دراسة صادرة عن مركز دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، شارك في إعدادها مجموعة من الباحثين، على رأسهم رئيس المركز السابق، البروفيسور، عوديد عاران .
الحرب الأهلية التى تدور رحاها اليوم في بعض الدول العربية، إلى جانب تصاعد قوة بعض المنظمات الإسلامية تعتبر من العوامل التي تهدد المصير السياسي للشرق الأوسط بشكل عام ودولة إسرائيل بشكل خاص .
من الصعب توقع إستعادة النظام كما كان بالسابق في الشرق الإوسط، فعلى ضوء الواقع الديني الجديد في المنطقة، هناك ضرورة ملحة لنظام جديد، يكون أكثر إستقرارا، وأكثر حذرا من خلق دويلات جديدة ليس لديها القدرة على البقاء والصمود اقتصاديا وعسكرياً وسياسياً .
هناك حاجة لإعادة رسم الحدود من جديد مع دمج بعض الأنظمة السياسية الجديدة داخل هذه الحدود، ويجب إستخدام بعض النماذج القديمة التى لم يتم إستخدامها بالماضي في الشرق الأوسط، مثل نظام الفيدرالية والكونفدرالية .
مع ذلك فإن المنظمات القومية المتناحرة والمنظمات العسكرية المتصارعة لم تصل حتى الآن لمرحلة الإستعداد لترتيبات سياسية حدودية جديدة في محيطها الجغرافي، أو تقبل إعادة رسم الحدود من جديد في المنطقة .
و يبدو أن الوقت غير مهيئ لفعل ذلك والظروف لم تنضج بعد لإعادة رسم الخارطة الحدودية في الشرق الاوسط، ويبدو أنه يجب حتى الآن إتمام النقاش داخليا في مسالة إعادة رسم الحدود مع هذه المنظمات، وتجهيزها لإستبدال أنظمة قائمة وحكومات مركزية موجودة مازالت تحكم .
في نفس الوقت سيكون من غير المجدي الإعتقاد الآن أن القوى المتصارعة في الشرق الأوسط قابلة لمسألة العودة للوضع الذي ساد قبل دخولها في الصراع، فهم وصلوا إلى مرحلة عدم العودة، واليوم لا يمكن إجراء “سايكس بيكو” سري بنفس الظروف التى سادت سابقا، وحتى يصبح الأمر ممكنا فهناك حاجة لإتفاقية مبدئية مع اللاعبين الرئيسيين في المنطقة وخارجها، واتفاقية مبدئية دولية لإعادة ترتيب منطقة الشرق الاوسط من جديد .
سوريا والعراق يمكن أن تصبحا دولة كونفدرالية بدون تغيير في الحدود الخارجية لهم، ويتم فقط إعادة رسم الحدود الداخلية في الدولتين، والمفاوضات يجب أن تحمل تفاصيل للمشاركين المحتملين أن يكونوا أجزاء داخلية من هذه الكونفدرالية الجديدة .
“سايكس بيكو” جديد يجب أن يشمل على إعادة تقسيم القوى والموارد المركزية بين الدولة الكونفدرالية وبين الدويلات الصغيرة المكونة لها، وهناك حاجة لمنع اللاعبين الجدد في هذه الدولة من تخريب الإتفاقية، كجزء من مجهوداتهم للحصول على قوة خارجية لدويلاتهم، وممنوع ترك المنطقة مشغولة بالمشاكل مثل “سايكس بيكو” القديم .
لذلك من الضروري التوصل لإتفاق مسبق وتفاهمات أولية مع كل اللاعبين قبل وجود “سايكس بيكو” جديد، ويجب أن يكون ذلك بموافقة ورعاية أمريكا وروسية والإتحاد الأوروبي بالدرجة الاولى، واللاعبين المركزين في المنطقة مثل : مصر والسعودية والأردن بالدرجة الثانية، والدول الغير عربية التى لها تأثير على الشرق الأوسط مثل إيران وتركيا بالدرجة الثالثة، وعلى كل هذه الأطراف أن توافق على مقترح مشروع إتفاق “سايكس بيكو” جديد .
من بين أهم الفوارق بين عامي 1916 و 2016، هي عدم وجود دولة عظمى قادرة على فرض مثل هذا الإتفاق على دول المنطقة، حتى لو تم الإتفاق عليه دوليا، وفق ذلك فإن عدم وجود لاعب دولي قوي ومركزي من خارج المنطقة يقلل من إمكانية فرض الإتفاقية بالطرق العسكرية، مع ذلك فإن هناك مصلحة كبيرة وهي عدم توصل المنظمات المتصارعة إلى أسلحة الدول التي تتصارع معها . لهذا سيتطلب الأمر تدخل عسكري في المنطقة، أو إبادة مخزون الأسلحة القديم في المنطقة قبل وصول المنظمات المتصارعة إليه وقبل التوصل لإتفاق جديد .
يبدو أنه من المبكر الحديث عن “سايكس بيكو” جديد، لكن الآن يجب على اللاعبين الدوليين أن يناقشوا مثل هذا المقترح لمستقبل الشرق الأوسط وعليهم إستخدام بعض الأجزاء والمركبات القديمة الفعالة القائمة حتى الأن في المنطقة لأجل أن يتم إيجاد إجابات معقولة لسيناريوهات مستقبل المنطقة في السنوات القادمة .
على الصعيد الفلسطيني الإسرائيلي :
يبدو أن أي تطرق لنظام أو إتفاق مستقبلي جديد في الشرق الوسط لن تتجاهل فيه مؤسسات ولاعبي المجتمع الدولى الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، فأي تطور جديد في نظام الشرق الأوسط سيؤثر على الطريق المسدود بين الفلسطينيين والإسرائيليين، ومن الصعب تخيل حكومة إسرائيلية لن تتدخل في قضايا الشرق الأوسط الجديد، لكن المتغيرات الجديدة ستخلق آفاق جديدة للتفكير والحلول العملية.
وعلى الإسرائيليين والعرب أن يتذكروا أن مسالة إيجاد “سايكس بيكو” جديد كانت وستكون مرتبطة بوجود دول عظمى من خارج المنطقة، ونتاج تدخلها المباشر فيها، وأن شعوب المنطقة سوف تسعى في السنوات القادمة لبلورة مصيرها وتاريخها بنفسها .