العشائر لواشنطن و"الحشد الشعبي" لطهران: صراع اميركي – ايراني على الحدود العراقية السورية

آخر تحديث 2017-01-12 00:00:00 - المصدر: نقاش

 بينما تخوض قوات الأمن العراقية معركة حاسمة ضد تنظيم "داعش" في مدينة الموصل آخر معاقل المتطرفين في العراق، تفكر الحكومة العراقية في كيفية حماية الحدود مع سورية، لان بقاء الحدود سائبة تحت تصرف المتطرفين يبقي الأخطار على المدن المحررة على المستوى البعيد.

 

وبدأت قوات "الحشد الشعبي" تخطط للسيطرة على الحدود العراقية - السورية عبر آلاف من المقاتلين المدعومين من إيران، كما أن الولايات المتحدة بدأت التحرك نحو هذه الحدود أيضا وشجعت العشائر السنية على اطلاق عملية عسكرية لهذا الغرض، فلهذه الحدود اهمية جيوسياسية.

 

ولكن المعركة من اجل الحدود ليست عسكرية فحسب وانما سياسية ايضا، فالمعارك على حدود دولية تتطلب تنسيقا بين العراق وسورية اولا، ومن ثم تنسيقا مع الولايات المتحدة وايران ثانيا، اذ تسعى ايران لايجاد طريق بري بينها وبين حليفتها سورية منذ سنوات، بينما تعمل الولايات المتحدة وحلفائها على منع حصول ذلك بأي ثمن.

 

عندما انطلقت الحملة العسكرية لاستعادة مدينة الموصل من المتطرفين في 17 تشرين الاول (اكتوبر) الماضي، اصّرت الفصائل الشيعية العراقية القريبة من ايران على المشاركة في القتال برغم التحفظات المحلية والدولية على ذلك، وتمكنت هذه الفصائل من فرض ارادتها، ولكنها ابتعدت عن الموصل وتوجهت الى منطقة أهم استراتيجيا وهي بلدة تلعفر القريبة من الحدود مع سورية.

 

وفي تشرين الثاني (نوفبمر) الماضي قال رئيس الوزراء حيدر العبادي خلال مؤتمر صحافي ان "الحدود العراقية – السورية تحتاج الى إجراءات أمنية لمنع عودة المتطرفين الى العراق بعد طردهم في الموصل"، وارسل العبادي وفدا إلى سورية برئاسة مستشار الأمن الوطني فالح الفياض لمناقشة ذلك مع الرئيس السوري بشار الأسد.

 

وبعدها أعلن عدد من قادة الفصائل الشيعية استعدادهم لانتشار مقاتليهم على الحدود مع سورية، وقدموا طلبا الى رئيس الوزراء حيدر العبادي لمنحهم هذه المهمة، ولكن العبادي لم يوافق على هذا الطلب حتى الآن.

 

منظمة "بدر" بزعامة هادي العامري التي تمتلك فصيلا مسلحا قويا ولها تمثيل سياسي في الحكومة والبرلمان والعراقي طالبت بان تقوم قوات "الحشد الشعبي" في حماية الحدود مع سورية.

 

ويقول النائب عن "بدر" في البرلمان رزاق الحيدري لـ "نقاش" ان "حماية الحدود مهمة لقطع إمدادات داعش، والحشد الشعبي يستطيع مساعدة القوات الأمنية في تحقيق ذلك لأنها قوات مدربة جيدا على قتال المتطرفين".

 

كما ان رئيس الوزراء السابق نوري المالكي المعروف بعلاقته الوثيقة مع "الحشد الشعبي" اعلن خلال زيارته الى طهران الاسبوع الماضي ان "بامكان الحشد الشعبي عبور الحدود والتوجه إلى سورية لمساعدة إخواننا في القضاء على هذا التنظيم".

 

هذه التصريحات اثارت قلق الولايات المتحدة وسرعان ما خططت لتنفيذ عملية عسكرية على الحدود العراقية – السورية في محافظة الانبار، لمواجهة خطة ايران بدفع قوات "الحشد الشعبي" نحو الحدود العراقية – السورية عبر محافظة نينوى.

 

ويبلغ طول الحدود العراقية – السورية اكثر من (600 كلم) تمتد من محافظة الانبار غرب العراق وصولا الى محافظة نينوى شمالا، وهي حدود صحراوية وعرة تضم ثلاثة معابر حدودية فقط، معبر الوليد ويسيطر عليه الجيش العراقي، ومعبر القائم ويسيطر عليه "داعش"، ومعبر ربيعة وتسيطر عليه قوات البيشمركة الكردية.

 

وفي آب (أغسطس) 2014 اعلن "داعش" عن "ولاية الفرات" ضمن عملية "كسر الحدود" ملغيا حدود سايكس بيكو التي رسمت الحدود بين العراق وسورية قبل 100 سنة، ودمر المتطرفون في حينها السواتر الترابية الحدودية بين الدولتين لتصبح منذ ذلك الحين طريقا استراتيجيا يتم خلالها نقل الاسلحة والمقاتلين بسهولة.

 

الخميس الماضي اعلن مقاتلو العشائر في الأنبار اطلاق عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على ثلاث مدن ما زالت تحت سيطرة المتطرفين وهي عانة وراوة والقائم التي تمثل معقلا مهما لقادة "داعش"، والغريب ان الحكومة العراقية لم تعلن عن هذه العملية ولم تصدر بيانات يومية عن سير المعارك هناك.

 

ولكن مقاتلي العشائر في الانبار قالوا ان العملية العسكرية جرت بالتنسيق مع الحكومة وبتشجيع من القوات الاميركية الموجودة في قاعدة "عين الأسد" ذات الموقع الاستراتيجي القريب من الحدود.

 

عمر المحلاوي وهو احد مقاتلي العشائر في بلدة حديثة التي انطلقت منها العملية العسكرية نحو الحدود، يقول لـ "نقاش" ان "قوة مشتركة من العشائر بلغ عددها اكثر من ألفي مقاتل وقوات اخرى من الفرقة السابعة التابعة الى الجيش شنت هجوما مفاجئا على بلدة عانة ضمن خطة سرية لم يعلن عنها لمنع المتطرفين من الاستعداد لها".

 

المحلاوي يقول أيضاً إن "العملية العسكرية جرت بالتنسيق مع ضباط كبار من الجيش الأميركي تم الإعداد لها في قاعدة عين الأسد، كما ان القوات الأميركية سلمت القوات العراقية والعشائر معلومات استخباراتية مهمة حول اماكن داعش واكدوا ان طائراتهم ستشارك بكثافة في العملية العسكرية، حتى ان جنوداً من القوات الخاصة الأميركية شاركوا في العملية".

 

في الاسابيع الماضية كانت الغارات الجوية للتحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة محدودة على مناطق غرب الانبار الواقعة على الحدود مع سورية، ولكن منذ ايام ازدادت الغارات الجوية بشكل كثيف وساهمت بتقدم افواج العشائر نحو بلدة عانة أولى البلدات الواقعة على الطريق المؤدي الى الحدود مع سورية، كما يقول المحلاوي.

 

الصراع على الحدود العراقية – السورية بين الولايات المتحدة وإيران ما زال في بدايته، والحديث عن الحدود بين نينوى وسورية مرتبط بانتهاء المعارك في الموصل التي تبدو ستأخذ بعض الوقت وبعدها في بلدة تلعفر التي يقطنها تركمان شيعة وسنة.

 

وترفض تركيا مشاركة قوات الحشد في المعارك غرب نينوى، كما ان قوات البيشمركة التي تسيطر على المعابر الحدودية هناك ليست حليفا قويا لقوات الحشد، وربما يندلع صدام مسلح بين الطرفين كما جرى في بلدة طوخورماتو شمال صلاح الدين.

 

اما المعركة من اجل الحدود في الأنبار ما زالت في بدايتها وستكون اشد صعوبة خلال الاسابيع القليلة المقبلة خصوصا عندما تقترب المعركة من "القائم" تلك المدينة التي تمثل عاصمة سرية لقادة تنظيم "داعش"، ولم تتعرض لأي عملية عسكرية برية منذ عامين.

 

اختار "داعش" مدينة القائم لتكون المقر السري لقادته، وفيها يوجد اكبر مصانعه للعبوات الناسفة، ويتم استقبال المتطوعين الى صفوفه من جميع انحاء العالم هناك، وتحوي اهم معسكرات التدريب، وفي هذه المدينة يعقد قادة "داعش" في العراق وسورية اجتماعات دورية لمناقشة أوضاع دولتهم، كما يقول ضابط كبير في قوات الجيش غرب الأنبار.

 

ويقول هذا الضابط لـ "نقاش" ان "المعركة لتحرير بلدتي عانة وراوة تبدو سهلة، ولكن المشكلة الحقيقية ستكون في القائم، ونتوقع ان يدافع المتطرفون عنها بشراسة بنفس الطريقة التي يقومون بها الآن في الموصل".

 

التنافس بين ايران والولايات المتحدة على الحدود العراقية – السورية سيكون شديدا بعد معركة الموصل، وسيستخدم كل طرف حلفاءه المحليين في هذا التنافس، تستخدم ايران حلفاءها من الفصائل الشيعية، بينما تستخدم الولايات المتحدة حلفاءها من مقاتلي العشائر السنية، ولكن الشيء المؤكد ان حماية هذه الحدود هو مفتاح انتصار العراقيين على تنظيم "داعش".