شبكات منظمة تستغل العاهات والفقراء للاستجداء في العراق

آخر تحديث 2017-01-12 00:00:00 - المصدر: NEN عراق

الكاتب / زهراء حيدر وحيدي

لله يا محسنين… الله ينطيك العافية وليدي… ماعندي فلوس اشتري اكل… الخ، عبارات تمر على مسامع المارة بشكل يومي في الشوارع العامة وتقاطعات الطرق والأماكن التي تضج بالناس، بهدف نيل الإستعطاف والرحمة، ومن الطبيعي بأن العديد من الناس يتعاطفون مع الشيخ الكبير والطفل المعاق او حتى المرأة المسنة، ويخرجون المال من جيوبهم ويضعونها في يد المتسول وينصرفون!.

ولكن ماذا عن الشق الاخر من الموضوع، ماذا عن الجزء الذي يخفيه هذا المتسول؟! كيف سيكون شعورك لو إكتشفت بإن هذا المتسول يتخطى دخله الشهري أضعاف دخلك الشهري؟ وان المال الذي يجنيه طوال اليوم غالباً ما يذهب إلى جيوب رؤوس شبكات منظمة يدير بعضها نافذون، إذ تعتبر هذه الظاهرة من الظواهر الدخيلة على المجتمع العراقي والتي تدعى بعصابات التسول، فبدأت تنتشر في عموم العراق بشكل خطير وتمد بجذروها السامة في أحشاء المجتمع، ويتم من خلالها إستغلال الأيتام والمشردين للتسول مقابل توفير مأوى لهم في مكان ما.

ومن البديهي ان الجميع يلاحظون عشرات المتسوّلين في تقاطعات الطرق والشوارع الرئيسية والأسواق، بعضهم بحاجة للمساعدة وبعضهم الآخر يعملون ضمن عصابات منظمة للتسول، تستغل إعاقتهم أو تشردهم وفقرهم الشديد لجمع المال.

والجدير بالذكر إن هذه العصابات تفضل النساء والأطفال المشردين أكثر من الرجال والشباب لاستعطاف الناس، وحثهم على دفع المال، وفي نهاية اليوم يحمل المتسوّلون المال لمرؤوسيهم مقابل توفير الطعام والمأوى لهم.

ويعتبر باحثون أن انتشار التسول عموماً، وتحوّله إلى عمل عصابات منظّم يستغل المشّردين والفقراء، بات ظاهرة اجتماعية خطيرة لم تجد لها الحكومة حلولاً جذرية، وسببها الأول الفقر الشديد وترهل الأمن.

وفي هذا السياق كان لابد لنا أن ناخذ رأي الكاتب الصحفي والباحث في شؤون الارهاب “علي الطالقاني” عن أسباب إنتشار هذه الظاهرة فكان جوابه: (هناك جملة عوامل ساهمت بظهور عصابات التسول، من بين اهم هذه الاسباب التفكك الاجتماعي والأسري الذي نتج عن الحروب والتهجير القسري اضافة الى العنف المستمر والذي نتج عنه امراض اجتماعية، ومن بين الاسباب الأخرى الفقر والبطالة وهذين العاملين ساهما بشدة في ظهور هذه الحالات لأسباب تتعلق بها البطالة والفقر، من جانب آخر تردي التعليم والاهتمام بقطاع التعليم الذي يعتمد عليه ويعول كثيرا في توعية الأجيال، اضافة الى ضعف القانون والرقابة حيث يقف خلف هذه المجموعات والعصابات وبحسب تقارير صحفية مجموعة من المتنفذين في الأجهزة المختصة.

وأضاف الطالقاني: المسؤولية هنا تقع بالدرجة الأولى على المجتمع بجميع مكوناته العشائرية والشعبية والمؤسسات الدينية والثقافية اضافة الى ان تأخذ مؤسسات الدولة بعين الاعتبار مهمتها الأساس في التصدي لهذه الظاهرة الخطيرة من خلال ان تأخذ مؤسسات الدولة دورها الحقيقي في التصدي لجذور هذه المشكلة قبل التصدي لها عن طريق القوة، بحيث يجب ان يكون التخطيط استراتيجياً ومن خلال تحديد سقف زمني لكل مرحلة.

وعندما سألناه عن الاماكن التي من الممكن أن تزداد فيه نسبة المتسولين والخطورة التي من الممكن أن يمس المجتمع قال علي الطالقاني: الأماكن التي يتواجد بها هذه المجموعات غالبا ماتكون بعيدة عن محلات سكناهم، حيث نرى هذه المجموعات تعمل عند مفترق الطرق والساحات العامة والمرافق الاجتماعية وتواجد السائحين، اما السكن فعادة ما يتم في المناطق التي تقع محاذية للمدن، حيث سمعنا عن تقارير تحدثت عن إن تلك المجموعات تجتمع في مكان معين ويتم توزيعهم وفق برنامج موضوع من قبل جهات تدير هذا البرنامج الخطير.

اما خطورة هذه الجماعات على المجتمع فهي تلعب دورا خطيرا من خلال استقطاب بعض صغار السن والطبقات الفقيرة ومجموعات محددة من النساء مما يخلق حالة من الرعب جراء هذه المجموعات المجهولة الهوية من قبل الناس، حيث تتكرر حالات السرقة في الاحياء بشكل ملفت للنظر، اضافة الى القيام باعمال منافية للاخلاق تتقاطع مع الدين الاسلامي والاعراف الاجتماعية.

وأضاف حول الطرق أو الحلول التي من الممكن أن تقلل من إنتشار هذه الظاهرة: الطريقة المثلى لمعالجة هذه الظاهرة نعتقد بحل المشاكل الاجتماعية بشكل تدريجي وبعيد المدى من قبل مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني، اضافة الى حل اشكاليات تتعلق بالعمل المؤسساتي الحكومي مثل معالجة الفساد والانتباه الى هذه الظاهرة الخطيرة).

عصابات التسوّل تنخر المجتمع العراقي منذ عام2003 ، وتزايدت نشاطاتها بعد عام 2014 عقب اجتياح تنظيم “داعش” مساحات واسعة من البلاد، وظهور عشرات المليشيات والعصابات المسلّحة في مختلف مدن البلاد، وخاصة العاصمة بغداد.

ويُعدّ ذوو الإعاقة والأطفال والنساء أبرز أدوات التسول المناسبة للعصابات، لكن الجهات الأمنية تعتبر أن هذه العصابات، تشكل خطراً أمنياً كبيراً على البلاد، فضلاً عن المخاطر الاجتماعية إضافة الى تنكر الشباب بزي الشيخ الكبير من أجل نيل إستعطاف المارة.

وكانت وزارة الداخلية العراقية، قد اعتقلت في أوقاتٍ سابقة عدداً من المتسولين تبيّن انخراطهم في عصابات مسلّحة، هدفها التلاعب بالأمن العام عبر المتسوّلين. في حين تشن قوات الأمن حملات دهم وتفتيش بين الحين والآخر على بعض فنادق العاصمة التي يقطنها المتسولون.

وكشف الناطق باسم وزارة الداخلية “سعد معن” في تصريحات صحفية (ان هناك من يشرف على عمل المتسولين في بغداد، ويوجههم ويوفر لهم الحماية من أجهزة الأمن العراقية)، لكن أجهزة الأمن لا تستطيع منع ظاهرة التسول نهائياً نتيجة انتشار الفقر والتشرد في عموم البلاد، غير أنها تحذر هؤلاء المتسولين باستمرار من الاقتراب من الدوائر والمؤسسات الأمنية، حسب مصادر من وزارة الداخلية العراقية.

ويقول خبراء أن انتشار ظاهرة التسول واستغلال المتسولين من عصابات منظمة يتزامن مع ارتفاع عدد الأيتام في العراق إلى أكثر من 5 ملايين يتيم، ونحو أربعة ملايين أرملة، وآلاف المشردين، وعشرات آلاف العاطلين عن العمل، ما يعزز هذه الظاهرة ويزيد من انتشارها.

وهذه الظاهرة الخطيرة تخفي خلفها ظواهر أشد خطراً، منها تجارة الأعضاء البشرية، والمخدرات، والدعارة، واستغلال الأطفال حتى في أعمال العنف، وهذه الظاهرة تهدد النسيج الاجتماعي العراقي على المدى القريب والبعيد، ولا بد من وضع حلول جذرية لمعالجتها اجتماعياً أمنياً.

محاولات للحد من التسول.. ولكن من جهته، أكد لمصادر إعلامية مستشار وزارة العمل والشؤون الاجتماعية عمار منعم، ان الوزارة تعمل جاهدة على مساعدة المتسولين ولكنهم يصرون على التسول، وقال: مما لاشك فيه ان التسول يعد من الظواهر غير الحضارية والمؤسفة ايضا في بلد مثل العراق وحيث يتحول التسول من ظاهرة الى حالة على الرغم من محاولات وزارة العمل والشؤون الاجتماعية لمكافحته بالتنسيق مع الإدارات الأخرى ذات العلاقة.

واضاف: “قامت الوزارة بعدة اجراءات للحد من الظاهرة، وتم التنسيق مع المؤسسات الحكومية ومنظمات المجتمع المدني من اجل وضع خطط وبرامج تهدف الى الحد منها .. موضحا ان هذه الخطط تتكون من مراحل اهمها التدريب والتاهيل والدمج، من اجل ان يستطيع الشخص الاستفادة منها لايجاد فرص عمل لائقة تضمن له كرامة العيش ولكن للاسف هناك من يصر على ان يمارس التسول”. وتابع: “جهود الوزارة مستمرة في العمل والتنسيق مع وزارة الداخلية لمطاردة متعهدي خلايا فرق التسول المنظمة التي باتت تنتشر بشكل كبير وتأتينا اخباريات عن قيام هؤلاء بتوزيع المتسولين وخاصة من صغار السن في مناطق وشوارع بغداد، وقد استحدثت الوزارة بتوجيه من الوزير المهندس محمد شياع السوداني قسما معنيا بالتسول وبالفعل بدأنا اتصالات مع مسؤولين في المحافظات إضافة الى وزارة الداخلية، واقترح الوزير تعديل قانون الرعاية الاجتماعية حيث يمكن للجهات القضائية إصدار أمر بحجز المتسولين الذين يصرون على امتهان هذه المهنة لان الكثير منهم من الذين تنطبق عليهم الشروط القانونية ويمكن استيعابهم في دور الدولة مثل الأيتام وكبار السن”.

المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية

شارك هذا الموضوع: