الكاتب / إيهاب علي النواب
تمثل الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم من بعد الولايات المتحدة الاميركية اذ يصل حجم ناتجها المحلي الاجمالي الى قرابة الـ 10 تريليون دولار، بحسب بيانات البنك الدولي للعام 2015، وبالتالي فهي تمثل احد اقطاب المنافسة الاقتصادية العالمية، كما تسعى دائما الاستفادة من من الفرص المتاحة لها كوفرة العمالة ورخص اجورها، بالاضافة الى الانتاج المعرفي البشري الهائل، واتباعها لسياسات اقتصادية تتماشى اولا مع وضعها المحلي وثانيا مع مجريات الحداثة الاقتصادية الجديدة، وفي الأونة الاخيرة قامت الصين برفع سعر اليوان مقابل الدولار باعلى نسبة في يوم واحد منذ العام 2005 بعد انخفاض العملة الاميركية مقابل العملات الرئيسية، وثبت بنك الصين المركزي، الذي يحاول دعم اليوان المتداعي، سعر العملة الصينية عند 6,8668 مقابل الدولار، بحسب نظام تبادل العملات الاجنبية في الصين الذي يدير سوق العملات الاجنبية.
وتعد هذه الزيادة بنسبة 0,92% اعلى زيادة للعملة الصينية خلال يوم واحد منذ 2005 وتاتي بعد ان قارب سعر العملة الصينية مؤخرا 7 يوان للدولار الواحد، وتتعرض العملة الصينية الى ضغوط بسبب الغموض والمخاوف حيال وضع ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وحركة هروب الرساميل المكثفة، والارتفاع الكبير في سعر الدولار عقب انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة والتوقعات برفع الاحتياطي الفدرالي (البنك المركزي) الاميركي معدلات الفائدة، ولا تسمح بكين لليوان الذي تتحكم فيه بشدة، بالهبوط او الارتفاع باكثر من نسبة 2% يوميا لمنع تقلبات العملة والاحتفاظ بالسيطرة عليها.
تشديد الرقابة على شراء النقد الأجنبي في العام الجديد
صرحت مصلحة الدولة للنقد الأجنبي في الصين إنها ستكثف اعتبارا 2017 إجراءات المراقبة على شراء الأفراد للنقد الأجنبي وستزيد العقوبات على التدفقات غير القانونية للأموال لكن الحصة السنوية للأفراد ستظل دون تغيير عند 50 ألف دولار.
ويأتي إعلان مصلحة الدولة للنقد الأجنبي في وقت متأخر وسط قلق من أن اليوان الذي تراجع نحو 7 في المئة أمام الدولار في 2016 قد يواجه ضغوطا جديدة في العام الجديد في الوقت الذي يبدأ فيه من يقبلون على شراء العملة الأجنبية بحصة سنوية جديدة تبلغ 50 ألف دولار.
واعتبارا من ذلك سيتحتم على الصينيين الذين يرغبون في شراء عملات أجنبية من البنوك ملء استمارة لتحديد الغرض من الشراء وبيانات أخرى، وأضافت المصلحة أن المنظومة السابقة المتعلقة بالإبلاغ عن شراء الأفراد للنقد الأجنبي كانت بسيطة للغاية وعتيقة مما أوجد ثغرات سهلت عمليات تحويل الأموال بشكل غير قانوني وغسل الأموال.
هبوط غير متوقع للأحتياطيات الأجنبية
هبط احتياطي الصين من العملات الأجنبية لسادس شهر على التوالي إلى أدنى مستوى له منذ بداية 2011 ولكنه تماسك فوق المستوى الحرج الذي يبلغ ثلاثة تريلونات دولار وذلك في الوقت الذي تدخلت فيه السلطات لدعم اليوان قبل تولي الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب منصبه.
وأظهرت بيانات البنك المركزي إن الاحتياطي هبط بشكل طفيف أقل من المتوقع وهو 41 مليار دولار الشهر الماضي إلى 3.011 تريلون دولار وذلك في أعقاب هبوط بلغ 69.06 تريليون دولار، ويتوقع اقتصاديون هبوط الاحتياطي 51 مليار دولار إلى 3.001 بتريلون.وهبط احتياطي الصين نحو 320 مليار دولار في 2016 بعد هبوط قياسي بلغ 513 مليار دولار في 2015.
تخفيف القيود على الاستثمارات الأجنبية في القطاع المالي
كشفت الصين عن خطط للسماح بالمزيد من الاستثمارات الأجنبية في القطاع المصرفي وشركات التأمين والأوراق المالية والتصنيف الائتماني ضمن انفتاح أوسع نطاقا لثاني أكبر اقتصاد في العالم، وقد يخفف الإجراء بعض الشعور بالإحباط السائد بين الشركات الأجنبية جراء عدم القدرة على الدخول إلى السوق على الرغم من أن المبادئ الاسترشادية التي أصدرتها اللجنة الوطنية للتنمية والإصلاح تنقصها التفاصيل، ومن شأن التركيز على تحرير القطاع المالي دعم تحول الصين الاستراتيجي إلى الخدمات من أجل تقليل الاعتماد على الصناعات التقليدية في تحقيق النمو.
ومن بين الأنشطة الأخرى التي حددتها اللجنة للانفتاح في قطاع الصناعات التحويلية معدات السكك الحديدية والدراجات وزيوت الطعام ووقود الإيثانول، وأضافت اللجنة أن الصين سترفع القيود المفروضة على الاستثمار الأجنبي في إنتاج النفط والغاز غير التقليدي والذي يشير عادة إلى تطوير احتياطيات الغاز والنفط الصخري، وأشارت وثيقة من اللجنة إلى أن الصين ستسعى أيضا إلى الانفتاح “على نحو منظم” في مجالات ذات حساسية مثل الاتصالات والتعليم والإنترنت أمام الاستثمارات الأجنبية بالإضافة إلى تخفيف القيود على الاستثمار الأجنبي في خدمات التصنيف الائتماني.
تعهدات في قمة أبك بمزيد من الانفتاح الاقتصادي
تعهد الرئيس الصيني شي جين بينغ بمزيد من الانفتاح في ثاني أكبر اقتصاد بالعالم وذلك خلال اجتماع دول آسيا والمحيط الهادي في بيرو لبحث خيارات جديدة للتجارة الحرة بعد انتخاب دونالد ترامب رئيسا للولايات المتحدة ببرنامج مؤيد للسياسات الحمائية.
وتعقد قمة أبك السنوية في ليما بعد أسبوع من فوز ترامب المفاجئ الذي بدد الآمال في تنفيذ أكبر اتفاقية تجارية على الإطلاق بالشراكة عبر المحيط الهادي التي اقترحتها واشنطن، وكان الرئيس الأمريكي باراك أوباما أيد الاتفاقية كوسيلة لمواجهة صعود الصين لكن إدارته توقفت حاليا عن السعي للفوز بموافقة الكونجرس.
ووقعت على الاتفاقية 12 دولة في الأمريكتين وآسيا والمحيط الهادي باستثناء الصين ولا يمكن تطبيقها بدون الولايات المتحدة، وطوال حملته الانتخابية انتقد ترامب بقوة اتفاقيات التجارة الحرة الأمريكية وتعهد بانسحاب بلاده -صاحبة أقوى اقتصاد في العالم- من اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي ووعد بفرض تعريفات على الواردات القادمة من الصين والمكسيك.
وعرض الرئيس الصيني رؤية بديلة للتجارة الإقليمية بالترويج لاتفاقية “الشراكة الاقتصادية الإقليمية الشاملة” التي تدعهما بكين، ومع عدم اتضاح مصير اتفاقية الشراكة عبر المحيط الهادي ينظر لحديث الصين عن اتفاقية الشراكة الإقليمية باعتباره السبيل الوحيد المتاح لتطبيق منطقة التجارة الحرة لأسيا والمحيط الهادي التي تتطلع إليها أبك، وحذرت إدارة أوباما من أن الاتفاقية التي تؤيدها الصين لن تشمل حماية قوية للعمال والبيئة والملكية الفكرية.
ورغم مبادرات الصين إلا أن بعض أعضاء المنتدى عاقدين العزم على الضغط من أجل تنفيذ اتفاقية الشراكة عبر الهادي ويأملون أن تثبت الولايات المتحدة ريادتها التجارية في هذا الصدد.
وأثنى رئيس وزراء نيوزيلندا جون كي على الولايات المتحدة كشريك مهم في المنطقة لكنه قال إنه ينبغي على الصين أن تملأ الفراغ إذا تراجعت إدارة ترامب عن الترويج للتجارة الحرة، وإن أعضاء اتفاقية الشراكة عبر الهادي قد يتمكنون من إجراء بعض “التغييرات التجميلية” حتى تكون الاتفاقية أكثر قبولا لدى ترامب، في حين ذكر وزير الاقتصاد المكسيكي إن المكسيك واليابان واستراليا وماليزيا ونيوزيلندا وسنغافورة تهدف جميعها إلى استمرار اتفاقية الشراكة عبر الهادي سواء بوجود الولايات المتحدة أو غيابها.
صناديق للاستثمار في شرق ووسط أوروبا بعشرة مليارات يورو
أفاد البنك الصناعي والتجاري الصيني في بيان له إنه أسس صندوق استثمار رأسماله عشرة مليارات يورو (11.15 مليار دولار) لتمويل مشروعات في وسط وشرق أوروبا، وتدير شركة سينو-سي.إي.إي فايننشال هولدينجز التي أسسها البنك في وقت سابق من هذا العام صندوق الصين-وسط وشرق أوروبا.
وذكر البنك إن الصندوق يهدف لجمع 50 مليار يورو لتمويل مشروعات في قطاعات من بينها البنية التحتية والتكنولوجيا المتقدمة والسلع الاستهلاكية، وتابع البيان أن الصندوق يستهدف وسط وشرق أوروبا لكن يمكن أن يتوسع في مناطق أخرى في أوروبا وغيرها إذا كانت معنية بالتعاون بين الصين ووسط وشرق أوروبا، وأضاف أن الحكومة ستدعم الصندوق لكنه سيعمل حسب قواعد الاعمال ووفقا لظروف السوق.
وصرح رئيس الوزراء ان الصين لديها ميزة المعدات عالية الكفاءة من حيث التكلفة والطاقة الإنتاجية بينما تحتاج دول وسط وشرق أوروبا إلى زيادة مستوى التصنيع، وأضاف أن التمويل تحد رئيسي ودعا إلى استخدام قنوات تمويلية متنوعة للمشروعات تتضمن مؤسسات مثل صندوق طريق الحرير الذي أنشأته بكين، ودعا أيضا إلى مزيد من التعاون في مشروعات “الاقتصاد الأخضر” مثل مزارع الرياح والطاقة الشمسية وذكر إن الصين ترغب في استيراد منتجات زراعية عالية الجودة.
إجراءات لمنع التدفقات الرأسمالية إلى الخارج
ذكرت مصادر إن الصين تكثف تدابير لوقف التدفقات الرأسمالية إلى خارج البلاد بعد انخفاض عملتها اليوان إلى أدني مستوياتها في أكثر من ثماني سنوات مستهدفة الاستثمارات المتجهة إلى الخارج التي قفزت إلى مستوى قياسي، وبينت المصادر إن إدارة الدولة للنقد الأجنبي بدأت فحص التحويلات إلى الخارج التي تبلغ قيمتها خمسة ملايين دولار أو أكثر وإنها تزيد عمليات التدقيق في صفقات رئيسية متجهة إلى الخارج حتى تلك التي نالت موافقة مسبقة.
وضغطت تدفقات رأس المال عبر كل من القنوات الشرعية وغير الشرعية على اليوان، وانخفضت قيمة العملة الصينية ما يقرب من ستة بالمئة مقابل الدولار المرتفع منذ بداية العام ويراهن العديد من المتعاملين على مزيد من التراجع لليوان مما يثير شبح هروب المزيد من رؤوس الأموال.
ويرى محللون إن القواعد الجديدة سيجرى تطبيقها على التحويلات إلى الخارج التي تتم تحت مظلة حساب رأس المال لمعاملات مثل المحافظ أو الاستثمار الأجنبي المباشر وإنها يمكن أن تلحق ضررا ببعض الزخم لفورة في مشتريات الصين للأصول الخارجية، وبلغ إجمالي الصفقات الاستثمارية الصينية المتجهة إلى الخارج 530.9 مليار دولار في الأشهر التسعة الأولي من 2016 لتتجاوز الرقم القياسي المسجل في 2015 وتساعد الصين في التفوق على الولايات المتحدة كأكبر مستحوذ على الشركات الأجنبية.
ويذكر أحد المصادر المطلعة بشكل مباشر على القواعد في السابق كانت تحويلات النقد الاجنبي التي تبلغ 50 مليون دولار أو أكثر فقط بحاجة لتسجيلها لدي إدارة الدولة للنقد الأجنبي. حاليا جرى خفض هذا الحد إلى خمسة ملايين دولار ويشمل كلا من النقد الأجنبي واليوان، وإنه حتى إذا حصل استثمار متجه إلى الخارج على الموافقة بالفعل على شراء عملات أجنبية لكن لم يتم تحويل المال بشكل كامل فإن الحصة المتبقية ستخضع الآن لمزيد من الموافقات إذا تجاوزت 50 مليون دولار وهو ما يعتبر “مبلغا كبيرا.”
وإن إدارة الدولة للنقد الأجنبي أبلغت البنوك بالقواعد الجديدة وان الحكومة إنها ستلتزم بإستراتيجية “الخروج” المشجعة للاستثمارات المتجهة إلى الخارج، وسعيا لمنع اليوان من الانخفاض بسرعة كبيرة مقابل الدولار تستغل الصين احتياطياتها من النقد الأجنبي للدفاع عن قيمة العملة وإدارة التوقعات في السوق وتقيد تدفقات الأموال إلى أوراق مالية خارجية.
وانخفضت احتياطيات الصين من النقد الأجنبي إلى 3.17 تريليون دولار بعد ان كانت 3.99 تريليون دولار وهو مستوى الذروة المسجل في 2014 مما يشير إلى أن السلطات الصينية باعت الدولار لدعم قيمة اليوان، رغم ذلك يظل احتياطي الصين من النقد الأجنبي الأكبر في العالم، وزادت حدة عمليات بيع اليوان وغيره من عملات الأسواق الناشئة منذ فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية. ودعمت توقعات لزيادة الانفاق العام وأسعار الفائدة تحت رئاسة ترامب عوائد سندات الخزانة الأمريكية وجاذبية الدولار.
هل تتفوق الصين على الولايات المتحدة الاميركية؟
لاشك ان حدة المنافسة بين الصين والولايات المتحدة الاميركية قد بلغت أوجها، حتى اننا تناسينا ان ثمة هناك طرف ثالث في الموضوع الا وهو الاتحاد الاوروبي، ولربما يكون السبب وراء ذلك هو طبيعة النظام والوضع السياسي في البلدين، هذا من جهة اخرى، يطرح تساؤل مهم، مفاده هو هل تسعى الصين الى ان تكون الرقم واحد في العالم ام انها ستكتفي بما هي عليه؟ ولماذا؟ يرى بعض الاقتصاديين ان الصين تسعى ان تحافظ على علاقتها مع الولايات المتحدة الاميركية بالشكل الذي يجعلها لاتخسرها كشريك تجاري لها، كون ان الولايات المتحدة الاميركية تعتبر اكبر دولة استهلاكية في العالم واكثر استيراداتها هي من الصين، وبالتالي فأنها لاتفكر في جعل إيوانها يتفوق على الدولار، وحتى لايجعلها موقع الصدارة كبديل للولايات المتحدة الاميركية عرضة للازمات المالية، وهذه تمثل وجهة نظر اقتصادية بحته.
في حين هناك وجهة نظر أخرى ترى بضرورة ان تكون الصين هي التي تقود الاقتصاد العالمي كبديل للولايات المتحدة الاميركية، وتبدو هذه النظرة ممزوجة بشيء من السياسة او انها تعكس وجهة نظر اقتصادية سياسية، الا انه في الاخير يبقى الامر ليس فقط محصور في رغبة الصين من عدمها، بل وايضا برؤية الولايات المتحدة وبقية المتنافسين للوضع، من أجل ان لاتتحول الصين من منافس الى عدو، وهنا تبدأ قصة أخرى جديدة.
المصدر / شبكة النبأ المعلوماتية
مرتبط