البرلمان يضع السلطة القضائيّة تحت رحمة قادة الكتل السياسيّة
المدى برس/ بغداد
وسّع مجلس النواب من صلاحياته إثر إقراره قانون مجلس القضاء الأعلى بأغلبية مريحة في جلسة الخميس الماضي. وبموجب القانون الجديد، فإن للبرلمان السلطة الاولى على التعيينات داخل المؤسسة القضائية، الأمر الذي اعتبره نواب مخالفة دستورية صريحة.
وأكد معارضو قانون مجلس القضاء أن التشريع يسمح للبرلمان، وقادة الكتل من ورائه، وضع اليد على السلطة القضائية، ويهدد بضرب مبدأ الفصل بين السلطات واستقلالها.
بالمقابل انتقد أعضاء في اللجنة القانونية عدم تحديد القانون لفترة تولي رئيس المجلس للمنصب. كما سكت القانون عن تفاصيل اخرى لا تقل أهمية، كآلية اختيار بدلاء الرئيس واعضاء مجلس القضاء في حال غيابهم.
ورغم إقرار القانون بجلسة هادئة وبأغلبية مريحة، إلا ان أطرافاً برلمانية أكدت سعيها للطعن بالقانون، مؤكدين ان الكتل أقرت نسخة تختلف بنسبة 100% عن المسودة المقدمة من الحكومة.
إلى ذلك أكدت مصادر مطلعة عزم المحكمة الاتحادية الطعن بالقانون، عبر تكليف احد النواب بتحريك الدعوى.
وقدم عضوان في اللجنة القانونية اعتراضا خطياً على القانون في جلسة الخميس. كما تضمنت مداخلات النواب في الجلسة اعتراضات عديدة على بعض فقرات القانون.
ولم يتضمن بيان مجلس النواب، عن جلسة الخميس، الاشارة الى مداخلات النواب على التشريع المثير للجدل، كما جرت العادة في نهاية كل جلسة.
وسيحل القاضي فائق زيدان، رئيس محكمة التمييز الاتحادية الحالي، بدلا عن مدحت المحمود في رئاسة مجلس القضاء،على وفق المادة (2/ اولا) من القانون التي توضح ان (مجلس القضاء الأعلى يتألف من رئيس محكمة التمييز الاتحادية، ونواب رئيس محكمة التمييز الاتحادية، ورئيس الادعاء العام، ورئيس هيئة الإشراف القضائي، ورؤساء محاكم الاستئناف الاتحادية، ورؤساء مجالس القضاء في الأقاليم).
وأقرّ مجلس النواب، الخميس الماضي، قانون مجلس القضاء الأعلى، بأغلبية أعضائه. وهو أول تشريع للسلطة القضائية بعد أمر سلطة الائتلاف المؤقت.
وتمّ تمرير القانون في ثاني جلسة عقدها مجلس النواب في فصله التشريعي الجديد، وكانت برئاسة سليم الجبوري، وحضرها 230 نائباً.
وألغى التشريع الجديد، الذي يتضمن 11 مادة فقط، أمر سلطة الائتلاف المؤقتة (المنحلّة) رقم (35) لسنة 2003، الذي تعمل به السلطة القضائية منذ أكثر من عقد.
ونصت (المادة/ 1) من القانون على أن "يؤسس مجلس يسمى (مجلس القضاء الأعلى) يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والإداري، ويمثله رئيسه أو من يخوله ومقره في بغداد.
القضاء بيد البرلمان
وأكد النائب جبار العبادي، عضو كتلة دولة القانون، ان التشريع الجديد سيضع المؤسسة القضائية تحت سيطرة مجلس النواب، التي يجب ان تكون مستقلة بحسب الدستور العراقي.
وفصلت (المادة 47) من الدستور السلطات الاتحادية بأنها تتكون من "السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية، تمارس اختصاصاتها ومهماتها على اساس مبدأ الفصل بين السلطات".
ويقول النائب العبادي، في اتصال هاتفي مع (المدى) أمس، ان "البرلمان فرض تعيين نائب رئيس محكمة التمييز الاتحادية ورئيس محكمة الاستئناف الاتحادية ونائب رئيس هيئة الإشراف القضائي"، مشيرا الى ان "هذه الصلاحيات هي خارج حدود السلطة التشريعية التي حددت على وفق المادة 61 من الدستور".
وتنص المادة (61 / خامساً/أ) على ان مجلس النواب يوافق على تعيين "رئيس وأعضاء محكمة التمييز الاتحادية، ورئيس الادعاء العام، ورئيس هيئة الإشراف القضائي، بالاغلبية المطلقة، بناءً على اقتراحٍ من مجلس القضاء الاعلى".
طعون مبكّرة
ويؤكد النائب جبار العبادي أنّ "نص القانون الذي مرره مجلس النواب قد تم تغييره عن النسخة الحكومية بنسبة 100%، ولم يأخذ برأي القضاء بتلك التعديلات"، مشدداً على انه سيطعن بالقانون بمجرد صدوره بشكل رسمي.
إلى ذلك، كشف مصدر نيابي مطلع أن عزم المحكمة الاتحادية الطعن بدستورية القانون.
وقال المصدر، الذي تحدث لـ(المدى) مشترطا عدم ذكر اسمه لحساسية المعلومات، ان "المحكمة لاتستطيع بشخصها الطعن، لكنها ستكلف احد النواب بتحريك الدعوى بدلا منها".
وكان رئيس البرلمان سليم الجبوري قد اعتبر، في بيان له أصدره في نيسان عام 2015، قرار المحكمة الاتحادية بتحديد صلاحيات البرلمان بأنه إنجاز كبير للمجلس، مقدماً شكره للقضاء العراقي الذي قال بانه "راعى حق مجلس النواب في التشريع".
وكانت المحكمة الاتحادية قد أكدت، وقتها، أن السلطة التشريعية تمارس صلاحياتها كاملة على وفق المادة 60، 61، 62، 64/ أولا من الدستور وفي مقدمة المهام القيام بتشريع القوانين التي تستدعيها المصلحة العامة وفقاً للسياقات الدستورية.
وشددت المحكمة الاتحادية على ان "الاختصاص التشريعي لمجلس النواب يجب أن يكون مراعياً لمبدأ الفصل بين السلطات".
وكان التيار الصدري قد فتح النار على زعيم المجلس الأعلى الإسلامي عمار الحكيم، متهماً إياه بتعطيل إقرار قانون مجلس القضاء، الذي كان مدرجاً على جدول أعمال المجلس نهاية العام الماضي.
واتهمت كتلة الاحرار التحالف الشيعي بعرقلة التصويت على القانون بدعم من رئيسه، لدفع جهات معينة في مناصب مهمة بالسلطة القضائية.
وردت كتلة الحكيم على اتهامات كتلة الاحرار، عازية طلب سحب القانون الى سعيها للحصول على توافق سياسي أوسع، وتشريع قانون أكثر رصانة.
وكان الخلاف وقتذاك يدور حول بضع مواد من القانون، كتحديد منصب رئيس مجلس القضاء، وعلاقة الأخير بالمحكمة الاتحادية.
وأكدت كتلة الحكيم أن القانون سيعرض مجددا للتصويت في الفصل التشريعي الجديد.
كواليس جلسة التصويت
وعلى الرغم من عدم إشارة بيان البرلمان، الذي صدر عقب جلسة الخميس، الى اعتراضات النواب حول قانون مجلس القضاء، إلا ان النائب جبار العبادي قال "سجلت انتقاداتي حول النسخة المعدلة عن المرسلة من الحكومة خلال جلسة التصويت".
بدوره قال النائب حسن توران، عضو اللجنة القانونية البرلمانية، انه والنائب حسن الشمري قدّما اعتراضا خطيا على بنود القانون، وتم تسليمه الى رئاسة البرلمان.
واضاف توران، في تصريح لـ(المدى) أمس، ان "النائب عباس البياتي اعترض ايضا على القانون في نفس الجلسة"، موضحا بأن المعترضين أكدوا أن القانون يتضمن مخالفة للدستور ولايراعي مبدأ الفصل بين السلطات.
وتابع النائب توران بالقول ان "قانون مجلس القضاء لم يحدد ولاية رئيس المجلس"، مشيرا الى رفض اللجنة القانونية لمقترح تقدم به يتضمن تحديد ولاية رئيس مجلس القضاء بأربع سنوات قابلة للتجديد مرة واحدة.
ويرى عضو اللجنة أن القانون الجديد يسمح ببقاء رئيس مجلس القضاء الحالي في منصبه "من المهد الى اللحد"، حسب تعبيره.
واكتفت فقرة مقتضبة ضمن قانون مجلس القضاء بتحديد البديل عن الرئيس في حال غيابه، من دون إعطاء تفاصيل عن الإجراء الذي سيحدث بعد ذلك.
ونصت المادة (2/ ثانياً) على انه "يحل أقدم أعضاء المجلس، محل الرئيس عند غيابه لأي سبب كان".
من..وائل نعمة