الراحل حسين في خطابه بخصوص هبّة الخبز. ـ  توفير كل وسائل الدعم اللوجستي من تدريب وتثقيف ونقل للمجموعات الإسلامية الجهادية للمشاركة في حرب أفغانستان. وكان من أبرز رواد تلك المرحلة المرشد الروحي لأسامة بن لادن عبدالله عزام أحد أقطاب جماعة الإخوان المسلمين الأردنية وأبرز اساتذة كلية الشريعة في الجامعة الأردنية. ـ عقد معاهدة وادي عربة مع العدو الصهيوني بدعم وتأييد واضحين من تلك الجماعات وخاصة عندما تم إقرار المعاهدة وجرى الانسحاب من جلسة مجلس النواب في لحظة إلقاء الرئيس الأميركي بيل كلينتون خطابه في المجلس مبشراً بالسلام الذي سيعمّ المنطقة بعد توقيع تلك الاتفاقية وبالاتفاق المسبق مع رئيس الوزراء انذاك عبد الكريم الكباريتي. ـ الغرق في سياسة التبعية المطلقة لمركز رأس المال العالمي عبر الارتهان لشروط صندوق النقد والبنك الدوليين واتباع نهج اقتصادي يعتمد على الخصخصة لكلّ مؤسسات الدولة الخدمية والاستخراجية مما أوقعنا في فخ المديونية والذي أوصلنا إلى مستوى الدولة الفاشلة حيث أصبحت نسبة المديونية تعادل 96% من الناتج القومي وبلغ حجم المديونية رقماً يقارب 35 مليار دولار. الأمر الذي أفرز حالة من التجويع والإفقار للشعب وقتل أي روح لخلق اقتصاد إنتاجي حتى أصبح مجتمعنا مجتمعاً استهلاكياً لتسهيل مهمة استملاكه من أي جهة قادرة على دفع المال. ـ الوقوع في مستنقع الأزمة التآمرية على سوريا والعراق دون أي اعتبار لمفهوم الأمن القومي وارتباط الأردن عضوياً ومصلحياً بكل ما يجري في سوريا والعراق من تحوّلات مما يعني بأن النظام الرسمي قدّم تحالفاته السياسية مع القوى الداعمة والممولة لميزانيته الاستهلاكية والخدمية على مصالحه الوطنية والقومية.ـ رغم أن الأردن الرسمي رفع شعار مكافحة الإرهاب وخاصة بعد استشهاد الطيار معاذ الكساسبة إلا أنه لم يستطع الفرز بين من هو الإرهابي ومن هو المعارض السياسي فاستمر بالتنسيق وتوفير الدعم اللوجستي للقوى الارهابية من أجل إطالة أمد الحرب في سوريا والعراق وخاصة أنه استغل الفرصة التاريخية وعزز ارتباطة مع الدولة الصهيونية حيث أصبح الأردن وإسرائيل أقرب إلى الوحدة الاقتصادية والمصلحية من أي دولة عربية من دول المحيط. لذلك ما زلنا نرى الميوعة في التعامل مع الأدوات الإرهابية رغم أن نارها بدأت بالاشتعال في أطراف ثوبنا كون هذه القوى وفرت للنظام السياسي فرصة تاريخية لإنجاز مشروع وجودها واستمرارها ولو بشكل هيكلي فقط. أمام هذه الاستنتاجات الخطرة لا بد أن نؤكد بأن مواجهة كل هذه المتغيرات تتطلب أولاً تشكيل حكومة وحدة وطنية مضادة للمشروع الإمبريالي الصهيوني الرجعي العربي والتي توضحت عناوينه وسقط أمام صمود ومقاومة الجيش العربي السوري والدولة السورية بكل مكوناتها وحلفائها.إذاً أصبح من الضروري الآن وليس غداً الوقوف في خندق العراق وسوريا وحلفائهما لأنهم من يقومون بمحاربة الإرهاب على نحو جدي وليس بطريقة المشاغلة السياسية المرسومة مسبقاً ولا خيار للأردن من أجل أمنه واستقراره وكرامة شعبه إلا هذا الخيار. 

المصدر: الميادين نت

إن الآراء المذكورة في هذه المقالة لا تعبّر بالضرورة عن رأي الميادين وإنما تعبّر عن رأي صاحبها حصراً