لا يمكن عدم الالتفات إلى المجتمع الأمريكي الذي انتخب قبل ثماني سنوات الرئيس براك أوباما. الرئيس الأفروأمريكي الأول للولايات المتحدة. الشعور بالاهانة والاعتداءات في شوارع نيويورك، حيث تواجدت هناك عند الاحتفال بدخوله إلى المنصب، شكل التعبير عن التغيير الذي يمر به هذا المجتمع. وأيضا الفرح الصادق لدى الكثيرين.
الرئيس الجديد دخل إلى منصب مع مواقف صلبة جداً في شؤون العالم. وحسب رأيه، جزء كبير من مشكلات الولايات المتحدة في المجتمع الدولي ينبع من سلوكها الذي يظهر قوتها وقدرتها على فرض مواقفها.
لقد اعتقد الرئيس أن الولايات المتحدة تفشل في ارجاء العالم لأنها لا تمد يدها للاعداء الذين يمكن أن تكون العلاقة معهم أفضل، اذا وجدوا في الطرف الامريكي اليد الممدودة بدل القبضة التي تضرب.
لذلك سافر مثلا إلى الشرق الاوسط وألقى في القاهرة خطابات حاول من خلالها التحدث مع الشعب. لقد اعتقد أنه سيفتح قلبه وسيرد بنفس العملة. هذا كان منطق سلوكه أيضا في سوريا.
في نهاية ولايته يصعب القول إن العالم تعامل معه بالمثل. لم تتحول أي منطقة الى وضع افضل، أكثر ديمقراطية وانفتاحا أو تعترف بجميل الولايات المتحدة، بل العكس هو الصحيح، خاصة في الشرق الاوسط وفي أماكن أخرى في العالم.
إن ما يعتبر تراجعا للولايات المتحدة من مناطق مختلفة، تسبب بوجود خوف من قبل اصدقائها من الدول التي تهددها. في عدة دول وليس فقط في الشرق الاوسط، تسمع أقوال حول تغيير المظلة الامريكية التي اختفت بمظلة نووية رادعة، وهذا الأمر سيؤدي إلى سباق تسلح نووي اذا تحقق.
الرئيس يترك عالم فيه الكثير من سفك الدماء والأخطار المستقبلية.
خلافات وصعوبات
بالنسبة لإسرائيل، في نهاية حقبة استمرت ثماني سنوات لنظام اوباما، الصورة معقدة. لا شك أن إسرائيل تتفهم مصالحها الامنية، حيث هبطت طائرتي أف 35 في إسرائيل، الامر الذي يعبر عن فهم الادارة الامريكية بأن على دولة اليهود الحفاظ على تفوقها العسكري.
إن توقيع اتفاق المساعدات الأمريكية الأكبر “لاسرائيل” من أجل تمكنها من شراء السلاح الأمريكي في السنوات العشرة القادمة، يعكس الالتزام الأمريكي بأمن “إسرائيل” في السنوات القادمة.
ويمكن الاتفاق “اسرائيل” من الدفاع عن نفسها بنفسها، حيث تساهم الولايات المتحدة بذلك من أموال دافعي الضرائب لديها. العلاقة بين الأجهزة الاستخبارية والعسكرية ممتازة، وفي دولة مركزية مثل الولايات المتحدة، هذا غير ممكن بدون توجيه من البيت الأبيض. أيضا على المستوى الدولي، حصلت “اسرائيل” على مساعدة أمريكية حيوية أكثر من مرة.
وعلى الرغم من ذلك، هناك أربعة مواضيع هامة هي مثار خلاف بين الادارة المغادرة وبين الحكومة الإسرائيلية: في العام 2010 لم تفِ الإدارة الأمريكية بتعهداتها “لاسرائيل” وخضعت لمطالب العرب في موضوع الرقابة على السلاح النووي الذي قيل إنه موجود في “اسرائيل”، وهذا في اطار جهود الولايات المتحدة للابقاء على الاجماع في المؤتمر الذي سينعقد في فيينا حول اتفاق منع نشر السلاح النووي.
الأمريكيون لم يعترفوا بشكل صريح أنهم لم يفوا بالوعد الذي تعهدوا به. وعرفوا أن الأمر يُنظر إليه هكذا في “اسرائيل” وفي العالم، واذا حاكمنا التقارير التي صدرت بهذا الشأن، فيبدو أن ادعاءات “اسرائيل” كانت على حق.
في سياق الطريق عملت الولايات المتحدة على مساعدة “إسرائيل” من أجل التغلب على الصعوبات التي ترتبت على ذلك الخطأ، لكن “الشرخ” الذي تسبب به الاخلال الفظ بالوعد بقي في الوعي – حتى لو كان التأثير ضعيف مع مرور الوقت.
الموضوع الثاني أكثر صعوبة: لقد حولت الإدارة التاركة موضوع البناء في المستوطنات إلى الموضوع الأهم في السياق الفلسطيني، إلى هستيريا حقيقية، وكأن كل شيء يتوقف على هذا الأمر. وفي نفس الوقت كانت الادارة حذرة من استخدام الضغط على أبو مازن حتى عندما تملص من الاجابة على اقتراحات الولايات المتحدة لاستئناف المفاوضات.
كانت نظرة الإدارة التاركة هي أن أبو مازن ضعيف، ومحظور استخدام الضغط عليه – في الوقت الذي اعتبرت فيه البناء الاسرائيلي، سواء في المستوطنات أو في القدس، بمثابة عقبة أمام المفاوضات. لذلك خسرت الادارة فرصة تاريخية لتقدم المفاوضات، في الوقت الذي كانت فيه حكومة اسرائيل على استعداد لذلك أكثر من أي وقت مضى، تحت حكم الليكود.
عدم التوازن في ردود الادارة كان بارزا إلى درجة فقدان نجاعة الاستنكار الامريكي الذي اعتبر أحادي الجانب وغير عادل وغير حكيم حسب رأي الكثير من “سكان اسرائيل” وفي أماكن معينة في العالم. وبنفس القدر الذي تحدثت فيه الادارة عن المستوطنات، قامت بوضع أبو مازن على شجرة عالية، الأمر الذي سيجعل من الصعب جداً مجيئه إلى المفاوضات في المستقبل.
قرار مجلس الأمن الذي تم اتخاذه في الشهر الماضي زاد خطر الوضع، وسيمنع كما يبدو فرصة المفاوضات بين الأطراف، وكأن الرئيس التارك قد قرر تشويش عمل الرئيس الجديد، أيضا على حساب الأمر الذي أراد التقدم فيه.
إن هذا القرار غير مفيد من وجهة نظر من يرغبون في اجراء المفاوضات. بل هو “انتقام” سيتم تذكره كنقطة متدنية لادارة زعمت أنها تدرك الامور وتقوم بفحصها بشكل جيد.
يبدو أن خطاب وزير الخارجية كيري، الذي تحدث بشكل مطول عن المستوطنات على خلفية الشرق الاوسط المشتعل والنازف، زاد من الشعور بأن الحديث يدور عن هستيريا وفقدان الاطار بشكل يغطي على العقل.
الموضوع الثالث الذي ظهر فيه خلاف شديد بين الإدارة وبين “حكومة إسرائيل” هو موضوع ايران. وكانت ذروة الخلافات هي خطاب رئيس الحكومة نتنياهو في الكونغرس، الذي اعتبر خطوة غير مهذبة تضر بالرئيس في بيته. إلا أن من اختار الصراع في هذا الامر هو الادارة. وخلافا لما هو سائد بين الحلفاء، فقد قرر البيت الابيض وعن وعي خداع اسرائيل واخفاء حقيقة أنه يجري المفاوضات مع ايران من خلف ظهرها. كل ذلك في الوقت الذي كانت فيه الدولتان تمران في عملية مكثفة من المحادثات حول هذا الموضوع بالتحديد، المتعلق بمبدأ وجود دولة “اسرائيل”.
إن هذا الأمر مزعج بشكل خاص لأنه شمل تغييرا دراماتيكيا في سياسة الولايات المتحدة، ونتيجة ذلك توصلت الادارة إلى اتفاق سيء. ولكن من يعتقد أن الاتفاق جيد، سيجد صعوبة في تبرير المساق المتلوي الذي سارت فيه الادارة للتوصل الى اتفاق، حيث أن جزء من الخبراء في الادارة نفسها، اعتقدوا أنه ليس من الصحيح اخفاء الامر عن اسرائيل أو خداعها.
الولايات المتحدة فقدت ثقة “اسرائيل” بها. والادعاء الامريكي بأن ذلك تم بسبب الخشية من تسريبه في اسرائيل، ليس منطقيا، لأنه لم يتسرب أي شيء من النقاش بين الدولتين قبل أن يتم الانحراف الامريكي.
الوضع الجديد الذي أوجدته الادارة أجبر رئيس الحكومة الإسرائيلي على طرح موقف اسرائيل بشكل أكثر وضوحا ودقة – خصوصا في أذن الشعب الامريكي الذي هو الصديق الاهم لإسرائيل.
خلافا للماضي، وجود دولة “اسرائيل” يتطلب الحديث عن الأمور الهامة للشعب اليهودي حول الاشياء التي تخص مصيره، ومن الجيد فعل ذلك بالشكل الحاسم وفي الاماكن البارزة والاكثر تأثيرا، كما قال وزير الخارجية، يجب على الاصدقاء قول الحقيقة لبعضهم البعض.
كان يجب على رئيس الحكومة أن يأخذ في الحسبان أن الاتفاق السيء الذي تم التوقيع عليه قد يجعل إسرائيل في المستقبل تستخدم قوتها من اجل منع ايران من انتاج السلاح النووي العسكري. وكان يجب عليه وضع الاساس الاخلاقي الذي سيعطي في المستقبل الشرعية لهذه الخطوة الاستثنائية.
هذه الحاجة تنبع من التغيير الدراماتيكي في سياسة الادارة الامريكية التي تحولت من سياسة تفكيك القدرة النووية، الى سياسة تأجيل الحصول على القدرة النووية لـ 15 سنة أو أكثر. في الوقت الذي تستطيع فيه ايران الاستمرار في تطوير الصواريخ، والجيل القادم من اجهزة الطرد المركزي، بدون ازعاج.